الشيخة حور بنت سلطان القاسمي في حوار خاص بـ"هي": المرونة والقدرة على تقبل التغيير مهارات حياتية لا غنى عنها
تُعد الشيخة حور بنت سلطان القاسمي من أبرز الوجوه الثقافية والفنية في المنطقة والعالم، لكونها رئيسة مؤسسة الشارقة للفنون، ومديرة لمعرض بينالي الشارقة. فبفضل عملها الدؤوب والجاد، وشغفها اللا محدود وحسها القيادي، رفعت القاسمي إمارة الشارقة عالميا من خلال تصنيف معرض "بينالي الشارقة" أحد أهم 10 معارض عالميا، وها هي اليوم تخوض مغامرة جديدة هذه المرة في عالم تصميم الأزياء، من خلال تبوئها منصب المديرة الإبداعية لدار "القاسمي"، التي أسسها الشيخ خالد القاسمي رحمه الله عام 2015 .
في هذا الحوار الممتع، تكشف القاسمي عن حرصها على الحفاظ على رؤية الشيخ خالد القاسمي الذي كان يحرص على إضفاء القضايا الاجتماعية التي كان يؤمن بها على تصاميمه، فبالنسبة إليها، هذه الأعمال يستحق أن يراها العالم. أما عن نظرتها لمستقبل الفنون في العالم، فأكدت أنها على يقين بأن المؤسسات الفنية في الإمارات العربية المتحدة تمتلك جميع الإمكانات التي تسهم في تجاوز الحالة التي فرضتها جائحة كورونا، للخروج منها بخبرات وجدانية وتقنية جديدة ومثمرة.
بصفتك رئيسة مؤسسة الشارقة للفنون، كيف تقيّمين المشهد الفني في الشارقة وفي الإمارات بوجه عام؟
لا شك في أن المشهد الفني في الشارقة أصبح من أكثر المشاهد حضورا على المستوى المحلي والدولي، نظرا لما تقدّمه مختلف القطاعات أو المؤسّسات الفنية على صعيد البرامج والعروض النوعية التي تحتفل بها إمارة الشارقة، إلى جانب توفير بنية برامجية متكاملة تحاول مؤسسة الشارقة للفنون ترسيخها في مجتمعنا المحلي، وأصبحت بمنزلة حجر الأساس للحراك الثقافي والفني الذي تشهده المنطقة، ولا شك أيضا في أن المشهد الفني في الإمارات، أصبح من الأهمية بحيث لا يمكن تجاهل تأثيره فيما يحدث على الصعيد الإقليمي أو العالمي، فالعديد من التظاهرات الفنية التي تقام على أرض الدولة، استطاعت أن تلفت الأنظار إليها بسبب سويتها العالية وبنيتها المنفتحة على كل الثقافات وقدرتها على استقطاب أهم التجارب الفنية المعاصرة. وقد شهدنا خلال هذا العام تضافر وتآزر جميع المؤسسات والهيئات الثقافية الرسمية وغير الرسمية لدعم المشاريع الفنية من جهة، وتعزيز الوعي بأهمية الفنون في رهان أساسي لصياغة مشروعنا الحضاري، وتوفير بنية تحتية تستطيع استيعاب ومواكبة النمو الاقتصادي والاجتماعي الذي تشهده دولة الإمارات.
عام 2020 كان استثنائيا بامتياز بأحداثه المختلفة. ما أبرز الدروس التي تعلمتِها هذا العام؟
لعلّ أبرز الدروس التي تعلمتُها أن التّغيير حتمي وغير متوقع في كثير من الأحيان، وأنّ المرونة والقدرة على تقبل التغيير والتأقلم معه، مهارات حياتية لا غنى عنها إذا أردنا أن نستمر وننجح في مساعينا.
برأيك ما أبرز تداعيات جائحة 'كوفيد- 19" على عالم الفن والثقافة؟
أعتقد أن الجائحة أثّرت بشكل كبير في مختلف الفنانين والممارسين في قطاع الفنون البصرية، إلى جانب تأثيرها في آليات الإنتاج والتسويق في المؤسسات الفنية الرسمية وغير الرسمية، فقد أصبحت حركة الفنانين حول العالم مقيّدة، إضافة إلى تعليق الكثير من المشاريع والمعارض التي كان من المقرر افتتاحها هذا العام، وصارت الجائحة الحدث الأبرز الذي ألقى ظلاله على كل شيء، وانحسر أمامه إيقاع الحياة الطبيعي؛ غير أننا حاولنا في المؤسسة تصميم العديد من البرامج التي يمكن أن تعيد علاقتنا الحيوية بعالم الفن والإنتاج الفني، مثل "برنامج الإنتاج" الذي قدم منحة مالية لعشرة فنانين لدعم إنتاج مشاريعهم الفنية، وكذلك توفير قوائم شهرية تتضمن جميع الدعوات المفتوحة والفرص التي يمكن للفنانين والممارسين الفنيين المشاركة بها في مختلف المؤسسات الثقافية على المستوى الإقليمي والعالمي، وقوائم أخرى تضم عددا من الموارد التعليمية. إضافة إلى عروض للأفلام ودورات تعليمية قدمها فنانون متخصصون عبر الإنترنت، وغيرها العديد من البرامج.
كيف تنظرين إلى مستقبل عالم الفنون في السنوات المقبلة؟
أعتقد أن مستقبل الفنون يتوقف على الطريقة التي نعمل فيها الآن لدعم قطاع الفنون، وتعزيز سبل الإنتاج الفني، وذلك انطلاقا من موقعنا في المؤسسات الفنية، وإيمانا بأن هذا القطاع هو نتاج لتضافر جميع القطاعات الأخرى، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، وبذلك يمكن لنا استشراف ملامح المستقبل عبر إدراك ومعرفة الراهن بطريقة نقدية وتأملية، وعليه فإنني أرى أن ما سيأتي سيكون بالتأكيد قادراً على التعبير عن المكوّنات الجمالية والحضارية للإنسان على اختلاف الزمن الذي يعيش فيه، وعلى الرغم مما تبدو عليه الحياة الآن من تعطّل أو تعسّر في مساراتها الطبيعية، أنا على يقين بأننا نمتلك كل الإمكانات التي تجعلنا نتجاوز الحالة التي فرضتها جائحة كورونا، وأن نخرج منها بخبرات وجدانية وتقنية جديدة ومثمرة. بعد رحيل الشيخ خالد
القاسمي، رحمه الله، تبوّأتِ العام الفائت منصبَ المدير الإبداعي لدار الأزياء التي أسسها في عام 2015 ، والتي لاقت نجاحا باهرا بفترة زمنية قصيرة.
برأيك ما الإرث الذي تركه الشيخ خالد القاسمي في عالم الموضة والأزياء؟
كان خالد، رحمه الله، يمتلك رؤية فريدة جدا فيما يتعلق بعالم الأزياء، وكان شغوفا بروح كل قطعة ينتجها، وبالجودة التي ينبغي أن تكون عليها، وإلا فلن تنتقل منتوجاته من لوحة التصميم إلى مدرج العرض، وكان حريصاً على إضفاء القضايا الاجتماعية التي يؤمن بها على تصاميمه، وتلك هي الروح التي أحاول جاهدة أن أحافظ عليها، وأن تعكسها جميع التصميمات التي نقدمها، ومن المهم حقا بالنسبة لي أن يعلم الناس أن هناك الكثير من التأمل والتفكير وراء ما كان يفعله خالد، فقد كانت لديه خريطة طريق مدتها خمس سنوات للعلامة التجارية، والتي نعمل أنا وآدم (رئيس المصممين) الآن من خلالها، لإكمال مسيرته والحفاظ على رؤيته، ذلك أن عمله يستحق أن يستمر، وأن يراه العالم.
أنت المديرة الإبداعية لدار "قاسمي"، لا شك في أن منصبك هذا رافقته تحديات مختلفة. أخبرينا عنها؟
كل بداية تحمل تحدياتها، وعلى الرغم من تداخل مجالي الموضة والفن إلى حدّ كبير ومشاركتهما الجمهور، فأنا في النهاية أعمل بصورة غير ربحية باعتباري قيّمة، أما الموضة، فلها جانب تجاري، وهو ما شكّل تحديا بالنسبة لي، ولكن خالد كان توأمي، وهذه علامته التجارية، لذا عندما طلب مني فريق العمل لديه عقب وفاته أن أصبح مديرة إبداعية لم أتردد، خصوصا بعد التشجيع الذي لاقيته من والدتي لخوض التجربة، وإكمال حلم خالد؛ وعلى الرغم من إدراكي أنها مسؤولية كبيرة وصعبة، سأحرص دائما على أن تظل رسالته قائمة.
في عالم تشتدّ فيه المنافسة، برأيك ما أبرز عناصر نجاح دور الأزياء المحلية التي تسعى إلى الانتشار عالميا؟
ربما تكون أبرز تلك العناصر من وجهة نظري، وأيضا مما كان يؤمن به خالد، أن تحمل قطع الأزياء رسائل ومعانيَ إلى جانب اللمسة الابتكارية الخاصة بها، فكلما اكتسبت القطع طابعا يعكس روح مصممها، ازدادت فرصتها في أن تقدم نتاجا قيّما يلفت الأنظار إليه وسط عدد هائل من دور التصميم.
ما خطتك لتطوير الدار وتعزيز انتشارها في المنطقة وفي العالم؟
ثمة العديد من الأفكار والمشاريع التي تدور في ذهني لتطوير تلك الدار وفق هويتها الأساسية التي حققتها منذ انطلاقتها، لكننا نحاول اختبارها في مجموعة من الأزياء التي نعمل عليها، وقد أعدنا مؤخرا إطلاق التصميمات النسائية ضمن مجموعة أزياء خريف شتاء 2020 .
برأيك كيف يلتقي تصميم الأزياء بالفنون الأخرى؟
من تجربتي بصفتي قيّمة فنية أستطيع أن أقول إن تصميم الأزياء يتقاطع بطريقة أو أخرى مع كل أشكال الفنون، من ناحية المحتوى والتكوين اللوني والخطوط، وكذلك الجمهور. أحد العناصر الأربعة التي ترتكز عليها تصاميم دار "قاسمي" هي التصميم المعماري، لأن خالد كان شغوفا به، وهو ما يظهر جليا في التصميمات التي تقدمها الدار. كل مجال قد يحمل إلهاما لمجال آخر، لذا فهناك تداخل دائم بين الفن وتصميم الأزياء.
كان لدار "قاسمي" حضور بارز في حملة "الحب للمحلّي" التي أطلقتها دار "بلومينغدايلز" في متاجرها المختلفة. أخبرينا أكثر عن هذا التعاون؟
أعتقد أنه من الرائع أن تسلّط دار "بلومينغدايلز" الضوء على أبرز المصممين في الشرق الأوسط من خلال حملة "الحب للمحلي"، باعتبار أنّ تجاربهم تعكس كمّا هائلا من القصص والتراث والتصاميم التي يزخر بها تاريخ هذه المنطقة، فلدى أولئك المصممين مخزون بصري كبير، وتجارب ذات طابع خاص تمنح تصاميمهم بصمة مميزة. ولذا فأنا سعيدة للغاية بهذا التعاون، وسعيدة بأن تكون علامة "قاسمي" ضمن دور الأزياء التي اختيرت لهذه الحملة.
ما مشاريعك المستقبلية لـ"قاسمي"؟
أعتقد أننا سنركز بشكل أساسي على الترويج لدار "قاسمي"، وتصميم وتنفيذ مجموعات جديدة بالتعاون مع فريق العمل لزيادة انتشار العلامة التجارية لتكون متاحة للبيع عالميا.
ماذا تقولين بمناسبة قدوم اليوم الوطني للإمارات؟
نهنّئ الجميع بهذه المناسبة التي أصبحت فرصة للاحتفال والفرح واستعادة ذكرى قيام الاتحاد في دولة الإمارات، والتي سمحت للدولة بأن تحقق رهانها الحضاري، وتصبح على خريطة العمل الثقافي والنمو الاقتصادي. وهي مناسبة يتشارك فيها الجميع الاحتفال من مواطنين ومقيمين بمختلف جنسياتهم وخلفياتهم الثقافية.