متسلقة قمة إيفرست السعودية رها محرق لـ هي : لا أبحث عن المخاطر
جدة: إسراء عماد
فتاة عاشقة للمغامرة تتميز بقوة القلب وتكره الروتين، لم تتردد يوماً في الإقبال على تعلم كل ما هو جديد، مارست الكثير من ألعاب المغامرة مثل القفز من الطائرة، والغوص مع القروش، إضافة إلى ركوب الخيل والسكواش والكرة الطائرة، منذ صغرها تحب السفر مع عائلتها لاكتشاف الثقافات الأخرى، تعشق التصوير وتجميع الكاميرات القديمة، يستهويها كل ما هو قديم، إنها المتسلقة السعودية الشابة والمصممة الغرافيكية رها حسن محرق، التي بحثت منذ عام ونصف عن تغيير آخر في حياتها فكان تسلق الجبال هو سبيلها إلى ذلك.
"هي" قامت بزيارة إلى منزل رها لتصف لنا مغامراتها التفصيلية في تسلق آعلى قمة في العالم، وتقدم نصائحها لكل فتاة سعودية من أجل تحقيق حلمها.
ماذا الهمك للتسلق ومتى اتخذت القرار؟
بعد أن تخرجت من قسم تصميم وإعلان في الجامعة الأميركية بالشارقة، عملت في أحد المكاتب كمصممة غرافيكية لمدة ثلاث سنوات، فأصابني الملل ولم أتحمل الجلوس بين أربعة جدران، حتى سمعت عن تسلق الجبال لتكون الفكرة واضحة جدا في ذهني، وذهبت لتسلق أعلى قمة في إفريقيا "كيليمنجارو" في نوفمبر 2011 لتكون التجربة الأولى، ودرَّبْت نفسي بنفسي لأصل إلى قمة إيفرست في وقت قياسي لم يتوقعه الجميع.
كيف واجهت عائلتك وصديقاتك بفكرة التسلق؟
عائلتي وصديقاتي معتادون دائماً على أفكاري المجنونة، وبالرغم من إعتراض عائلتي على الفكرة في البداية، إلّا أنهم لم يمنعوني من تحقيق أحلامي، بل تقبلوا الإستماع والإصغاء إليّ، واقتنعوا بأن ما أود فعله ليس خاطئاً، ولم يخجلوا يوماً من شخصيتي ومن أفكاري الغريبة منذ صغري.
صراحةً، هل سعيت للشهرة من خلال لقب أول سعودية تصل إلى قمة إيفرست؟
لا على الإطلاق. لقد أصبحت بالصدفة شخصية لم أتمنّ يوماً أن أكونها، ولم أتخيل أنني كوني جريت وراء أحلامي أن تنفتح لي هذه الأبواب وأن تصبح الأنظار مسلطة علي الى هذه الدرجة، وأن أجعل العالم بأسره يغير وجهة نظره في المرأة السعودية، فإيفرست هو تاسع جبل أتسلقه، وإذا كنت أريد الشهرة كان بإمكاني أن أشهر نفسي منذ أول جبل تسلقته.
تعرفت على ثقافات جديدة وزرت بلدانا مختلفة، فما أكثر بلد أحببت زيارته وأكثر تجربة تسلق استهوتك؟
تعرفت على حياة البوذيين من خلال المعابد التي زرتها على الجبال، قابلت أشخاصاً من بلدان مختلفة أصبحوا مثل الأهل، عشنا وغامرنا وواجهنا الخطر سوياً، أما عن الجبال فكيليمنجارو في تنزانيا كانت تجربة لا توصف لأنها المغامرة الأولى، بينما تسلق جبل إيفرست متنوع فيه جميع أنواع التسلق ومختلف الاحوال الجوية، فكان يمر علينا في اليوم الواحد أربعة فصول، ومن أكثر المناظر العجيبة التي شاهدتها حين كانت نصف السماء شمس ساطعة بينما النصف الآخر غيوم تمطر علينا بالثلوج، وكانت هناك بازارات عالمية شهيرة وأماكن لبيع جميع المستلزمات حتى ارتفاع 3000 متر، وحتى إرتفاع 5500 مترا كانت هناك أكواخ ومنازل صغيرة إلّا أنه بعد هذه المسافة لا يوجد أي عمار.
صفي لنا الشهرين التي قضيتهما في تسلق جبل إيفرست؟
الكثير يظن أننا فقط نصعد إلى الأعلى دفعة واحدة، إلّا أننا بدأنا من القاعدة على ارتفاع 5,500 متر تقريباً، لنصعد لمسافة ثم نهبط إلى الصفر ثم نصعد إلى إرتفاع أعلى، ونهبط إلى القاعدة وهكذا لست مرات حتى نبلغ القمة، وهذا ما يسمى بـ Drop Back أي العودة للاسفل، وهو لم يكن خياراً بل هو ضروريا كي نهيئ أجسادنا لتكوين كريات دم حمراء تتحمل نقص الأوكسيجين على جبل يتعدى إرتفاعه 8000 متر.
وهل يكون هذا الجهد يومياً، أم هناك أيام للراحة؟
لا نتسلق يومياً، بل هناك أيام مخصصة للراحة وأيام للتدريب، وكانت هناك خمسة أيام للراحة قبل الوصول للقمة كي نتهيأ لأصعب مرحلة، وذلك بتخطيط من المدربين برفقتنا، وفي أيام التسلق علينا السير أكثر من 12 ساعة في اليوم، وهناك من يسير 20 ساعة تبعاً لقدرات كل شخص، وبعض المسافات تكون سيراً على الأقدام وبعضها تسلق.
ما الإجراءات التي تتخذيها لإعداد جسمك للتسلق؟
البرودة فوق الجبال تفقدني الكثير من الوزن لذلك قبل الصعود باسبوعين أتناول المزيد من النشويات كي أستطيع الصمود وتعويض ما سأفقده من وزن، حيث يفقد الشخص قرابة الـ9 كيلوغرامات، لأننا نحرق حوالي 10,000 سعرة حرارية في اليوم الواحد، وفي آخر دفعة من التسلق التي توصلنا للقمة يحرق الشخص حوالي 20 ألف سعرة حرارية يومياً، كما أنني منذ البداية، تدربت على مختلف الظروف الجبلية من الأسهل إلى الأصعب.
ماذا عن الصعوبات التي واجهتك... وكيف تغلبت عليها؟
المدة التي قضيناها هي شهران، فكان من الطبيعي أن تمر علينا فترات المرض، فقد تعرضت في فترة لحرارة قاتلة في جسدي، بينما أنا مرغمة على السير لتسع ساعات، والطريق الذي نسير عليه مليئ بالتعرجات قد تنشق في أي لحظة وتلتهمنا، ومن الوارد الإنزلاق من الثلج، وقد تتساقط الأحجار من الأعلى أو تأتي كومة كبيرة من الثلج تدفعنا إلى الخلف وتلقي بحتفنا، إلّا أن كل هذه الإحتمالات يجب أن نُغَلِّفها بالعزيمة وتمالك الأعصاب، فأنا أعشق المغامرة وأحب أن أضع نفسي في مواقف أكتشف من خلالها قدراتي.
هل شعرت للحظة بالخوف؟
لم أشعر في لحظة بالخوف من الإرتفاع أو الحفر، إلَّا أنني خشيت أن تتغلب عليّ البرودة ولا أستطيع الإستمرار فيتجمد جسدي في درجة حرارة أقل من 45 درجة مئوية مصاحبة برياح شديدة، فأنا قادمة من بيئة صحراوية عكس الآخرين.
وبين جميع هذه المخاطر، هل وصلت لحد "سأبلغ القمة أو أموت" ؟
لا... لأنني وعدت أهلي ونفسي إذا أقبلت على أي خطوة تنهي بحياتي سأتراجع عنها، ولن أدفع نفسي بقوة وأحملها ما ليس بطاقتي، فبالرغم من المواقف والأيام والليالي الصعبة التي واجهناها إلّا أنها لم تحمل خطورة على حياتي، فالجبال التي تسلقتها لا تعتبر الأكثر خطورة، فهناك أشد جبلين في العالم خطورة هم "ألابيرنا" و"كيتو"، ولن أتسلقهم لأنني لا أبحث عن هذا النوع من المغامرات.
مكثت فوق قمة جبل إيفرست أقل من 20 دقيقة، ما الأمور التي حرصت على فعلها؟
هناك أمر أحرص عليه دائماً أعلى قمم الجبال التي تسلقتها، وهو إلتقاط صورة لي وأنا ممسكة بحذاء إبن أختي الصغير "محمد" ذو الـ 5 أشهر، لأنني أتمنى أن يفعل مثلي وأكثر في يوم من الأيام.
التسلق هواية تأخذ الكثير من الوقت. فهل انقطعت عن عملك لتتفرغي لهوايتك؟!
من الصعب جداً التفرغ لهذا المجال وأنا مازلت في البداية، وعملي كمصممة غرافيكية لا يعيقني عن التسلق لأنه عمل حر، فحين أكون متفرغة بين الجبل والآخر أستلم مشروعاً يستغرق وقتاً مناسباً لتلك الفترة في السعودية أو الإمارات، أما مستقبلاً فينصب تركيزي على آخر جبلين أود تسلقهما في القطب الشمالي وأستراليا، لأكون بذلك قد أنهيت السبع قمم حول العالم، وأتمنى أن اشارك في الأعمال التطوعية، وخاصةً مساعدة الأطفال في البلدان المتضررة لمنحهم الثقة التي ربما فقدوها.
كونك بالصدفة أصبحت هذه الشخصية الشهيرة، ماذا تنصحين غيرك من الفتيات لتحقيق أحلامهنّ؟
أناشد الفتيات أن يبحثن عن أحلامهن ويسعين لتحقيقها، "يا بنات احلموا" ابحثوا عما يخرجكنّ من الروتين، وإزرعوا الطموح بداخلكن، وكَوًّنوا الشجاعة لمصارحة أهاليكنّ بما تعتزمن، ولا تخفنَ من كلمة "لا”.. لقد سمعتها من قبلكنّ، قد يظن البعض أنني مختلفة وعائلتي متفتحة، إلّا أنني فكرت مئة مرة قبل مصارحة والدي بالتسلق، ثم أيقنت أنه حلمي ولن يمنعني الخوف من تحقيقه.