خاص "هي"- مهرجان فينيسيا 2022: فيلم "Bardo" إنياريتو يقدم صورًا متفرقة شوهدت من قبل
ضمن مسابقة مهرجان فينيسيا في دورته 79، يعرض أحد أكثر الأفلام المنتظرة هذا العام، "Bardo" (باردو)، العمل الأحدث للمخرج المكسيكي المهم أليخاندرو جونزاليس إنياريتو، الحاصل على جائزة أوسكار أفضل إخراج مرتين. بجانب القيمة الفنية اللافتة التي تظهر في أفلام إنياريتو السابقة، فإن أهمية الفيلم تزداد عندما نعلم أنه يشهد عودته لوطنه المكسيك، بعد عدة سنوات قضاها يصنع أفلامه خارجها، كما أن "باردو" يقطع فترة ابتعاد هي الأطول في مسيرته عن الأفلام الطويلة، امتدت قرابة 7 سنوات منذ فيلم "The Revenant" (العائد) عام 2015.
أن تحاول قول كل شيء
نتابع في أحداث الفيلم الصحفي وصانع الأفلام التسجيلية المكسيكي سيلفيرو جاتشو، الذي يعيش في الولايات المتحدة، وهناك سيحصل على جائزة رفيعة في مجال الصحافة، تمنح للمرة الأولى لشخص غير أمريكي، لكنه يعود إلى وطنه المكسيك لفترة قصيرة قبل استلام الجائزة، لتصبح هذه الزيارة بمثابة إطلالة على حياته كلها.
سريعًا سندرك الجانب الشخصي في الفيلم، فسيلفيرو هو إنياريتو، المخرج الذي غادر بلده ليصنع أفلامًا تلقّى عنها الثناء، لكنه بالتأكيد لم ينجُ من اللوم لابتعاده عن موطنه الأصلي. ليست هي المرة الأولى التي نشاهد فيها فيلمًا ذاتيًا، ربما كان الأشهر هو الإيطالي فيلليني في فيلمه الشهير "8 ½ "، ولدينا يوسف شاهين الذي قدم ملامح من حياته في عدة أفلام، منها "حدوتة مصرية"، وغيرهما. تحتاج هذه النوعية من الأفلام إلى جرأة شديدة، إذ أن المخرج عادة ما يعري نفسه أمام المشاهد، الأمر هنا ليس فيلم سيرة تقليدي، متى ولد وكيف عاش، هذه الأفلام يصنعها بعض المخرجين عن الآخرين وليس عن أنفسهم، لا بد من وجود جانب أكثر عمقًا يقدمه صانع العمل عندما يتحدث عن نفسه، ولا يخلو الأمر من محاسبة للذات أيضًا.
في "باردو" نعرف أن المخرج سيلفيرو لديه أزمة هوية واضحة، فهو يُنتقد في وطنه المكسيك لأنه لا يعيش هناك، ولأن بعض أفلامه تتحدث عن المهمشين بينما هو يتعامل في الحقيقة مع الأثرياء وأصحاب النفوذ، بينما هو في الولايات المتحدة لا يعامل كمواطن، رغم أنه يعيش هناك لمدة 20 سنة، بل يرفض ضابط الجوازات أن يتركه يقول عن الولايات المتحدة إنها بلده، وهو ما يجعل سيلفيرو يشعر بأنه تائه، ويخشى المواجهة.
بينما يبرز هذا الخط الواضح خلال أحداث الفيلم، وهو ما يكفي لصنع فيلم ذاتي مميز، سنجد إنياريتو لا يكتفي بهذا، بل هو يمر أيضًا على بعض الأحداث السياسية والوقائع التاريخية، كما إنه ينظر إلى واقع المكسيك الحالي ومعاناة المواطنين هناك. في بعض الأحيان سننجح في الربط بين هذه التفاصيل والخط الرئيسي للفيلم، لكننا في الكثير من الأحيان الأخرى سنشعر بضجيج من الأفكار المعروضة أمامنا، لتصبح المحصلة هي الكثيرة من التفاصيل لمتناثرة هنا وهناك، التي يمكن التعامل معها منفردة لكن من الصعب الاستمتاع بها جميعها داخل إطار فيلم واحد.
الكثير لتشاهده
لا يمكن التعامل مع هذا الفيلم، أو أفلام إنياريتو بشكل عام، دون التوقف عند الأسلوب التقني المستخدم، ونحن أمام مخرج يجيد توظيف الأسلوب لخدمة موضوع الفيلم. مثلما يمثل "باردو" إطلالة من إنياريتو على ذاته فإنه في الآن نفسه يوظف في الفيلم أساليبه المختلفة التي شاهدناها في أفلامه السابقة، بين اللقطات الطويلة دون قطع التي شاهدناها في "Birdman" (الرجل الطائر)، أو الحالة البصرية المقبضة مثلما في "Biutiful" (، أو حتى في القدرة على الانتقال السلس بين الخطوط المختلفة مثلما في "Babel" (بابل)، وإن كانت الخطوط في "باردو" أكثر تعقيدًا وتبدو وكأنها هلاوس، وهو ما سنكتشف سببه في نهاية الفيلم.
يمكننا مرة أخرى ملاحظة تأثره الواضح بعدد من المخرجين، منهم على سبيل المثال لا الحصر إمير كوستوريتسا، في كيفية مزج الموسيقى مع الكوميديا مع حركة المجاميع، في أحد المشاهد المبكرة من الفيلم. لكننا مرة أخرى لن نستطيع أن نتجاوز حالة التشتت التي تصاحب كل هذا. سنشعر أننا أمام مجموعة كبيرة من الأفلام والأساليب. أعتقد أن بعض مشاهد الفيلم ستصمد كثيرًا في الذاكرة، مثل التتابع الخاص بسقوط البشر في الشارع أمام سيلفيرو، لكنها تبقى مشاهد مضيئة وحدها ولا تكفي لحمل الفيلم بأكمله. خاصة وأننا سنجد في مقابلها بعض المشاهد الأخرى التقليدية والتي شوهدت من قبل مثل مشاهد شجار سيلفيرو مع ابنه والحديث عن الهوية.
فيلم "باردو" رغم احتوائه على بعض اللحظات الممتعة والمميزة، فإنه يقع في أزمتين كبريين، الأولى أن هي أننا سنشعر بطول مدة الفيلم رغم الانتقال الدائم بين الكثير من الأحداث، وذلك لعدم وجود ترابط قوي، والأزمة الأخرى، أنه في تأثره بالكثير من المخرجين الآخرين الذين قدموا أفلامًا مشابهة، إنما يجعلنا نتذكر هذه الأفلام ونشهر بالهوة الكبيرة بين تقديم فيلم ذاتي عميق ومحاولة قول كل شيء في 3 ساعات.
الصور من حساب مهرجان فينسيا على "انستجرام".