قصة معطف الترانشكوت القطعة الأيقونية في عالم الموضة
فيما تحتفل مجلتنا هذا الشهر بالذكرى الثلاثين لتأسيسها، فكّرنا في سرد قصة قطعة أيقونية في عالم الموضة، قطعة ستبقى عابرة للزمن وخالدة الأناقة على الرغم من سنها، تماما كما نريد لـ"هي" أن تكون.
إذا فكّرنا في معطف الترانشكوت، ما زلنا نستطيع حتى اليوم سماع صدى صوت شخصية "هولي غولايتلي" وهي تنادي من كل قلبها قطتها على شوارع نيويورك، في مشهد كان فيه شعرها مبللا من المطر..
لا جدال في رمزيته الأيقونية ضمن الثقافة والأناقة الإنجليزيتين، لكنه أيضا قطعة أساسية في الأسلوب الفرنسي. وصار الترانشكوت شكل المعطف الذي جذب نجوم هوليوود ونجمات أفلامها، وأسهم في بناء مئات الشخصيات السينمائية الساحرة بأناقتها: من "ماريلين مونرو" في آخر ظهور لها في فيلم موسيقي، و"صوفيا لورين" في فيلم "المفتاح"، و"ميريل ستريب" في "كرامر ضد كرامر"، إلى "آلان ديلون" في فيلم "الساموراي"، و"براد بيت" في "أوشن 12".غير أن تاريخه لا يبدأ في هوليوود، وعلى الرغم من أنه نجح على مر السنين في أسر مخيلة أجيال بأكملها، تعود جذور لباس الترانشكوت إلى بداية القرن التاسع عشر. ولا ننسى أن الإسبان تعلموا منذ عام 1615 استعمال مادة اللاتكس أو اللثى لصنع أقمشة صامدة ضد الماء، وأنه قبل ذلك حتى، حمل "كريستوفر كولومبوس" معه في عام 1496 كرات المطاط الطبيعي من المنطقة التي كانت تعرف باسم "الهند الغربية". وفي بداية القرن التاسع عشر، أسس المخترع الإنجليزي "توماس هانكوك" صناعة المطاط الإنجليزية. لاحقا، اكتشف الكيميائي الاسكتلندي "تشارلز ماكنتوش"، خلال البحث عن طريقة لاستخدام المخلفات والفضلات من عملية تحويل الفحم إلى غاز، أن المادة المستقطرة التي نحصل عليها من القطران كانت قادرة على تذويب المطاط. وهكذا، فكر "ماكنتوش" في وضع المطاط الذائب على قطعة قماش صوفي وجمعها بقطعة أخرى، فحصل على قماش صامد ضد الماء حاز عنه براءة اختراع عام 1823 قبل أن يصنع لباسا عُرف باسم "ماك" Mack، وصُمم للرجال الذين كانوا يمارسون رياضة ركوب الخيل ويحبون صيد السمك، ويعشقون المغامرات في الهواء الطلق.
في مرحلة لاحقة، وتحديدا في 1853، أنتج الخياط "جون إماري" الذي كان يعمل في حي "ميفير" المرموق، معطفا مطريا محسّنا، بفضل التقدم التكنولوجي وتطوير تغطيات مطاطية تتيح مرور الهواء أكثر؛ وأطلق على ذلك المعطف اسم شركته "أكواسكوتوم" Aquascutum. وفي عام 1856، أسس الخياط "توماس بربري" الذي كان يعمل في مقاطعة هامبشير، شركة حملت اسمه، وابتكر في 1879 قماش "غبردين" الخاص بدار "بربري"، وهو النسيج الأكثر مقاومة والأكثر قابلية للتنفس بين المواد المستعملة في الملابس الخارجية.
في بداية القرن العشرين، تلقّت "بربري" طلبا من الدولة الإنجليزية لإنتاج لباس خارجي عسكري للجيش يكون في الوقت نفسه صامدا ضد الماء. هكذا ولد ترانشكوت الحرب العالمية الأولى بتصميم ذي صفّي أزرار، وقصة ضيقة الخصر تتسع تدريجيا عند الأسفل، وطرف أخير يصل إلى ما تحت الركبة. أما اسم هذا المعطف فورد مطبوعا في مجلة عن الخياطة عام 1916، وذكّر بالخنادق (trenches) الموحلة. طرفا الكمّين كانا ضيّقين، وكان للحزام حلقات على شكل حرف D لتعليق الإكسسوارات، والكاب الموجود على ظهر المعطف ساعد الماء على الانزلاق، واستطاعت أزرار العنق حماية الجنود من الغازات السامة لدى إغلاقها، وبقيت الجيوب طبعا عميقة، والبطانة الداخلية قابلة للنزع بهدف استعمالها بطانية عند الحاجة. أما لون المعطف الأيقوني فكان في البداية عسليا، غير أنه خلال سنين الحرب، اكتسى باللون الكاكي في خدمة التمويه العسكري.
تعود جذور لباس الترانشكوت إلى بداية القرن التاسع عشر
لطالما كانت الملابس العسكرية مصدر إلهام لا ينضب لعالم الموضة، خصوصا مع وجود أرشيفات مهمة جدا مكرسة فقط لهذه الأزياء. والترانشكوت بنفسه تحول من رمز لضباط الحرب إلى صيحة حقيقية كان لا بد لها من أن تصبح أيقونية وعابرة للزمن. وقد لعبت هوليوود على الأرجح دورا محوريا في ذلك عبر سرد قصص خيالية عن جنود وجواسيس ومخبرين، وهو ما جعل المعطف الإنجليزي الأصل مرادفا للأناقة.
الترانشكوت اليوم هو لباس خارجي يعيد مصممو الأزياء حول العالم تفسيره في كل موسم، مستخدمين أقمشة مختلفة قد تنقص من ميزاته التقنية في سبيل منحه سحرا خاصا. على سبيل المثال، اختار المصمم "كريستيان لاكروا" عام 2005 أن يضخم حجم تنورة الترانشكوت، ويستخدم قماشا فاخرا مثل الساتان بدل الغبردين الكلاسيكي، ويزينه برسوم مطلية باليد وبلآلئ براقة. ولهذا الخريف، زخرفته دار "ديور" بتطريزات وتفاصيل أنيقة للغاية. قدّمت دار "غوتشي" بدورها سترة فضية متلألئة، أما علامة "فيتمان"، فأعادت إطلاق قماش الطرطان وطابقت بين السترة والملابس الموجودة تحتها.
ومسك الختام مع المصمم "ريكاردو تيشي" الذي خطف أنفاس عشاق الموضة هذا الموسم الخريفي الشتوي، حين أعاد ترجمة هذه القطعة الأيقونية مع أكمام ذكّرتنا بالأبطال الخارقين، وتفاصيل عسكرية مموهة، وحتى مع تصميم طويل من الأمام وظهره قصير جدا للجريئات والشجاعات منّا!