الرسامة اللبنانية ألكسندرا بيطار لـ"هي": أنا أسيرة في عالم الأشكال والألوان
امرأة تحاكي معاني الشفافية برقتها، تصرخ بصمت، وتفجّر صوتها من خلال الأشكال والألوان، عانت كثيرا من جراء حادثة انفجار بيروت التي فجرت في داخلها قوة فنية كبيرة ترجمت بثلاثة معارض احتضنت رسومات تعكس الكثير من الكلام والصراخ والأحاسيس في لوحات شدت النظر إليها، وسلبت أنفاس الحضور بأسلوبها القوي والاستثنائي. لعب المحيط الذي نشأت فيه الرسامة اللبنانية ألكسندرا بيطار دوره في اكتشاف ميولها الفنية في سن المراهقة، فوجدت من الريشة أداة للتعبير عمّا كان يدور في داخلها في تلك المرحلة الحساسة من حياتها. واستمرت في الرسم واكتشاف تفاصيل هذا العالم إلى أن أنهت دراستها الجامعية في مجال التصميم الجرافيكي في لبنان، وتصميم المجوهرات في ألمانيا، لكنها اكتشفت لاحقا أنها لن تجد نفسها إلا أمام اللوحات وبين عالم الألوان. "هي " كانت لها معها جلسة مميزة تحدثت فيها ألكساندرا عن نفسها وفنها وأعمالها في هذا الحوار:
كيف اكتشفت ميولك الفنية؟
ولدت في كنف عائلة متذوقة لكل مجالات الفن، فوالدتي عاشقة لتاريخ الفن، ولطالما كانت دائما تصحبني معها لزيارة المتاحف في مختلف البلاد التي كنا نسافر إليها، كما كنا نشاهد معا دائما الأفلام الوثائقية المتخصصة بجميع مجالات الفن، كما أن خالي فنان متخصص في الرسم والنحت، أما والدي، فيهوى التصوير ويحترفه، وعائلة والدتي منغمسة في تصميم المجوهرات. كل هذه الأجواء مجتمعة أثرت في نشأتي، وحددت ميولي وانتمائي إلى هذا العالم.
ومتى بدأت باكتشاف خطواتك الفنية الأولى؟
كنت في الثالثة عشرة من عمري عندما بدأت أرسم الوجوه من دون توقف، فكنت ألجأ إلى الورقة والقلم، وأبدأ بالرسم حتى خلال حصص التدريس، فسلبني هذا العالم بقوة إلى أن انتقلت إلى مرحلة اكتشاف عالم الريشة والألوان، وبدأت لوحاتي تحدد مكانها بقوة في حياتي، إلى أن شاركت في معرض فني، وعرضت أولى لوحاتي. وكنت حينها في التاسعة عشرة من عمري فقط، وبيعت كل الرسومات التي عرضتها، وهو ما دفعني أكثر إلى التمسك بما أقدمه، وبت أسيرة في عالم الأشكال والألوان!
لأي مدى يبهرك عالم الألوان تحديدا؟
الألوان عالم عميق جدا، يأخذنا بقوة إليه، ويحيطنا بأسراره، وشخصيا أضع هوية لونية لكل شخص ألتقي به في حياتي، وأنظر إليه من منظار معاني هذا اللون. فأنت على سبيل المثال تشبهين اللون البنفسجي الذي يجمع بين الدفء والقوة معا. فكل لون يدل على شخصية صاحبه، وعلى شعور يعكسه داخل الناس الذي تحيطه.
هل اخترت الفنون كاختصاص جامعي؟
اخترت التخصص في التصميم الجرافيكي، لكني لم أجد نفسي في هذا الاختصاص، لذلك انتقلت إلى جامعة الألبا، ودرست تصميم كُتب الرسوم المُصوّرة، حيث بالإمكان التعبير عن قصة معينة أو شعور محدد بالرسوم. وفي هذا الوقت شاركت في معرض متخصص، وعرضت لوحات الأكريليك التي كنت أرسمها، ولاقت إعجاب الكثير من الحاضرين، وبيعت بسرعة قياسية، وهو ما زاد حماسي أكثر للاندفاع نحو المزيد من الانغماس الفني.. فاتجهت فيما بعد إلى دار "كريستيز" في نيويورك.
لكن ألم يجذبك عالم تصميم المجوهرات الذي تخصصت به في ألمانيا؟
بناء على تشجيع والدتي للانغماس في عمل العائلة في تصميم وتجارة المجوهرات اتخذت قرار التخصص في هذا المجال في ألمانيا، وبدأت رحلة العمل مع العائلة على مدى سنتين قبل أن أكتشف أني لا أنتمي إلى عالم المجوهرات، على الرغم من أنها كانت تجربة غنية، اكتشفت تفاصيلها، واختبرتها إلى أن قبلت بعرض عمل في دبي، وتحديدا في مجال التنسيق الفني لجلسات التصوير، كانت تجربة استثنائية تعلمت الكثير منها.
كيف تصفين شخصيتك الفنية؟
إنا إنسانة شفافة للغاية، أتأثر بقوة بكل ما يحيطني، وأفرغ أحاسيسي بالرسم، فأغوص في الألوان، وأترك لريشتي مهمة التعبير عمّا في داخلي، فتسحبني معها بقوة أحيانا، وبنعومة أحيانا أخرى، وذلك تبعا لقوة إحساسي. وفي بداية انطلاقتي الفنية كنت أرسم بلا ألوان، لأني كنت حينها أشعر بالكآبة، فشفافيتي مرهفة جدا، وأجد نفسي أحيانا كالإسفنجة سريعة التأثر بكل ما يحيطني، لذلك أعمل على شخصيتي في هذه المرحلة من حياتي، للحد من قوة التأثر بكل ما يحيطني أو تفريغ هذا التأثر بسرعة في لوحاتي.
ماذا عن قرار السفر إلى نيويورك سنة 2019؟
اتجهت إلى نيويورك، وبدأت بدراسة تاريخ الفن وإدارة أعمال الفنون في عام 2019، وتحديدا في دار "كريستيز".. إلى أن تلقيت اتصالا من معرض ART BASEL في "ميامي بيتش" في الولايات المتحدة للمشاركة به وهناك عرضت لوحاتي، وتعرفت إلى الكثير من الفنانين هناك. وكانت هذه الخطوة بمنزلة تأكيد لوجودي بالمكان الصحيح في حياتي المهنية.
متى عرضت لوحاتك في معرض خاص بك؟
كان معرضي الأول في نيويورك سنة 2021، وحمل اسم ABSTINENCE، وحضره أكثر 250 شخصا، عرضت فيه الكثير من اللوحات التجريدية التي كانت مفعمة بالمشاعر القوية، وخصوصا أن هذا المعرض جاء مباشرة بعد سفري من بيروت جراء الانفجار الكبير الذي حدث آنذاك في منطقة المرفأ، والذي أثر فيّ نفسيا وبقوة، ولا سيما أن والدتي تعرضت للإصابة، وكذلك صديقاتي حين كنا جميعا مجتمعات في البيت، وسقط الزجاج علينا وسط صدمة وذهول وصراخ وغضب وجروح جسدية ونفسية رافقتني بقوة وأثرت فيّ، وانعكست على لوحاتي.
هل تغير نمط رسوماتك من المعرض الأول ABSTINENCE إلى المعرض الثاني FUNCTIONAL IMPAIRMENT
لقد كان الحضور أكبر في هذا المعرض، وكان بمنزلة صرخة ثانية للتعبير عن مشاعري أيضا، وشعرت بارتياح كبير في التعبير عمّا في داخلي بالرسوم التي قدمتها، والتي ناقشها الحضور بقوة.
في ديسمبر 2022 أقمت معرض INDULGENCE في بيروت. ما الإحساس الذي حرصت على تقديمه في هذا المعرض؟
بعد المعاناة التي عشتها من جراء حادثة انفجار المرفأ في بيروت واجهت الكثير من المشاعر المتناقضة تجاه وطني الذي أحبه وتربيت فيه، وتجاه كل ما قدمه لي في مختلف مراحل حياتي. لكن عندما بدأت أشعر مجددا بالحنين تجاه وطني وبدعم من شخص أحببته والتقيته بالصدفة في نيويورك دفعني بحبه وبتمسكه بالوطن إلى الرجوع إليه مجددا برسوماتي. فتصالحت مع وطني مجددا، وقررت أن أنتقم من الوضع برسومات خاصة، فأقمت معرضا خاصا يعبر عن هذه المرحلة في حياتي. فجاءت اللوحات قوية، وفيها الكثير من الوجوه المعبرة التي وصفها البعض بفيضان من الأحاسيس الصارخة.
كيف تنظرين إلى قوة الخطوات الفنية للمرأة في العالم العربي، وتحديدا في مجال الرسم؟
لطالما كانت المرأة حاضرة في هذا المجال، لكن لم تكن منطلقة بالنسبة نفسها التي هي عليه اليوم، لقد تحررت أكثر من القيود التي كانت تأسر ريشتها، وبدأت تعبر بقوة أكبر عمّا يدور في بالها وعن قوة أحاسيسها. وبرأيي أن المرأة تبدع أكثر من الرجل في مجال الرسم، لأنها أكثر رقة بمشاعرها وأحاسيسها المرهفة. وأصبح الجيل الجديد في هذا العصر متوجها بقوة أكبر نحو كل مجالات الفن على عكس ما كان عليه من قبل.
ما مصادر الوحي في حياتك؟
الذكــريات، والطــرقــــــــات، وخصـــوصــــــا الـــروائـــــــح الــتي أربـطــــــها بالأشخاص والأمكنة، وغيرها من مواقف الحياة كلها مصدر وحي لي تشدني بقوة إلى ريشتي وألواني، لأعبر عمّا في داخلي بأسلوبي الخاص. كما أعبر بريشتي عن أي رسالة أرغب في إيصالها بطريقتي وبلون يشبه حالتي، مثلا أنني رسمت لوحة كبيرة بطول ثلاثة أمتار، لأعبر فيها عن إحساسي تجاه الحكومة اللبنانية بعد واقعة الانفجار، فرسمت أشكالا أشبه بالوحوش التي تلتهم بعضها البعض. فالفن بالنسبة لي هو بمنزلة العلاج النفسي، وما المعارض الثلاثة التي أقمتها إلا تعبير عن حالاتي النفسية، وهذا ما ظهر واضحا من خلال العناوين التي اخترتها لتلك المعارض.
ما حلمك الأكبر؟
أن تشكل رسوماتي ظاهرة في مجال الفن، وأن أصل بريشتي إلى أكبر المعارض العربية والعالمية.