بين التفاني في العمل ومتطلبات الأمومة ينشأ صراع الأم العصرية.. فكيف يمكن لها تحقيق الانسجام والموازنة؟
كأم عصرية يجب عليكِ الافتخار بنفسك لأنكِ قد برهنتِ للعالم أجمع وأولئك الذين يقتنعون بأن المنزل هو المكان الذي يجب أن تكون فيه المرأة حيث تربية الأطفال والعناية بهم والقيام بمهام الأمومة، على أنكِ قادرة على إثبات ذاتك في العمل وأمومتك في المنزل، والقيام بكل ما عليكِ من أعباء ومسؤوليات، والاجتهاد لتحقيق التوازن بينها جميعاً.
ورغم ما تقومين به من مجهودات عظيمة تجاه أطفالك وأسرتك إلا أن تأنيب الضمير قدر يرافقك أحياناً في بعض المواقف الخارجة عن إرادتك، وخصوصاً مع وجود تحديات صعبة تواجهينها وحدك لمجرد أنكِ تسعين بكل قوة إلى الوصول إلى أعلى المراكز بالعمل، والبقاء كأم قادرة على تحقيق التوازن وبما لا يخل بدورك نحوهما، فكيف السبيل إلى ذلك إذاً، وبوجه خاص بعد العودة إلى المدارس؟ وكيف يمكنك غاليتي تحقيق الانسجام والموازنة بين هذه الأدوار؟
تحديات تواجهها الأم العصرية
طموحك غالٍ وأمومتك لا يضاهيها شيء آخر، ولذلك تشعرين بأنكِ في صراع دائم بين العمل والأمومة، ويزيد عليكِ العبء بسبب تحديات عديدة مثل:
- العودة إلى العمل بعد اجازة الأمومة ووضع طفلك الجميل.
- القيام بالمهام المطلوبة في العمل دون إهمال أطفالك وأسرتك.
- مخاوفك من فقدان العمل وشعورك بالذنب نحو أطفالك.
- صراعك وحدك بشأن ترتيب الأولويات ورغبتك في معرفة ذاتك أكثر لاكتشاف مواطن الضعف لتقويتها، ومناطق القوة لتعزيزها أكثر وأكثر.
- آراء بعض المتعصبين ضد رغبة المرأة في اثبات ذاتها في العمل إلى جانب دورها كأم.
تحقيق التوازن بين العمل ومتطلبات الأمومة
أعلم شعورك كأم جيداً، وأقدر طموحاتك وأحلامك كامرأة لها كل الحق في الحفاظ على كيانها في العمل واثبات ذاتها، وأدرك تماماً تلك اللحظات القاسية التي قد تخيرك بين عملك وأمومتك أحياناً، وتخميني صحيح تماماً بأن الغلبة وقتها ستكون لأمومتك كوني أم مثلك وأشعر بأنين قلبك، ولكن هوني عن نفسك، والتزمي الهدوء، وتمهلي قليلاً عزيزتي، فأنتِ لست مطالبة بالتخلي عن أحلامك أو التجرد من مشاعر الأمومة، يمكنك الموازنة رغم كل التحديات التي تواجهينها تحقيق الموازنة بينهما، سنحاول معاً في هذا المقال ايجاد حلول تتناسب مع قيمة كل منهما عندك، ورغبتك في الحصول على كلاهما.
نصائح لتحقيق التوازن
لا تحاولي أن تكوني "Super Mom"
لا ترهقي نفسك كأم عصرية للحصول على لقب "Super Mom" يكفيكِ أن تكوني أم جيدة، حنونة، ناجحة كأم، وناجحة كامرأة عاملة تحرص على عملها وتحاول بكل الطرق الاجتهاد فيه حفاظاً عليه، وعلى مكانتها العملية، لذا ولتكون البداية سليمة احذري السعي وراء الكمال لكي لا تشعرين بالاحباط بعد ذلك لأنه أمراً بعيد المنال.
لا تجلدي ذاتك
رغبتك في قضاء وقت أطول مع أطفالك في المنزل لرعايتهم طوال الوقت أمر جميل ورائع، ولكن كوني واقعية غاليتي فكيف سيتحقق ذلك مع وجودك في العمل؟، يمكنك تعويض ذلك بتخصيص وقت معين يومياً للجلوس معهم بل واللعب والمرح ومساعدتهم في مذاكرة دروسهم أيضاً لذا لا تجلدي ذاتك ونظمي وقتك بين مهام العمل ومهام الأمومة بدلاً من ذلك، ولا تنسي أنك امرأة، والمرأة قادرة على القيام بأكثر من مهمة في ذات الوقت، هكذا خُلقتِ، بعكس الرجل الذي لا يستطيع سوى التركيز في القيام بأمر واحد فقط ثم الانتهاء منه والتركيز في أمر أخر.
اعتمدي على التكنولوجيا
كأم عصرية تعيشين في عصر التكنولوجيا لا يمكنك إهمال التسهيلات التي منحتها لكِ، فاليوم بامكانك البقاء متصلة مع أطفالك أثناء عملك إذ يمكنك ضبط كاميرات متصلة بمنزلك على هاتفك المحمول بحيث تكشف لك ما يحدث في المنزل، لذا اعتمدي روتيناً خاصاً لهم بعد عودتهم من المدرسة ليلتزموا به، وراقبي ذلك عن بعد، لا تقلقي فالأمر أسهل مما تتصورين، ستعملين وقلبك مطمئناً على أطفالك.
ومن ناحية أخرى يمكنك وبعد تناول وجبة الغذاء في الوقت المخصص لكِ في العمل الاطلاع على اميلك والرد على اميلات المدرسة والمعلمين والمعلمات، كما يمكنك تدوين كل الاستفسارات التي تدور برأسك حول دراسة أطفالك، كما يمكنك أخذ موعد معهم للتعرف عن قرب عن مستواهم العلمي في المدرسة، والانتباه لأي مشكلة في التحصيل الدراسي من البداية ليمكن تدراكها في الوقت المناسب، وحلها بالتنسيق مع المعلمة.
اهتمي بالجودة وليس الكمية
لا يهم كم قضيتِ من الوقت مع أطفالك بعد عودتك من العمل، ولكن ما يهم كيفية قضاء الوقت معهم، وماهية الأمور التي تم مشاركتها مع أطفالك خلال هذا الوقت، وهذا ما يعرف بالجودة، فقد يكون الوقت الذي تقضينه مع أطفالك ليس طويلاً للدرجة، ولكنك تستطيعين من خلاله التقرب من أطفالك أكثر من خلال مشاركتهم تناول وجبة عائلية لذيذة ببصمتك أنتِ، ومشاركتهم اللعب والمرح، ومشاهدة بعض البرامج التي يفضلونها أو أفلام الأطفال المسموحة لهم، أو أفلام كوميدية تصلح للعائلة، وكذلك الخروج بهدف التسوق معاً أو التنزه قليلاً معاً.
احصلي على اجازة غير مدفوعة من العمل
لا يجب أن يكون خيار ترك العمل وتقديم الاستقالة هو أول ما يذهب إليه عقلك للانتصار على التحديات التي تواجهك عند محاولة التوازن بين العمل ومتطلبات الأمومة، لأنه ليس خياراً صحياً لك كامرأة ذاقت حلاوة اثبات ذاتها، وفوائد وجود دخل مادي لها بمجهودها هي، يوجد خيارٌ آخر يمكنك اللجوء إليه عند العجز عن ايجاد حلول لأي مشاكل تتطلب تواجدك في المنزل فترة ما، ألا وهو " تقديم طلب الحصول على إجازة غير مدفوعة من العمل" لحين زوال الأسباب.
ماذا بعد إجازة الأمومة؟
أشعر تماماً بما ينتابك عند انتهاء إجازة الأمومة، فقد لا تتوقفين عن البكاء ليل نهار منذ اقتراب نهايتها، فقد كنت مثلك تماماً وكان قلبي يعسره الألم عسراً بعد انتهاء إجازة الأمومة والتخطيط لعودتي للعمل من جديد، إنها ليست مسألة سهلة، هي مشاعر أم، وأحاسيس لا يفهمها إلا أم مثلك، لذلك أنصحك بالتفكير الإيجابي، وعمل كل الترتيبات اللازمة بعد ايجاد الشخص المناسب لرعاية طفلك في عدم وجودك، ومتابعته أثناء عملك عبر كاميرات المراقبة الموجودة في المنزل والمتصلة بهاتفك النقال، لأن ذلك يعد أمراً ضرورياً خصوصاً مع الرضع لأنهم لا يستطيعون الحديث والافصاح عن ما يشعرون به، وعن ما يحدث معهم.
وإذا كنتِ ترضعين طفلك طبيعياً، اعلمي أن عودتك إلى العمل لن تحرمك من المشاعر الحنونة التي تربطك بطفلك وتوطد علاقتك به أثناء الرضاعة الطبيعية، يمكنك سؤال المختصين وسيساعدونك على الانتظام في الرضاعة الطبيعية حتى مع ذهابك للعمل، اطمئني فقد مررت بذلك ولكني استطعت ممارسة الرضاعة الطبيعية حولين كاملين بعد انتهاء إجازة الأمومة وعودتي للعمل.. فقط عليكِ بالهدوء، لكل معضلة حل.
لأي مدى تساهم المجتمعات في وضع العقبات في طريق الأم العصرية العاملة؟
للأسف ورغم تقدم المجتمعات إلا أنه توجد ضغوطات قاسية يتسببن فيها، وخصوصاً في ما يتعلق بالنظرة إلى المرأة، وتفضيل الرجل عليها في كثير من الأمور، ومن أمثلة ذلك المعتقدات الراسخة فيه مثل: أن الرجل في العمل والمرأة في المنزل، ومثل: أن المرأة هي المسؤولة عن تربية الأطفال وحدها، وغير ذلك من العقبات التي تختلقها المجتمعات دون وعي كامل بمكانة المرأة.
كما أن عجز بعض المجتمعات عن ايجاد حلول للمشاكل والتحديات التي تواجه المرأة العصرية العاملة يعد عقبة من العقبات التي تساهم المجتمعات في وجودها أمام المرأة العاملة، وهو أمر يستدعي الالتفات إليه جيداً.
ماذا تحتاج الأم العصرية العاملة؟
برأي، الأم العصرية العاملة بحاجة إلى فهمها أكثر، وإلى من يعاونها على تخطي الصعاب التي تواجهها خلال محاولاتها تحقيق التوازن والانسجام بين العمل ومتطلبات الأمومة.
وهذه هي احتياجات الأم العصرية العاملة:
من المجتمع
- الاعتراف بدور المرأة في المجتمع بالفعل لا بالقول والتأكيد عليه ومنحها الفرصة كاملة لاثبات ذاتها.
- توفير دور رعاية وحضانات في نفس مكان العمل للأمهات.
- دراسة امكانية العمل عن بعد عند انتهاء إجازة الأمومة وعند مرض الأطفال وحاجتهم إلى وجود الأم.
- منحها امتيازات تسهل عليها الموازنة بين العمل ومتطلبات الأمومة.
من العائلة
- الدعم ثم الدعم.
- الاحتواء والشعور بالصراع التي تعيشه يومياً بين العمل ومشاعر الأمومة.
- مساعدتها في المنزل قدر الامكان.
- الشعور بمعاناتها والتخفيف عنها.
من نفسها
- تجنب جلد الذات.
- تجنب البحث عن الكمال.
- الإيمان بالقدرات والمهارات التي تملكها.
- الثقة بالنفس وبالقوة التي منحها الله عز وجل إياها.
الإمارات أفضل المجتمعات الداعمة للأم العصرية
وختاماً وهو مسك الختام، يحضرني هنا بمناسبة يوم المرأة الإماراتية الذي وافق يوم 28 أغسطس 2023، أن أشيد بالمجتمع الإماراتي وبجهوده المستمرة في دعم المرأة والأم العصرية، وتمهيد الطريق لها لمواصلة النجاح والتميز، وبدوره اللانهائي في تسخير كل الصعاب والعقاب التي تقف عائقاً بين تفانيها في العمل وبين متطلبات الأمومة، وخصوصاً الاجراءات التي اتخذتها الدولة بحكمة القيادة الرشيدة وحكام الامارات، والتي يأتي على رأسها توافر دور رعاية للأطفال في نفس مكان العمل للأمهات العاملات، والبدء بتطبيق ذلك في المؤسسات الحكومية بشكل أولي، والحقيقة أنها مبادرة إنسانية مجتمعة نبيلة، وتعد بمثابة تحفيز دائم للمرأة الإماراتية، واستمرارية لتمكين المرأة في الإمارات الحبيبة. . يا ليت كل المجتمعات تنظر للمرأة بعين الامارات.