قفزة طبية نوعية ... أول تجربة علاج جيني على البشر لاعتلال عضلة القلب الضخامي
عنوان SEO:
إعداد:
يبدو الجسم الطبي في سباق دائم مع الزمن، سعيًا لإيجاد كافة العلاجات الناجعة التي تساعد على شفاء وتقليل الكثير من الأمراض، خاصةً الخطيرة والمزمنة منها. وعادةً ما يقوم الباحثون بتجارب عدة على العلاجات التي يتوصلون إليها، بدايةً على الحيوانات؛ وتُعاد التجربة لأكثر من مرة للتأكد من صحتها ونجاعتها، قبل تطبيق العلاج على البشر.
وفي هذا السياق، وسعيًا وراء علاج ناجع وفعال لمشكلة اعتلال عضلة القلب الضخامي؛ قام مستشفى "كليفلاند كلينك"، نظام الرعاية الصحية العالمي، بتجربة سريرية على البشر لعلاج جيني جديد؛ وذلك عبر حقن مُورثةنشطةبهدف معالجة السبب الرئيسي لاعتلال عضلة القلب الضخامي، لدى أول مريض في العالم يحصل على هذا النوع من العلاج.
وتُعد الطفرات الجينية لبروتين ربط الميوسين C3 (MYBPC3)من أكثر الأسباب الوراثية شيوعًا لاعتلال عضلة القلب الضخامي. وقد جرى تصميم هذا العلاج بهدف إيصال مورثة MYBPC3 نشطة إلى عضلة القلبعبر الحقنلمرة واحدة، لأول علاج جيني من نوعه قائم على فيروسات غدية (TN-201).ويأمل القائمون على التجربة، في أن تُسهم المورثة الجديدة في استعادة المستويات الطبيعية من البروتين الذي يساعد في تنظيم انقباض واسترخاء عضلة القلب. هذا وأظهرت الدراسات ما قبل السريرية أن جرعةً واحدة تمحقنها،نجحت في استعادة المستويات الطبيعية من البروتين؛ ما ساهم في عكس اتجاه تطور المرض.
قبل الخوض أكثر في معلومات هذه التجربة وأهميتها لمرضى القلب، فلنتعرف سويًا على مرض اعتلال عضلة الضخامي وتداعياته على الصحة.
ما هو اعتلال عضلة القلب الضخامي
اعتلال عضلة القلب الضّخامي (HCM) مرضٌ مُعقَد من أمراض القلب الشائعة؛ يصيب عضلة القلب، ما يؤدي إلى زيادة حجم العضلات أو تضخمها (خاصةً البطينين أو حجرات القلب السفلية)، تصلَب البطين الأيسر، استبدال الصمام التاجي، والتغيرات الخلوية). حيث تسمك عضلة القلب بشكل شائع في منطقة الحاجز الأذيني البطيني؛والحاجز هو جدارٌ عضلي يفصل الجانب الأيسر والأيمن من القلب.
تحدث المشاكل عندما يكون الحاجز بين حجرات القلب السفلية، أو البطينين سميكًا. وقد يؤدي تَسمُّك الحاجز الأذيني البطيني إلى تضيق،يمنع بدوره أو يُقلَل تدفق الدم من البطين الأيسر إلى الشريان الأبهر؛ وهي حالةٌ تسمى "انسداد مسالك التدفق". وينبغي أن تضخ البطينات بشكل أقوى، كي تتغلب على التضيق أو الانسداد.
يمكن أن يُسمى هذا النوع من اعتلال عضلة القلب، اعتلال عضلة القلب الضّخامي (HCM)؛ والذي قد يتسبببحدوث سماكة في أجزاء أخرى من عضلة القلب، مثل الجزء السفلي من القلب الذي يسمى القمة، أو البطين الأيمن أو على امتداد البطين الأيسر بأكمله.
مرضٌ وراثي شائع الإنتشار
يُعتبر اعتلال عضلة القلب الضخامي من أكثر الأمراض القلبية الوعائية الوراثية انتشارًا؛ إذ تشير توقعات الباحثين إلى وجود نحو 20 مليون مُصاب به في العالم، الكثيرمنهم لم يتم تشخيصهم أو لا يحصلون على العلاج اللازم.قد لا يكون سبب اعتلال عضلة القلب الضخامي معروفًا، أو قد يتم إرجاعه إلى عوامل وراثية أو ارتفاع ضغط الدم أو التقدم في السن، ما يزيد من صعوبة تحديد الشرائح الأكثر عرضةً للإصابة به.
وتشمل أعراض المرض: آلام في الصدر، خفقان القلب، ضيق في التنفس، التعب، والإغماء. وعلى الرغم من انخفاض خطر الموت القلبي المفاجئ لدى غالبية المصابين باعتلال عضلة القلب الضخامي، إلا أنه يُعدالسبب الأكثر شيوعًا لحالات الموت المفاجئ عند الأشخاص الذي تقل أعمارهم عن 30 سنة.
العلاج الجيني لمرض اعتلال عضلة القلب الضخامي
قال الدكتور ميليند ديساي، مدير مركز اعتلال عضلة القلب الضخامي في مستشفى "كليفلاند كلينك"، ونائب رئيس معهد القلب والأوعية الدموية والصدر في المستشفى الأمريكي: "لقد شهد فهمنا لاعتلال عضلة القلب الضخامي تطورًا كبيرًا، ويسرنا أن نكون جزءًا من الجهود الرامية للجمع بين هذه المعرفة الواسعةوالتكنولوجيا المتطورة، مثل العلاج الجيني بهدف تحسين الأساليب العلاجية للمرض. ونتطلع إلى مواصلة دراسة هذا العلاج الذي يُغطي شريحة من المرضى غالبًا لم يتم تشخيص المرض لديها، وقد تعاني من أعراض متعبة ومخاطر الموت المفاجئ".
تجدر الإشارة إلى وجود دواء واحد حاليًا،مُخصص لعلاج اعتلال عضلة القلب الضخامي وهو مافاكامتين (Mavacamten)؛ والذي حصل على موافقة هيئة الغذاء والدواء الأمريكية في شهر أبريل من عام 2022، في أعقاب التجربةالتي قادها مستشفى كليفلاند كلينك. ويتم استخدام هذا الدواء لعلاج اعتلال عضلة القلب الضخامي الانسدادي، ويسهم في تقليل الحاجة إلى إجراءات جراحية.
تشمل الخيارات الجراحية عادةً،استئصال عضلة الحاجز الذي يقوم الجرّاح خلاله بإزالة جزء صغير من جدار عضلة الحاجز التي زادت سماكتها، بهدف توسيع مجرى تدفق الدم من البطين الأيسر إلى الشريان الأبهر. أما الخيار الآخر المُتاح فهو الاستئصال باستخدام الكحول، الذي يشملإجراء قسطرة قلبيةيتم خلالها حقن كحول صافي في الحاجز؛ ما يؤدي إلى انكماشه إلى حجم قريب من حجمه الطبيعي وتوسع مجرى الدم. إلا أن هناك عدد قليل من المراكز الكبيرة القادرة على القيام بهذا الإجراء الجراحي، ما قد يحدّ من إمكانية خضوع المرضى لهذا الإجراء الجراحي؛ كماقد يتطلب الأمر تدخلات متكررة لإتمام العلاج.
معلومات عن التجربة
الجدير ذكره أن المريض الذي أًجريت التجربة السريرية عليه، هي شابة في الـ27 من عمرهاتمَ حقنها بالعلاج الجيني هذا الأسبوع، وهي حاليًابصحة جيدة. وتُعد هذه التجربة السريرية التي تحمل اسم (MyPeak-1 Phase 1b) دراسةً متعددة المراكز،ومصممة لتقييم مستويات السلامة والفعالية السريرية لهذا الحقن الذي يتم إجراؤه لمرة واحدة. وتهدف الدراسة إلى تسجيل ستة مرضى راشدين على الأقل، ممن لديهم أعراض، وجرى تشخيصهم باعتلال عضلة القلب الضخامي غير الانسداديالمتعلق ببروتين ربط الميوسين C3 (MYBPC3)، ولديهم أجهزة لتنظيم ضربات القلب مزروعة في أجسادهم.
ختام القول، أن مشاكل القلب الصحية التي يتم الكشف عنها في مرحلة مبكرة؛ يمكن المساعدة في علاجها أو تقليل مضاعفاتها على صحة المريض. لذا لا تتواني عزيزتي عن الفحص الدوري للقلب، خاصةً إذا كان لديكِ تاريخٌ عائلي لأي من أمراض القلب الخطيرة التي ما زالت، للأسف، تُودي بحياة الكثيرين حول العالم.