علاجٌ يؤخر تقدم المرض ويُطيل العمر.. دراسةٌ حديثة تبحث بطرق تأخير مرض التصلَب الجانبي الضموري
لو كان ستيفن هوكينغ يعلم أنه سيُصاب بالمرض المُميت، لكان ربما تخصَص في العلوم الطبية العصبية عوضًا عن دخول عالم الفيزياء الساحر؛ لعله ينجح في التوصل لعلاجٍ لهذا المرض الذي يحصد الأرواح ببطءٍ مخيف وقاتل، للمرضى وأهاليهم على حد سواء.
أقولُ هذا الكلام اليوم، وأنا أرى أخي يعاني من مرض التصلب الجانبي الضموري ALS؛ فهو يفتك بعضلاته شيئًا فشيئًا، وها هو اليوم لا يستطيع الحركة ولا التكلم. نبحث له عن دواءٍ يُخفَف من تداعيات المرض ويُقلَل من تدهور حالته الصحية، آملين في الوقت الحالي في ظل عدم وجود علاجٍ فعال وناجع وعلى الأقل، من إبطاء تطور المرض لديه.
ويبدو أن العلماء لا يآلون جهدًا في البحث عن حيثيثات هذا المرض وطرق إبطائه قدر الإمكان، وهو ما دفع بمجموعةٍ من الباحثين في "مايو كلينك" لدراسة العلاقة بين الجزيئات المناعية ودورها في تطوير مرض التصلب الجانبي الضموري.
لكن وقبل التعرف على تفاصيل هذه الدراسة التي قد تحمل الأمل للكثير من مرضى ALS ومنهم أخي؛ دعونا نتعرف سويًا على هذا المرض الذي يصفه العلماء ب"المُميت".
التصلب الجانبي الضموري.. المرض المُميت
هو حالةٌ مرضية تصيب الجهاز العصبي وتؤثر في الخلايا العصبية في الدماغ والحبل النخاعي، بحسب ما نُشر على موقع "مايو كلينك". ويُسبَب التصلب الجانبي الضموري فقدان التحكم في العضلات، ويزداد المرض سوءًا مع مرور الوقت.
بعبارتٍ أخرى، التصلُّب الجانبي الضموري (ALS) هو مرضٌ عَصَبوني حركي مُميت؛وغالبًا ما يهلك الأفراد المصابون بهذا المرض خلال ثلاث سنوات من التشخيص.
يُسمّى عادةً داء لو غيريغ نسبةً إلى لاعب البيسبول الذي شُخِّص به، وما زال سبب الإصابة بالمرض على وجه التحديد غير معروف. فيما ينتقل المرض لعددٍ قليل من الحالات وراثيًا.
يبدأ التصلَب الجانبي الضموري غالبًا بارتعاش العضلات وضعفٍ في ذراع أو ساق، وصعوبةٍ في البلع أو التلعثم في الكلام. وفي النهاية يؤثر التصلب الجانبي الضموري على التحكم في العضلات اللازمة للحركة والكلام والأكل والتنفس، فيما لم يتم التوصل بعد إلى علاجٍ لهذا المرض المُسبَب للوفاة.
على الرغم من التقدم في فهم مرض التصلُّب الجانبي الضموري، إلا أنه لا يوجد دواءٌ أو علاج يُحسَن بشكلٍ كبير الوظيفة الحركية أو يُطيل حياة المصابين بالمرض. وبالرغم من أن فقدان العَصَبونات الحركية هو السمة المميزة لمرض التصلُّب الجانبي الضموري، إلا أن الجهاز المناعي يُصاب أيضًا لدي معظم الأشخاص.
يتضمن المرض تنشيط الخلايا المناعية، بما في ذلك الخلايا الدُبَيْقِيّة الصغيرة والبَلاَعِم، التي لها خصائص مساعدة في الالتهابات. الخلايا الدُبَيْقِيّة الصغيرة هي خلايا مناعية نوعية للجهاز العصبي، في حين أن البَلاَعِم هي خلايا "تنظيف" الجهاز المناعي العام وهي موجودةٌ في الجهاز العصبي المُحيطِيّ.
الجزيئات المناعية قد تُسهم في تطور مرض التصلُّب الجانبي الضموري (ALS)
حددَ الباحثون والمتعاونون في "مايو كلينك" بروتينًا تُفرزه الخلايا المناعية، والذي قد يقوم بدورٍ رئيسيٍ في ظهور مرضالتصلُّب الجانبي الضموري. ووجد الفريق أيضًا أن العلاج التعديلي المناعي الذي يقوم بعملية إِحْصار للبروتين، يمكنه استعادة الوظيفة الحركية في النماذج قبل السريرية. وتشير النتائج إلى أن البروتين، المعروف باسم أ5 إنتغرين (الذي يُنطق ألفا 5 إنتغرين)، هو مستهدفٌ علاجي مُحتمل لعلاج مرض التصلُّب الجانبي الضموري.
نُشرت الدراسة في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences. وفيها وجد فريق البحث أن البروتين ألفا 5 إنتغرين، والذي تفرزه الخلايا الدُبَيْقِيّة الصغيرة والبَلاَعِم، موجودٌ بكثرة في الجهاز الحركي لدى الأشخاص المصابين بمرض التصلُّب الجانبي الضموري، بما في ذلك المرضى الذين لديهم سببٌ وراثي للمرض.
وتقول شاون إف رويمر، الدكتورة في الطب، والحاصلة على شهادة الدكتوراه، اختصاصية أمراض الأعصاب في "مايو كلينك" والكاتبة الأولى المشاركة في الدراسة: "وجدت دراستنا أن ألفا 5 إنتغرين الذي تُفرزه الخلايا المناعية، موجود أيضًا في الأوعية الدموية في المراحل النشطة للمرض، وكذلك في المرحلة النهائية للمرض". ووجد الفريق أيضًا أن ألفا 5 إنتغرين لا تفرزه أنسجة الدماغ لدى الأشخاص الذين لا يعانون من مرض التصلُّب الجانبي الضموري أو غيره من الاضطرابات العصبية التنكسية أو الالتهابية مثل مرض آلزهايمَر، أو الشلل فوق النووي التصاعدي (اضطراب بَارْكِنْسُونِيّ) أو الإِنْتانات.
وتستكمل الدكتورة رويمر قائلةً: "تشير النتائج إلى أن ألفا 5 إنتغرين يقوم بدور هام في فهم مرض التصلُّب الجانبي الضموري. ونظرًا لأن ألفا 5 إنتغرين يبدو انتقائيًا لهذا المرض وتُنظَم زيادته ألياف الدماغ والأعصاب خارج النُّخاع الشوكي في مرض التصلُّب الجانبي الضموري؛ فإنه يفتح إمكانية استكشاف ألفا 5 إنتغرين بصفته واصِمَة حيوية في التشخيص والعلاج."
فحص مدى تغلغل ألفا 5 إنتغرين بالتصلَب الجانبي الضموري
بالإضافة إلى النماذج قبل السريرية، فحص الباحثون الأنسجة البشرية لدي برنامج بنك الأدمغة وتشريحها لمرض التصلُّب الجانبي الضموري في "مايو كلينك" لتحديد مدى تغلغل ألفا 5 إنتغرين في هذا المرض. ويتولى دنيس دبليو ديكسون، الدكتور في الطب، وروبرت إي جاكوبي، أستاذ أبحاث داء الزهايمر واختصاصي الأعصاب في قسم الأعصاب بمايو كلينك في ولاية فلوريدا، إدارة بنك الأدمغة؛ وهو أيضًا كاتب مشارك في الدراسة. ويعمل بنك الأدمغة بشكلٍ وثيق مع بجورن أوسكارسون، الدكتور في الطب، ومدير عيادة التصلُّب الجانبي الضموري في "مايو كلينك"؛ وهو يتضمن مجموعةُ كبيرة من أنسجة المخ والنُّخاع الشوكي من الأشخاص المصابين بالتصلُّب الجانبي الضموري، ممن تبرعوا بأدمغتهم إلى "مايو كلينك" لإجراء أبحاث التصلُّب الجانبي الضموري. وقد استخدم الباحثون أكثر من 100 عينة من أنسجة التصلُّب الجانبي الضموري في الدراسة.
مسارٌ جديدٌ مُحتمل للعلاج
استكشف فريق الدراسة أيضًا مسارًا للعلاج المُحتمل؛ ووجدوا أن الضِّدّ أحادي النسيلة الذي يُحصر ألفا 5 إنتغرين، كان يمكنه الحفاظ على الوظيفة الحركية في نماذج الفئران. الأجسام مضادة أحادية النسيلة هي بروتيناتٌ مُخلَقة في الجهاز المناعي، تُستخدم كعلاجٍ لمجموعةٍ واسعة من الأمراض.
وتقول الدكتورة روريمر في هذا الصدد: "أظهرت نتائجنا أن العلاج بالأضِّدّاد ضد ألفا 5 إنتغرين بدا أنه يحمي الوظيفة الحركية، ويؤخر تقدم المرض ويطيل العمر. وإجمالًا، تشير النتائج المتعلقة بتنظيم زيادة ألفا 5 إنتغرين واستجابته للضِّدّ أحادي النسيلة إلى أن ألفا 5 إنتغرين قد يكون مُستهدفًا علاجيًا مُحتملاً لتعديل الالتهاب العصبي في مرض التصلُّب الجانبي الضموري."
نظرًا لوجود العديد من الأدوية التي تستهدف مركبات الإنتغرين الأخرى في أمراضٍ مختلفة، يقترح الباحثون أن إجراء تجربةٍ سريرية لاختبار ألفا 5 إنتغرين بصفته مستهدفًا دوائيًا في مرض التصلُّب الجانبي الضموري، قد يكون أمرًا جديرًا بالتجربة.
خلاصة القول، أن مرضى التصلَب الجانبي الضموري الذين يعانون من تداعيات هذا المرض الخطير على حياتهم؛ قد يكون لديهم بارقة أمل في تأخير تقدم المرض وإطالة أعمارهم أكثر مما هو مُتوقع عادةً في هذا المرض. وكلنا أمل في أن ينجح أخي وغيره من مرضى التصلب الجانبي الضموري في الاستفادة من هذه البحوث القيَمة.