خاص "هي" مهرجان برلين السينمائي 2024-"Another End"..عن الرحيل الذي لا يقدر عليه النسيان
في المستقبل القريب، تتمكن إحدى الشركات من الاحتفاظ بذكريات الإنسان بكاملها إلى يوم رحيله، ويمكنها أن تعيد زرعها وما يرتبط بها من تفاصيل الشخصية في جسد آخر يُطلق عليه المضيف. هكذا سيتمكن من يقدرون على دفع تكلفة هذه التجربة من وداع أحبائهم الذين ماتوا بطريقة مفاجئة بشكل أفضل من خلال قضاء عدة أيام مع الشخص الذي يحمل الذكريات. هذه هي الفكرة التي ينطلق منها "Another End" (نهاية أخرى)، الفيلم الذي يضم جنسيات متنوعة بشكل ملفت، فالمخرج -والذي شارك في السيناريو- بييرو ميسينا إيطالي، والممثل الرئيسي جاييل جارسيا بيرنال مكسيكي، والممثلة الرئيسي ريناتي راينسفيه نرويجية، وتشارك أيضًا في البطولة الأرجنتينية برنيس بيجو. ما الذي يقدمه هذا المزيج المميز من الأسماء مع فكرة تنتمي إلى نوع الخيال العلمي؟
نتابع في الأحداث سال (بيرنال) الذي يفقد زوجته في حادث سيارة، وبالاستعانة بتقنية إعادة الذكريات، تعود إليه زوجته في جسد امرأة أخرى (راينسفيه) حتى يودعها مرة أخرى ويتجاوز رحيلها المفاجئ، لكن الأمور لا تسير طبقًا للمتوقع. تطرق هذه الفكرة جرسًا عند من تابعوا حلقات مسلسل "Black Mirror" (المرآة السوداء) الذي يقدم في حلقات منفصلة نظرة سوداء على المستقبل القريب، وكانت إحدى الحلقات قد تناولت فكرة الذكريات وإمكانية التحكم فيها وإعادة مشاهدتها، لكن الفيلم يأخذ منحى خاص به.
ربما كان السبب الرئيسي للاستعانة بممثلين من دول مختلفة هو جعل القصة أكثر عالمية، وغير مرتبطة بمكان معين، بالإضافة لتوظيف نجومية هذه الأسماء لجذب شريحة أكبر من المشاهدين حول العالم. لكن بعيدًا عن ما يمكن أن يكون السبب غير المعلن، فإن التمثيل في الفيلم كان أفضل العناصر، بل ربما تتلخص أكثر من خمسين بالمئة من مميزات الفيلم في التمثيل. بينما يكمن الجانب الآخر من جاذبية "نهاية أخرى" في عنصر التشويق الذي قدمه المخرج بالقدر الكافي ليضمن استمرار المشاهد في التحديق في الشاشة حتى نهاية الفيلم.
الرهان الأكبر كان على الفكرة نفسها، التماهي مع تجربة عودة الزوجة في جسد آخر لتوديعها، التي تبدأ برفض البطل للأمر برمته، وتنتهي بعدم قدرته على وداع زوجته، أو شبيهة زوجته كما يتطلب الأمر.
هذه الفكرة بقدر ما كانت إحدى مميزات الفيلم فإنها أحد عيوبه أيضًا، المميزات جاءت منذ الصدام الأول بين سال وزوجته البديلة -التي لا تدرك بالطبع أنها ماتت- إذ يدرك هو أن الوقت المتبقي أمامه قليل جدًا لاعتياد أمر غياب زوجته للأبد وإخبارها بأنها سترحل عنه، بينما تتعامل هي بالشكل المعتاد للحياة اليومية. كانت هذه إحدى التفاصيل التي ربما احتاجت للبناء أكثر من هذا واستغلال الجوانب الدقيقة في علاقتهما، إذ أن تفاصيل حياتهما اليومية هي ما يحتاج سال إلى توديعه بالفعل، وليس مجرد أن يواجهها لمرة أخيرة ليفرغ ما في صدره دفعة واحدة.
بينما جاءت العيوب في هذا الجانب من السيناريو في أن الكثير من الأحداث كانت متوقعة بشكل ما، فالأحداث مبنية بشكل واضح منذ البداية حتى نصل إلى نهاية واضحة، وهو ما يحدث. ولما كان الفيلم يعتمد على التشويق بشكل كبير، فإن قدرة المشاهد على استنتاج تتالي الأحداث يصبح نقطة ضعف واضحة.
"نهاية أخرى" هو من الأفلام التي يمكنك استكمال مشاهدتها وأنت تدرك بعض عيوبها، لكن هذا لا يمنعك كمشاهد من الاستمتاع بعناصر أخرى كما ذكرنا، وهو أمر يحسب للمخرج، الذي اختار أيضًا للفيلم طابعًا بصريًا سوداويًا مميزًا. بعكس حلقات "المرآة السوداء" لا يهتم هذا الفيلم بشكل كبير بتقييم مخاطر التكنولوجيا أو بالإشارة إلى خطورة التجارب التي تؤثر على عواطف الإنسان بشكل يربكه، ولكن اهتم بالجوانب العاطفية بشكل أكبر، وقد أصاب الفيلم هدفه في ذلك الجانب.