ماذا يحدث لجسمكِ أثناء صيام 30 يومًا في رمضان؟
يعود علينا شهر رمضان كل عام، وهي فريضةٌ فرضها الله سبحانه وتعالى على كافة المسلمين، تشمل صيام شهرٍ هجري كامل من الفجر وحتى صلاة المغرب بالامتناع عن الأكل والشرب وكافة المُحرمات التي يمكن أن تُبطل الصيام.
وككل عام، يُقبل المؤمنون على صيام شهر رمضان بحبٍ وتفان؛ على الرغم من المشقة الجسدية التي يُجسدها الصيام والانقطاع عن المآكل والمشرب لساعاتٍ طويلة، خاصةً عند حلول شهر الصيام خلال أشهر الصيف اللاذعة وشديدة الحرارة والرطوبة. وحاليًا، فإن شهر رمضان بات يحلَ علينا بالخير خلال فصل الربيع واعتدال درجات الحرارة، ما يُتيح لنا الاستمتاع به والاستفادة من مزاياه العديدة على الصحة الجسدية والنفسية والفكرية، فضلًا عن الجانب الروحي الذي لا يمكن إغفاله.
هل خطر ببالكِ عزيزتي، ما الذي يمكن أن يحدث لجسمكِ أثناء فترة الصيام؟ ما هي التغييرات الكبيرة والصغيرة التي تواجهها أعضاء وأجهزة الجسم كاملةً خلال 30 يومًا من الصيام، والتي تكون في مجملها مفيدةً؟
في موضوعنا اليوم، نتعرف وإياكِ على بعض فوائد الصيام في رمضان؛ كما نُقرَب الصورة نحو تلك الفوائد خلال الثلاثين يومًا بتفاصيلها، وذلك من خلال معلومات جمعناها من عدة خبراء ومواقع متخصصة.
فوائد الصيام على صحة الإنسان
التغذية المُقيَدة بالوقت، هو التعبير الذي يمكن إطلاقه على صيام شهر رمضان؛ إذ أننا مُقيَدون بأوقاتٍ محددة للأكل والشرب، ثم الإنقطاع عنهما لساعاتٍ معينة قبل العودة لتناول الطعام من جديد. والحقيقة أن هذه الممارسة ولمدة شهر، أثبتت العديد من عمليات الشفاء المختلفة في الجسم وتحسين وظائفه، بحسب ما صرَحت الدكتورة لينان شبيب، أخصائية تغذية لموقع Arab News. وأضافت أن "الصيام وممارسة الرياضة يُعزَزان إنتاج بروتين يسمى عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ (BDNF) في الخلايا العصبية"، لافتةً إلى أن هذا البروتين يشارك في التعلم والذاكرة وتكوين خلايا جديدة ولديه القدرة على جعل الخلايا العصبية أكثر مقاومةً للإجهاد. مشيرة إلى أنه وأثناء الصيام، "تدخل الخلايا العصبية في حالة الحفاظ على الموارد ومقاومة الإجهاد."
وكانت دراسةٌ أُجريت في معهد الطب النفسي وعلم النفس وعلم الأعصاب في كينجز كوليدج لندن، توصلت إلى أن الصيام يُعزَز وظائف المخ، ويُحسن الذاكرة طويلة المدى ويُولَد خلايا عصبية جديدة "الحصين"، مما يمنع الاضطرابات التنكسية العصبية.
وتحدثت شبيب بإسهابٍ عن هذه المسألة لموقع Arab News قائلةً: "عندما يتغذى الشخص بعد الصيام، فإن الخلايا العصبية تدخل في وضع النمو، وتُنتج المزيد من البروتينات، لتنمو وتُشكَل اتصالاتِ جديدة".ونتيجةً لذلك، فإن دورات التحدي الأيضي هذه التي تليها فترة تعافي، بحسب الباحثين، قد تؤدي إلى تحسين المرونة العصبية والتعلم والذاكرة والتركيز والحدة ومقاومة الإجهاد في الدماغ. كما وجد الباحثون أن هذه الخلايا العصبية الحصينية سوف تُبطئ تطور التدهور المعرفي، وبالتالي يُحتمل تأخير أو منع الخرف ومرض الزهايمر.
هذا من الناحية الفكرية والعقلية؛ أما فيما يخص الأجهزة الأخرى في الجسم، فقد لاحظ خبراء الصحة حدوث بعض التغيرات أيضًا في وظائف الأعضاء.على سبيل المثال، أفادت إحدى الدراسات عن انخفاض مستويات السكر في الدم وزيادة حساسية الأنسولين لدى الأشخاص الذين صاموا خلال شهر رمضان.
من جهتها، أوضحت شبيب أن الصيام، في جوهره، يُخلَص أجسامنا من السموم؛ وفي حل القيام به بشكل منتظم، فإن الصيام يمكن أن يُشجع الخلايا على الانخراط في عملياتٍ لا يتم تحفيزها عادةً عند توفر إمداداتٍ منتظمة من الغذاء. لتصبح أعضاءٌ مثل الكبد والكلى، وكلاهما مسؤولٌ عن إزالة السموم، أكثر قدرةً على التجدد بشكلٍتام دون التدفق المستمر للسموم الإضافية. وتحدث مثل هذه العمليات المهمة لتنظيف الخلايا والمعروفة بإسم "الالتهام الذاتي" عندما لا يُطلب من الجسم هضم أي طعام، مما يُعزز دفاعه المناعي.
الصيام وخسارة الوزن
مسألة إنقاص الوزن تختلف من شخصٍ لآخر وليست ثابتةً لا أثناء الصيام ولا خلال أشهر السنة الباقية؛ وذلك لاعتباراتٍ كثيرة، منها طبيعة الجسم، عملية الأيض، نوعية الطعام وكميته، والمجهود البدني أو الرياضي الذي يُشكَل حوالي 25% من عملية التخسيس.
لكن الصيام في رمضان له بعض الفوائد لجهة التخلص من الدهون، وهي أكثر سموم الجسم صعوبةً في التخلص منها.ويقول الدكتور بانكاج شاه، أخصائي الغدد الصماء، أن الدهون ليست سوى مادةً سامة عندما تكون قدرة الجسم على تخزينها في الخلايا الدهنية مُفرطة، وبالتالي تخزينها في الأماكن التي تكون فيها سامة.
إذ يمكن مثلًا أن يؤدي تراكم الدهون في الكبد إلى الإصابة بمرض الكبد الدهني، ما يزيد من خطر الإصابة بمرض السكري؛ تمامًا كما يمكن أن تؤدي الدهون المُخزنة في ألياف العضلات أو البنكرياس إلى نفس التشخيص. وبحسب شاه، فإن التخفيض الضروري في تناول السعرات الحرارية أثناء فترة الصيام في رمضان "يسمح باستبدال الدهون الغذائية بدهون صحية."
فقدان الوزن خلال شهر رمضان لا ينعكس على صورة الجسم فقط؛ بل أن التحسن يظهر أيضًا في صحة الكبد والعضلات وإفراز الأنسولين وعمل الأنسولين، ومن المحتمل انخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية في مرحلةٍ لاحقة. وكانت مراجعةٌ أُجريت في جامعة سيدني، مركز تشارلز بيركنز، أستراليا، لحوالي 70 دراسة أظهرت أنه خلال فترة رمضان، هناك انخفاضٌ في محتوى الدهون في الجسم (كنسبةٍ مئوية من وزن الجسم) لدى الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن أو السُمنة.
ونظرًا لأنه يُحفَز عملية التمثيل الغذائي ويُوازن هرمونات الجوع والشبع، فإن الصيام يُعدَ مفيدًا بشكلٍ خاص للراغبين في إنقاص الوزن والذين عادةً لا ينجحون في ذلك خلال باقي أيام السنة.
ماذا يحدث لجسمك أثناء فترة الصيام
بعد التعرف على معظم فوائد الصيام على النواحي الصحية والفكرية ولجهة الرشاقة، جاء وقت التعرف وعن كثب، على التغييرات التي تحدث في الجسم أثناء فترة الثلاثين يومًا من الصيام.
ويؤكد الخبراء أن الأيام الأولى من الصيام هي الأصعب، لأن الجسم لا يدخل "وضعية الصيام" إلا بعد مرور 8 ساعات على آخر وجبةٍ حصل عليها. ويتعادل هذا الوقت تقريبًا مع المدة التي تحتاجها القناة الهضمية في امتصاص المواد الغذائية من الطعام. وبمرور هذه الساعات الثمان، فإن الجسم البشري يتحول نحو امتصاص الجلوكوز المُخزَن في الكبد والعضلات بغية الحصول على الطاقة والنشاط، بحسب ما أفاد موقع "الكونسلتو" المختص.
بعدها وخلال عملية الصيام، يبدأ مخزون الجلوكوز بالنفاد؛ لتحل محله الدهون كمصدرٍ للطاقة التي يحتاجها الجسم. وما أن يبدأ الجسم في حرق الدهون، حتى نبدأ بملاحظة تغيراتٍ كبيرة في الجسم، إن لجهة فقدان الوزن أو خفض مستوى الكوليسترول الضار أو تقليل خطر الإصابة بداء السكري.
لكن انخفاض مستوى السكر في الدم سيفٌ ذو حدين؛ فهو وإن كان يقي من الإصابة بالسكري بنوعيه، فإنه قد يتسبب في إصابة الجسم بالضعف والخمول، ما يجعل الصائم يعاني من أعراضٍ مثل الصداع والغثيان وضيق التنفس. وغالبًا ما يحدث ذلك عندما تصل مستويات الجوع لأعلاها.
تفصيلًا ونقلًا عن موقع "الكونسلتو"، هذا ما يحدث لجسمكِ في فترة الصيام:
-
احذري من الجفاف - الأيام من 3 إلى 7
ما أن يتعود الجسم على الصيام، حتى تبدأ الدهون بالتكسر وتتحول إلى سكرٍ في الدم؛ وينبغي تعويض السوائل التي يفقدها الجسم أثناء الصيام، وإلا فإن التعرق قد يؤدي إلى الجفاف.
ولهذا ينصح الخبراء بوجوب اشتمال وجبات الإفطار على مستوياتٍ عالية من الأطعمة التي تُعزز الطاقة؛ مثل الكربوهيدرات والدهون التي يُفضل أن تكون صحية. كما من الضروري الانتظام في اتباع نظامٍ غذائي متوازن يتضمن البروتينات والأملاح والماء لتجنب الجفاف في هذه الفترة من الصيام.
-
التعود على الصيام – الأيام من 8 إلى 15
ما أن ينقضي الأسبوع الأول من رمضان، حتى تبدأين بالشعور بتحسنٍ في المزاج كون جسمكٍ بدأ بالتكيف مع الصيام. ووفقًا لرزين معروف، استشاري التخدير وطب العناية المركزة في مستشفى أدينبروك في كامبريدج، فإن هناك مزايا أخرى في الصيام.
فخلال الأيام العادية، نعمد للحصول على كمياتٍ كبيرة من السعرات الحرارية من خلال الطعام، ما يعيق قدرة الجسم على أداء مهامٍ حيوية أخرى مثل إصلاح نفسه. لكن الصيام يُصحَح هذه المشكلة، ليسمح للجسم بالتركيز والتنبه لوظائفه الأخرى؛ وبالتالي فإن الصيام يفيد الجسم من خلال تسهيل الشفاء من الأمراض ومحاربة العدوى.
-
التخلص من السموم – الأيام من 16 إلى 30
يتكيف الجسم مع الصيام بشكلٍ تام في هذه المرحلة، ليبدأ كلٌ من الكبد والقولون والكلى والبشرة بالتخلص تدريجيًا من السموم. وبحسب معروف وفيما يتعلق بالحالة الصحية في هذه المرحلة "ينبغي أن تستعيد أعضاء الجسم الحد الأقصى من قدراتها، كما يمكن أن تشعري بتحسنٍ في ذاكرتكِ وتركيزكِ، وقد يكون لديكِ طاقةٌ أكثر." مضيفًا أنه "لا ينبغي أن يتحول جسمكِ إلى البروتينات للحصول على الطاقة. يحدث ذلك عندما يدخل الجسم في وضع (التضور جوعًا) ويبدأ في استخدام العضلات للحصول على الطاقة، وهو ما يحدث عند الصيام المستمر لفترةٍ ممتدة من عدة أيام إلى أسابيع."
وتابع قائلًا: "بما أن الصيام يمتد فقط من الفجر إلى المغرب، فإن أمام الصائم فرصةٌ كافية لإعادة شحن طاقته بعد إمداد جسمه بالطعام والسوائل. ويحافظ هذا الأمر على صحة وقوة العضلات، كما يساعد على إنقاص الوزن."
في الختام، أكد الطبيب البريطاني أن الصيام مفيدٌ للصحة بصورةٍ عامة؛ كونه يُحسن تركيزنا على ما نأكله ومتى نأكله. وهو مفيدٌ لفترةٍ معينة، لكن إطالة أمد الصيام كما يفعل البعض مع الصيام المتقطع قد لا يكون جيدًا لا للصحة ولا لإنقاص الوزن. لأن الجسم في النهاية سيتوقف عن تحول الدهون إلى طاقة، وعوضًا عن ذلك تبدأ تلك الدهون بالتحول إلى عضلات.
خلاصة القول، أن الصيام في رمضان له منافع وفوائد صحية وعقلية ونفسية عديدة؛ بشرط أن نعرف كيف نستفيد من تلك المزايا، وذلك بالصيام الصحي والآمن الذي يتضمن نظامًا غذائيًا صحيًا وممارسة الرياضة بانتظام، لضمان تعزيز صحة الجسم والمساعدة على إنقاص الوزن الزائد الذي يعاني منه معظمنا.