مسلسل "خالد نور وولده نور خالد".. كوميديا الجري في المكان والفُرص المُهدرة!
يُجسد الممثل "صلاح عبد الله" دور الجَدّ حضري في مسلسل (خالد نور وولده نور خالد)؛ هو عجوز بطيء الحركة، ينحصر دوره الصغير في أنه يفعل كل شيء على مهل، ويُثير سُخرية من حوله، خاصة زوج ابنته. على الرغْم من طرافة الشخصية إلا أنها غير مؤثرة في الأحداث، ولا يوجد لها خط درامي واضح، وبعد موقف أو موقفين تبهت نكتة العجوز البطيء، وتُصبح مُتوقعة، ورغم هامشية دوره ووقوفه تحت مظلة ضيف الشرف، فإنه يُعبر عن حالة المسلسل، ويُمثل مُفتاحًا لفهم دراما العمل، وهو أمر سيتضح في السطور التالية.
العناوين البراقة!
مسلسل (خالد نور وولده نور خالد) من الأعمال التي لفتت النظر في النصف الثاني من شهر رمضان؛ فهو يضم عدد من العناصر الجيدة؛ على رأسها الثنائي الكوميدي الناجح "شيكو" و"كريم محمود عبد العزيز"، والمخرج "محمد أمين"، وثنائي الكتابة "أحمد عبد الوهاب" و"كريم سامي"، وسبق أن قدما معًا عدد من الأعمال الكوميدية؛ أبرزها مسلسل "البيت بيتك"؛ وهو عمل لطيف مزج بين الكوميديا والفانتازيا والرعب، ويسير مسلسل (خالد نور وولده نور خالد) على نفس النهج تقريبًا.
عنوان المسلسل جذاب ويوحي بتناقض كوميدي، وفكرته تركز على تداعيات حادث تتعرض له زوجة المُهندس خالد نور "كريم محمود عبد العزيز" وابنه في أثناء تجرِبة نووية؛ يؤدي الحادث إلى ظاهرة غريبة؛ وهي وجود نسختين من إبن خالد، الأولى طفل في العاشرة، والثانية رجل ناضج مُتزوج هو "شيكو"، ظن طوال حياته أنه يتيم، عاش طفولته في ملجأ، ثم تبناه زوجين.
الكوميديا تنبع من التلاعب بالأزمنة وتعدد الشخصيات؛ فالمهندس خالد وعائلته يعيشان في الحاضر بعد الحادث بسنوات قليلة، مع أنّ أن الحادث تم في التسعينيات كما شاهدناه في الحلقة الأولى، وهذا يُبرر سن الطفل نور، وقد نضج في الحاضر وأصبح مهندس صوت، ولديه زوجة وإبن، ويصادف نسخته الصغيرة ووالده في نفس مدرسة ابنه الصغير.
نور الكبير ونور الصغير!
تدور الحَلْقات الأولى حول اكتشاف نور الكبير والده مُصادفة، ومُحاولة إقناعه أنه والده، وتنطلق الكوميديا من هذه المناوشات بين مُهندس الصوت نور، ومُهندس الطاقة النووية خالد؛ الأول يؤمن بقوة أنه عثر على والده، ويتوق إلى تعويض مشاعر عَلاقة الأبُ وابنه الذي حُرم منه، والثاني يظن أنه تعثر في شخص مجنون يُسبب له كثير من الإزعاج.
فكرة المسلسل بكل تناقضاتها كانت مدخلًا جيدًا لكوميديا ساخرة، تلعب على التناقض المستحيل والفانتازيا، وقدم "شيكو" و"كريم" هذا التناقض بشكل مرح في الحَلْقات الأولى، ثم ترهل كل شيء، ودخل العمل في دائرة مُغلقة من تكرار نفس المواقف الكوميدية، وتوقع نفس الضحك؛ فكل حلقة هي تكرار مطاردة نور الكبير لوالده المزعوم، وصد الأخير له وإهانته، وبدا أن الأمر لا ينتهي.
لم تكن التطورات الدرامية البطيئة مُجرد بداية غير مُوفقة للمسلسل، بل حالة عامة مُستمرة حتى الحَلْقات الأخيرة، الأحداث تتطور بطريقة الجري في المكان، كثير من الافيهات والحوار الكثيف وتظل الدراما في نفس المكان، وما نُشاهده في ثلاث حَلْقات - مثلًا - لا يستحق أكثر من حَلْقة واحدة على الأكثر.
شخصيات نسائية!
يتصرف نور الكبير بطفولية أغلب الوقت؛ فهو في حالة فرحة دائمة بعثوره على والديه كما يذكرهما في طفولته، وحوله ذلك من شخص ذكي ناضج إلى شبه طفل، يتصرف في حضورهما بسذاجة، دون الأخذ في الاعتبار بغرابة حالته، واستحالة تصديق من حوله، وعلى جانب آخر تُخرج هذه الحالة المُهندس خالد من حالة اكتئاب يعيشها؛ بسبب فشل التجربة النووية، وعقابه بنقله من وظيفة مهندس طاقة نووية في مُفاعل إلى موظف إداري مسئول عن توقيع الموظفين في دفتر الحضور والانصراف.
اجتهد السيناريو لدعم البطلين دراميًا، وهما عمل قائم على بطولة رجلين، وأحاطهما بشخصيات نسائية ثانوية، وبالغ قليلًا في تفاصيل الشخصيات النسائية؛ غادة "دنيا ماهر"، زوجة خالد، وياسمين "آية سماحة"، زوجة نور الكبير، وأيضًا زوجة بدر "شريف رمزي"، الأخ غير الشقيق لنور، وتُجسد دورها "دنيا سامي".
الشخصيات النسائية مُتطرفة إلى حد ما؛ فياسمين زوجة ساذجة إلى حد الغباء، وهي المسئولة عن حادث المُفاعل النووي؛ بعد اصطحابها ابنها لزيارة زوجها في موقع عمله، ودخولهما منطقة تجارِب نووية محظورة، وياسمين مراجعة جودة طعام، لا تُجيد التخفي ويتم كشفها بسهولة، ويارا زوجة عصبية لا تكف عن الشجار عن زوجه بلا مُبرر.
تطغى الشخصيات النسائية دراميًا على الشخصيات الأخرى أحيانًا، فحضور شخصية يارا يطغى على حضور شخصية زوجها بدر، بالرغْم من أهمية شخصيته كطبيب يُحاول تفسير ظاهرة أخيه الغير شقيق، بينما تتألق "دنيا ماهر" في شخصية الزوجة الغبية، وهو خط درامي يصلح لعمل آخر مستقل، ولكن دورها ساهم إلى حد بعيد في تعويض بعض الضحك المفقود في المسلسل.
خيال علمي خامل!
اعتمد العمل بشكل كبير على قدرات "شيكو" و"كريم محمود عبد العزيز" على توليد الضحك من المواقف المتناقضة التي تتعرض لها الشخصيات، ولكن فقر السيناريو وخُفوت اللمسات الإبداعية للإخراج خذلهما كثيرًا؛ والنتيجة مسلسل كوميدي يُعاني المط والمشاهد الطويلة، على الرغْم من أن أحداثه تدور في 15 فقط.
فكرة المسلسل وحدها لم تكن كافية، والتطور الدرامي البطيء أفقد النكتة الكوميدية تأثيرها؛ خاصة أن المُشاهد المُعاصر لديه من ثقافة الفرجة ما يجعله يتوقع نهاية النكتة؛ لأنه شاهد تنويعات مشابهة في حَلْقات سابقة.
الجزء الفانتازي من القصة متواري خلف اللف والدوران حول نكت متواضعة؛ ولهذا يأتي الجانب العلمي ساذجًا وخاملًا، ولا يوجد اهتمام كبير بتقديم تفسير للحدث أو توضيح التجربة التي سببت الحادث، أو حتى التمهيد لنهاية المسلسل وكشف الحقيقة.
أسماء فريق العمل من ممثلين وكتاب بالإضافة للمخرج كانوا عناوين براقة لعمل كوميدي استثنائي، ولكن النتيجة لم تكن براقة، وقد احترت قليلًا وأنا أنتظر خط كوميدي للممثل "صلاح عبد الله" أكثر من ذهابه لإحضاره كوب ماء في أول المشهد، وعودته في نهاية المشهد بعد أن رحلت الشخصيات، ضحكت مرة على الموقف ثم أصبح الأمر مُتكلفًا ومصنوعًا وغير مُضحك لاحقًا، وأغلب مشاهد المسلسل مصنوعة على نفس الطريقة.
الصور من صفحة الفنان كريم محمود عبد العزيز وشيكو على انستجرام.