بناء الحاضر والمستقبل
د. سهير حسن القرشي
الاستدامة بمفهومها ومعطياتها ونواتجها رؤية شمولية حضاريــــة لبناء الحاضـــــر والمستقبل، وهي ثقافة تتلخص في: {ولا تسرفوا}.
وأنا أكتب عن "الاستدامة" وقفت عند السؤال الذي أطرحه دوما قبل البدء في تناول موضوع ما، وهو: ما المقصود بمصطلح الاستدامة؟ وهل عُرف في ثقافتنا العربية؟ ولا أعني بذلك أننا لا بد أنّ نكون السبّاقين والأوائل في كل شيء. ولكن إن وجد فمن الجميل أن نعزز في قرائنا حضارتهم، وجهود علمائهم. وقد وجدت أن هذا الموضوع لا يستوعبه مقال حُددت فيه كلماته وصفحاته.
الاستدامة بالمعنــــى الذي ذكــــره المعرفون لها، هي: عدم إهدار الموارد والتوازن في استخدام المقدرات، لينتفع الجيل المقبل بها، وقد وجد عند العرب مفهوم ترجموه إلى مخترعات للمحافظة على ثروات البيئة، وترشيد مقدراتهم، ومنها الاختراع غير المسبوق لترشيد الماء، فقد اخترع الجزري المتوفى سنة 1184م لأحد الخلفاء إبريقا معلقا على هيئة غلام يصبُّ له الماء وقت الوضوء عند الحاجة، وبمقدار معين مدروس يكفي لاغتسال الأعضاء.
استلهم علماء المسلمين هذا المفهوم من الإسلام الذي نهى الإنسان عن إهدار الماء حتى في الوضوء، ولو كان على نهر جارٍ.. وفي الطعام، واللباس والزينة، وغيرها من نعــــم، وأخــــرج المسرفين من محبته: {وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} {الأنعام / 141}.
الاستدامة رؤية من رؤى وطننا الحكيمة (2030) التي تقول في أحد نصوصها "نُحقّق استدامةً بيئيّة: يعدّ حفاظنا على بيئتنا ومقدراتنا الطبيعية من واجبنا دينيّا وأخلاقيا وإنسانيا، ومن مسؤولياتنا تجاه الأجيال المقبلة".