أسبوع الأزياء الراقية في باريس ما بين التطرف والكمال.. حرفة الأزياء الراقية في أوج إمكانياتها
إعداد: NORA ALBESHER
الموسم الأكثر فخامة والأشد استعراضا، بعملائه الحصريين وعشاقه المترقبين.. أسبوع باريس للأزياء الراقية لـموسم ربيع وصيف 2024 يتأرجح ما بين ثيمات متطرفة ويستقر في جماليات حادة كما أتى بأكثر المجموعات وعروض الأزياء أهمية حين أعادنا بأسلوبه القصصي واستعراضه المسرحي إلى عقد التسعينيات حينما اعتلى "ماكوين" و"غاليانو" عرش الفخامة الاستعراضية. اكتظ تقويم أسبوع باريس للأزياء الراقية بأسماء المصممين المقرر عرضهم لمجموعاتهم الجديدة لـموسم ربيع وصيف 2024، وتعاقبت أوقاتها المتسارعة، وهو ما شكل أسبوعا من التشبع الفني والحرفة التامة التي تحرك المشاعر، وتعلن بإتقانها الفروقات الجسيمة التي تميز هذا الوقت الذهبي، الذي يأتي مرتين سنويا، عن أي وقت آخر في تقويم الموضة.
على الرغم من كثرة المجموعات المثيرة للاهتمام والتي نجحت في الوصول إلى الجماهير المستهدفة، إلا أن هنالك مجموعات تخطت حدود العلامة، واكتسحت الساحة بتميز موضوعها وفرادة تنفيذها، في هذا التقرير نُسلط الضوء على أبرز المجموعات التي لمعت خلال أسبوع باريس للكوتور، ولربما سُجلت في تاريخه لأهميتها الثقافية.
التضارب الفني والمفهومي، من الفضاء والنجوم إلى الأرض والطبيعة واندماج التقنيات القديمة بالعلوم التطبيقية الجديدة.. تقع مجموعة ربيع 2024 للأزياء الراقية من "سكابريلي"
في كل موسم نجد هنالك علاقة طردية ما بين تصاعد المستوى الفني وتفاصيله السريالية ووضوح الهوية الفنية المتفردة للمدير الإبداعي الأمريكي "دانيل روزبيري" في الدار الفرنسية الراقية.
بنيت دار "سكابريلي" على مجموعة كبيرة من الرموز الفنية الرصينة التي كونت واحدا من أهم الكنوز الأرشيفية في عالم الموضة وقطاع الكوتور في التاريخ، حيث تهيمن عليه القوة السريالية التي تشكل البصمة المحورية للعلامة والأساس المتفرد الذي جعلها تقف متميزة بارتباطها المباشر بالفن والفنانين.
اختار "دانيل روزبيري" تسليط الضوء على مصدر كبير من مصادر الإلهام لمؤسسة الدار الايطالية "إلسا سكابريلي" وهو علم التنجيم والفضاء الذي برع فيه عمّها عالم الفلك "جيوفاني سكابريلي" والذي عندما كان مديرا لمرصد "بريرا" في ميلانو عام 1877 اكتشف سلسلة من القنوات، منطقة كبيرة مثل "جراند كانيون" تصل إلى سطح المريخ. كما صاغ مصطلح "مريخي"، وبدأ من دون قصد افتتاننا الحديث عن مخلوقات الفضاء، وهو اهتمام مستمر حتى يومنا هذا.
ولـجـــت مجــموعة ربيع وصيف 2024 للأزياء الراقية من "سكــابـــريــــــلي" مــــن هــــذا الــمـــفــــهــــــوم والتـــخــيـــــل للكـــائــنــــات الـفــضـــائــيـــة التي شــغــلـــــت مخيــــلــــــة المديـــــــر الإبـــــداعي، وتـــوســـعــــت بتــجـسـيــــدها لتشمـــــل العديد من الموضوعات التي تناقــــض بعــضـــــها الـبــعــــــــض في حين، وتنسجم في حين آخر، حيث تطرق المصمم لمحاكاة أهم العناصر والصناعات التي تقود عالمنا اليوم، وهي التكنولوجيا.
رأينا ارتطام تقنيات العالم القديم بالعلوم التطبيقية للعالم الجديدة وحيكت جميعها بأساليب وحرفة الأزياء الراقية حين ظهرت عارضة حاملة طفلا آليا مستوحى من الذكاء الاصطناعي، ومرصعا بالكامل بالكـــريــســتـــــالات والمــصـــنــــوعــــــــــات التــكــنــولــوجـــيــــة من الشرائح والأجزاء التي تعود لأجهزة إلكترونية قديمة. تبعتها إطلالة سُميت بالأُم كناية عن اللوحة الأم، وهي لوحة دائرة النظام في الأجهزة، بصورته الظلية الكلاسيكية وأكمامه الطويلة وخط العنق الدائري المرتفع ناقض تعقيد المواد الذي صُنع منها، حيث طُرز وشُكَّ بالكامل بالرقائق الدقيقة وشرائح وأجزاء من أجهزة إلكترونية من زمن ما قبل الهواتف الذكية.
اتضح دمج "دانيل روزبيري" ما بين هويته الذاتية التي ترجـــمــــت بــإدراجـــــه لــرمــــــوز فنــيـــــة مـرتـبـــطـــــــة به وبخلفيته الوطنية وحياته الشخصية، فرأينا عناصر وتفاصيل من الفروسية ورعاة البقر تلاعب بها مع رموز الدار السريالية، فاستبدل المدير الإبداعي الإكســـســــوارات على شكــــل أعـضــــاء الــجــســــــــد بعُقَد الـفـــروسيــــة كالإطلالة التي تكونت من جاكـــيت من الـجـــلد الأبيـــــض والدنيــــم منسقة مع بنطال مطابق من الدنيم الأبيض مطرز بالكامل مع مسامير من الساتان الحريري مستــــوحاة من عقدة الفروسية، ومقترنة بأحذية مفتوحـــــة مستوحاة من رعاة البقر مع كعب على شكل حرف S.
لا يمكن أن يستعمر فضاء "سكابريلي" من دون إعادة تفسير أحد أبرز التصاميم الأيقونية للمؤسِّسة، والذي يستمر "روزبيري" بتقديمه بأشكال مختلفة، فــرأيــنـــا فسـتــــان الهـيـــكل الـعــظــمــــــي مـــن عـــــــــــام 1938 بالتعاون مع الفنان "سالفادور دالي" مطرزا بالكامل من مخمل CHENILLE مع نتوءات مبطنة، لترسم مظهر الهيكل العظمي بتقنية الخداع البصري.
من المفاهيم المتباعدة التي جمعها المدير الإبداعي في هذه المجموعة اتحاد أناقة التصاميم، وفخامة الأقمشة، وتعقيد الحرفة بالصور الظلية المتطرفة الـــتي تــعـــلــــن أنـنــــا في حــضـــــرة الـتـــقـــــاء الفــــن بالأزيــــــــاء والمفاهيم بالحرفة.
من طيات الماضي وذكريات الطفولة وعَبق الحضارة العربية.. دار جورج حبيقة تقدم مجموعة خاطفة للأنفاس لربيع وصيف 2024 للأزياء الراقية
قَدم المديران الإبداعيان جورج حبيقة وابنه جاد حبيقة مجموعة ربيع وصيف 2024 للأزياء الراقية وعلى أنغام أغنية ألف ليلة وليلة من أم كلثوم طغت الأجواء العربية على القاعة الباريسية.
تعتبر مجموعة ربيع وصيف 2024 للأزياء الراقية الأولى من نوعها للدار، حيث تشكل رسالة حب إلى النساء والثقافة التي أمدتهن بالرعاية والحنان، ولا تزال تُلون عالمهم بتأثيرها، مستوحية من العالم العربي وتكريمه، مشيرة إلى سحر وجمال المرأة في الشرق الأوسط، والجوانب المبهجة والإبداعية لثقافة المنطقة والشعور بالتعاطف والرعاية التي تظهر في جميع أنحاء الشرق.
في هذه المجموعة الحابسة للأنفاس من جمالها الكلاسيكي والتصاميم الأنثوية الطاغية والتفاصيل العربية الأخاذة ولوحة الألوان الدافئة التي تعبر عن الدار والذوق الرفيع المرتبط بها منذ التسعينيات وعــن دفء الـــــروح العــربــيـــــة، يــســتــــعرض المديران الإبداعيان حرفة الخياطة الراقية التي تترجم في تصاميم مفعمة الأنوثة والصور الظلية الانسيابية والنعومة المتدفقة. فرأينا تصاميم وإطلالات مطرزة بالكامل بالشك والخرز والزخارف الموردة والأنماط الزهرية.
أطلت الإطلالة الأولى بدرجاتها الزهرية التي تنتهي بالأحمر الغني في الأكمام، ليمتد إلى قفازات الأوبرا المطابقة والحقيبة المسائية، وتكوّنت الإطلالة من بدلة تنورة بطابع الستينيات، وبها يتضح توجه المجموعة الدامج ما بين أكثر عقود الزمن أناقة واتزانا في تاريخ الموضة ورؤية الدار العصرية ولمساتها الشرقية. تمـيزت الـمــجـــــموعــــة بتــنــســـيـــــق الأقمـــشـــــة مـــع الـــتطريزات ذات الطابع الشرقي المستوحى من السجاد الحريري والمنسوجات والمعلقات الجدارية والورود والهندسة المعمارية القديمة والحُلي العربية وبتقنية جديدة، دُمجت طبقات مختلفة من الأقمشة، فخلقت بعدا ثلاثيا، محولة التصاميم إلى منحوتات دقيقة.
تجسد المجموعة وقع الحضارة والثقافة وتأثيرها في الأنماط والزخارف التي زينت الإطلالات الجميلة، من خطـــوط رواســــب القـهـوة في قعر الفنـــجان إلى التــطريــزات المـســتـــوحـــــاة مـن جــو الحـــــــدائق ولعبة طاولة الزهر، حُبكت ذكريات المديرين الإبداعيين وحنينهم إلى الماضي مع ابتكارية التصميم وفخامة التنفيذ ومكانة الأناقة الخالدة في عالم الأزياء الراقية.
أتى ختـام مجموعات الأزياء الراقية التقليدي بعروس جـــورج وجــاد حبيقة المتناهية الجمـــال والأناقة، متألقـــة بفـســتـــــان زفـــــاف يحتـضـــن القـــوام بنعومة وخفة، تطفو بالأبيض الملكي، وكأن فستانها تحفة رخامية مصنوعة من الكريب ومزينة بأزهار معقدة ثلاثية الأبعاد.
هالة من الفن والتاريخ تتألق في سماء "ديور" للأزياء الراقية
هنالك مكونات أساسية تُبنى منها عروض الدار الفرنسية العملاقة وإرثها الاستثنائي من الأناقة الكلاسيـــكـيــــة تحــــت الإخــــــراج الإبــــــــداعي لـ"ماريا غراتسيا كيوري" أول امرأة تــــــقــود "ديور"، ومنها الـفــــن الـــذي يُغـــــطي الجـــــدران ليُغــــــلف الـمــجــمـــوعــــة بظل من الحرفة الفنية بنوعها المختلف، فيلتقي فن وحـــرفــــــة الأزيــــــــاء الراقية بفن اللُوح والألــــــوان والرسومات التجريدية المُعبرة.
غُطيــــت جــــدران الـمــســـــاحة المـبــنـيـــــة في حـــــدائــــــــق متحف "رودان" بباريس بأعمال الفنانة "إيزابيلا دوكروت" بعنوان الهالة الكبيرة، حيث ضم ثلاثة وعشرين فستانا كبير الحجم مرتبة على تركيبة شبكية، فأعاد الحرفيون في ورش تشاناكيا الدولية ومدرسة تشاناكيا للحرف اليدوية في الهند تفسير العمل الفني على هيئة التركيبات الضخمة.
لمجموعة "ديور" لربيع وصيف 2024 للأزياء الـــراقية، استــكــشــفــــــت الـمـــديــــــرة الإبـــداعيـــــة عدة توجـــهــــات ومستويات مستنبطة من تاريـــــخ الدار وبضــــــعة مـن الـتــصـــاميـــــم الأيـقـونـيـــــــة الــــتي أعادت صـيـــاغتـــها بحـــوار متــــوازن يــــدور مــا بــين الأقمشة، حـــيــــــث استخـــــــــدمــت كثــافــــة وهشـــاشـــــة نسيـــــــــــــــــــــج الـMOIRÉ المتـــمــــــوج في التــصــــامـيـــــم الـمــعــمـــاريـــــــة، وصورها الظلية الأنيقة المستمدة من الأرشيف، ليتضارب وينسجم مع القطن العملي على التوالي لتكوين المجموعة الراقية.
الهالة الأنيقة لدار "ديور" التي تميزت بصورتها الظليـــة المـمــتــلئــــــة وخـطوط قَصّة الـA-LINE من الخمـــســيـنـيـات الـــتي تــجـــعــــــل من أكــثــــــر التــصــاميـــــــم بساطة بيانا واضحا للأنوثة.
استكشفت "كيوري" فكرة أن تصميم الأزياء، في جوهره، يخلق ملابس تصبح فريدة لمرتديها وامتدادا لهويتهم. مع أول إطلالة على المدرج، وسعت المديرة الإبداعية لمجموعات "ديور" النــســـائـيـــــة أيــضــــا الـمــفــهـــوم ليشمل هالــــة الملابس نفسها، مســتـــفــيــــــدة مــــن هويـــــــة مــعــطـــف الترنش الكلاســـيـــــكي من خــــــلال تـحـــويــــــل شكـلـــــه وقـمــاشــــه القطني إلى تكرارات غير متوقعة. يتكرر مفهوم الهالة ليغطي الكثير من المعاني، حرفـيا كانت أم مجازيا، فاعتمدت المديرة الإبداعية نقـــطة التركيز على قـــــماش MOIRÉ ونســيــجـه المتموج، واستخدمت هذه التقنية المتطورة التي تمنح الأقمشة مظهرا سطحيا متلألئا يشبه الماء المتموج على صفائح الحرير لإنشاء قطع ذات أناقة معمارية، وفي كثير من الأحيان ذات سابقة أرشيفية. عُرض الانطباع الراقي للمعان من خلال استخدام المخمل أيضا الذي أعطى الملمس الفخم لهذه التقنية. يتمثل التاريخ في حرفة قماش الـ MOIRÉ الذي بدأ إنتاجه في "ليون" في أواخر سبعينيات القرن التاسع عشر، وقد ورث الابن هذا النشاط من الأب. وهما آخر حرفيي التموج في النسيج المتبقين في فرنسا اليوم.
يتكون الـ"موار" من سحق حبيبات القماش لخلق انعكاسات في الضوء، وهو ما تُدرك أهميته "ماريا غراتسيا كيوري" في توظيف الأنسجة ذات التاريخ الطويل من الحرفية، كما أنه وليد الاستلهام من LA CIGALE، وهو فستان من تصميم السيد "ديور" من عام 1952، ويمكن رؤية هندسته المعمارية المهيبة معادا تفسيرها في هذه المجموعة في تموج في النسيج الأحمر مع خطوط أكثر معاصرة بتقليص حجم الصورة الظلية ومرونة خطوطها النحيفة.
لطالما كانت "كاثرين ديور" أخت السيد "ديور" المعروفة بالآنسة "ديور"، وإحدى أهم ملهماته، موضوعا مثيرا ومتكررا للمديرة الإبداعية على مر المجموعات، فرأينا فستـانـا باللون الأصفر الذي زُين بالكامل بمروج من الأزهار والورود بطابع الخمسينيات في صورته الظلية. أما التطريز اليدوي الدقيق، فهو مثال للحرفة الأصيلة لدار "كريستيان ديور" الذي بدا وكأنه حديقة من القرون الوسطى تكتسحها أشعة الشمس البراقة.
في مجموعة "شانيل" لـربيع وصيف 2024 للأزياء الراقية تنكشف الرمزيات المرتبطة بزر يحمل ختم الدار العريقة
قدمت المديرة الإبداعية لدار "شانيل" "فيرجيني فيارد" مجموعة ربيع وصيف 2024 للأزياء الراقية في GRAND PALAIS ÉPHÉMÈRE في باريس، حيث التف الحضور المترقبون بتنظيم دائري في المساحة التي اكتسحها البياض بالكامل. بلفتة توكيدية مستمرة إلى ارتباط دار "شانيل" بالسينما، عُرض الفيلم القصير قبيل إسدال الستار على المجموعة الجديدة. وفي هذا الفيلم يلتقي "كندريك لامار" والشريك الإبداعي "ديف فري" بعالم أزياء "شانيل" للأزياء الراقية للمرة الأولى، ليبعثا الحياة في قصة عن الزمن والانتقال، حيث أدخلتنا الممثلة وسفيرة الدار "مارغريت كواللي" في قصة "ألزر" إلى جانب الممثلة وسفيرة الدار "آنا موغلاليس"، إضافة إلى صديقة الدار عارضة الأزياء البريطانية "ناعومي كامبل".
هنالك رموز عديدة واستراتيجية يمكننا فك شيفراتها من زِر واحد سقط سهوا من أكمام جاكيت التويد الفاخر، فجميعها مرتبطة بهذه الدار الفرنسية العريقة.
أزرار "شانيل" المزينة كما لو كانت حُليا مرصعة تضفي على القطعة البريق الكافي لينقلها إلى مستوى آخر من الرفاهية، وجاكيت التويد الأيقوني وتوريثه كإرث ثمين من جيلٍ إلى جيل، فعندما تكون الملابس منفذة بحرفة الأزياء الراقية، فهي تعاصر الأزمنة بجودتها، وتتمثل كقيمة فريدة موروثة ختمت بحَرفَي الـC المتشابكين.
لطالما عودتنا دار "شانيل" على الديكور العظيم ومساحة العرض الاستثنائية، وفي هذه المجموعة جرى إنزال زر ضخم من السقف ليُلقي بظِله الهائل على مجموعة الأزياء الراقية.
افتتحت العرض بطلة الفيلم القصير وسفيرة الدار "مارغريت كواللي" في سترة تويد بيضاء ضيقة، ومزينة بياقة رقيقة من التول، مع تنورة قصيرة مزينة بجوارب باليه بيضاء، بإطلالة تستحضر خفة الرقص وحركته.
نقاء اللون الأبيض الذي زين الجزء الأول من الإطلالات انسجم كليا مع رقة الأقمشة ونعومة الصور الظلية التي ترجمت شاعرية رقصة البالية ورشاقة خطواتها، الشيفون والتول والجوارب الفضية والبيضاء مصحوبة بشرائط الشعر الأنثوية جميعها أشارت إلى حرية الحركة والمبدأ والنتيجة المرتبطة بمؤسسة الدار وتاريخها في تحرير المرأة من ضيق المشدات وتعقيد اللباس.
انتقل نقاء الإطلالات من الأبيض الناصع إلى ألوان الباستيل الرومانسية التي كانت دلالة على توجه "فيارد" للفئة الشبابية والجيل الصاعد من النساء اليافعات.
برزت تصاميم المجموعة التي تحتفي بجمال الجسم المتحرك في التركيز على أدق التفاصيل الناعمة كسترة ملفوفة مربوطة من الخلف وتنورة منخفضة الخصر من التول الأسود. باللونين الوردي والذهبي، جرى تزيين سترة بوليرو ملفوفة ببروش زهرة فضية مطرزة بالترتر مُنسقة مع تنورة قصيرة مع طبقات من التول الحريري الأبيض، كما طُرزت التنورة المستقيمة المصنوعة من التويد باللون الأرجواني الفاتح بأقواس تلتقط الضوء بلطف مع السترة التويد المطابقة لها.
تكونــت لــوحـــــة ألـــــوان الـمـجــمــوعـــــة مـن الأبـيـــض والـزهـــــري ودرجــــــات من ألوان الباستيل مع تداخلات اللون الأسود الذي يُعتبر جزءا لا يتجزأ من الحمض النووي للعلامة الفاخرة، فرأينا فستانا من التويد الأسود بصورته الظلية الكلاسيــكيــــة وخـطـــــوط الـA-LINE الأنثـــويـــــة بتنورة داخلية من التــــول الأبيض تطل بخلسة مع كل حركة وبهذه الإطـــــلالة تتمثل معادلة "فيرجيني فيارد" لكلاسيكية "شانيل" وفخامة التويد وتعقيد التطريز والشك بخفة الرقص ورقة البالية.
لـمجموعة "جان بول غوتييه" لربيع وصيف 2024 للأزياء الراقية تقدم المصممة "سيمون روشا" تقاطعا فنيا يجمع الإرث بالتفرد
دعـــــا الــمــصـــمـــــم المُــعــتـــــزل "جــــان بـــــول غوتــيـــيـــــــه" المــصــــمـــمـــــة الأيـــرلنـــديــــة "سيــمـــون روشـــــا" لتكون الـضــيــــف الــســـــادس الــــذي يــحـــمــــل شـــــــرف تـقـــديــــم مجموعة من الأزياء الراقية تحت اسم المصمم الفرنسي العملاق.
لربما تعتبر من أحد أعظم أحداث الموضة التي نشهدها في عصرنا هذا خُطة الكوتور المبتكرة لـ"جان بول غوتييه" الذي يُقدم مديرا إبداعيا جديدا لتولي قيادة وتصميم مجموعة لكل موسم من مواسم الـكوتور.
فينتج عنها إعادة تفسيرات لا حدود لها، واندماج ممتع لوجهات نظر التصميم تصطدم وتصطف على مر السنين ما بين التاريخ الموثَّق والموهبة الحديثة التي تشيد بها. لكن الهدف النهائي هو تكريم لأحد أشهر مصممي الأزياء في باريس "الفتى الشقي" لعالم الموضة والأزياء الباريسية.
اندمجت هوية "روشا" الواضحة برموز "غوتييه" برقة متناهية تشبه إلى حد كبير قماش التول الذي وظفته المصممة الشابة ليكون النسيج المتسيد في هذه المجموعة الأثيرية.
حمالات الصدر المخروطية والخطوط المقلّمة البحرية اتخذت اتجاها ناعما مغايرا، حيث فسرته بالشرائط الحريرية.
أما لوحة الألوان، فكانت تشع دفئا بروح رومانسية تحمل أنوثة "روشا" وأرشيف "غوتييه" الأيقوني من المشدات الحسية، والبيج الدافئ، والأسود، والأبيض، والعاجي، والألوان الحمراء العاطفية. ويبدو أنها أيضا تعكس تلك الاستعارات الأنثوية والدلائل الفيكتورية. وكان من الواضح بشكل خاص المهارة الاستثنائية والحرفة العبقرية في تنفيذ الملابس.
التـــطريز بالخرز، وهو عنـصـــر أسـاسي في قـامـــــوس "سيـمـــون روشـــــا"، وأتى في المجموعة بصورة أكثر رقة من أي وقت مضى، على شكل زهور فضية تزين صـدر الفـسـتـــان، وتـزيــن حواف قبعات البحارة المميزة من "غوتييه".
طغت هوية الضيفة المصممة على الدار المُستضيفة، ودَمجت "روشا" رموز "غوتييه" بأسلوبها الخاص، حيث لم تُقدِم المصممة الشابة على إعادة التفسير فقط، بل قدمت إهداء للمصمم الأسطوري بتوقيع حرفتها. الضيفة السادسة "سيمون روشا" التي استلمت مشغل الأزياء الراقية لدار "جان بول غوتييه" وإمكانياته الهائلة تمتلك هوية فنية قوية وساحقة، فهي تُعرف بخلقها لصور ظلية جمالية خاصة بها، وبها تعيد "روشا" تعريف الجمال وأبعاد القوام التحسينية في ظل الغموض والأحجام المتباينة والأقمشة المنتفخة على الرغم من رقة أنسجتها ورومانسية ألوانها.
تعــكــس الـقـــطــــع الـمــزيــنــــة بـعــنـــاصــر رومــانـسـيــــة وحـالمـة، مثــــل اللـــؤلــــؤ والتطريز التوقيع الجمالي لـ"سيمون روشا" الذي يتحدى المعايير بصور ظلية مبالغ فيها، وحُددت وزُينت في هذه المجموعة بحضور عناصر الهيكلة المتخللة في الكورسيهات، والتي على الرغم من هيكلتها تميزت بالنعومة والدقة، وأضافت بحضورها جمال الخطوط الظلية الأنثوية.
في لفتة مؤثرة وانبهار واضح، استمر المصمم الفرنسي المستقر في الصف الأول بالابتسام في ردة فعل تلقائية لتصاميم "روشا" الرائعة التي دمجت الهويتين بسلاسة وإبداع غير مسبوق.
المصمم محمد آشي كشف عن مجموعته الجديدة للأزياء الراقية وبالقيمة الشعرية لهويته الفنية.. قدم إطلالات كصفحات تعزف على نغمات الفن والأدب الياباني
في الغرف المتعددة بفندق "منى بسمارك" قدم ASHI STUDIO مجموعة الأزياء الراقية لربيع 2024 بعنوان "منحوتات الحبر". ومع ظهور الإطلالة الأولى من الأبواب الخضراء المزدوجة الباهتة، ساد شعور مُهيب من الغموض في الجو. تكونت الإطلالة السوداء من القماش اللامع والصورة الظلية المنحوتة لــدرجــــة الكــمال التي تم تنعيمها بواسطة شال أوبرا، من الكريب الأسود مزين بـRAFFIA حادة، التف حول العارضة. وقد شَكلت البدلة الدلالة الصريحة لما ينص عليه عنوان المجموعة، حيث الخطوط المصقولة والمنحوتة هي صورة ظلية غارقة في الظلام الخالص ولامعة مثل الحبر السائل الذي ينتظر خلوده في مرحلة الجفاف.
يستمد المصمم الهامه بطريقة غير مباشرة من الثقافة اليابانية، حيث كانت تجربة حسية في مطعم ياباني ناتجة من تقديم خليط رغوي من الفحم تعلوه شريحة رقيقة من ورق الذهب بوابة الإلهام المبدئي الذي قاده إلى استكشاف الثقافة التي انتجتها واستقرت تحديدا في "واكا"، وهي القصيدة اليابانية وشكل أساسي في الأدب الياباني، فلطالما ارتبطت هوية آشي بالقيمة الفنية الشعرية وإمكانيتها في تجسيد المشاعر واستحضار عاطفة تولد من جمال الأزياء ودقة الحرفة.
أظهرت المجموعة براعة التصنيع وهوية التصميم من خلال التقنين، حيث تألفت من 21 إطلالة تراقصت حول لوحة ألوان محدودة مكونة من ثلاثة ظِلال: الأبيض العاجي والأسود والذهبي اللامع الفاخر.
لا تختلف المجموعة الثانية لمصمم الأزياء التي تعتلي التقويم الرسمي عن مجموعاته السابقة التي تألقت من بين مصممين آخرين في العقود الماضية، حيث تتواصل وتشكل مساحة تعبيرية عاطفية تنعكس في الأزياء الراقية والشِعر والأنوثة التي تعزز وتُحسن قبل كل شيء القوام الأنثوي بجمالها الأثيري.
بدلة رسمية معقدة التصميم يتلاعب بأنسجتها بتعدد الأقمشة واختلاف أوجهها من كل زاوية تتناقض مع بساطة الإطلالة التي تبعتها، وهي فستان أسود بجزئه الأعلى الشفاف مع تنورة انسيابية بخط خصر استثنائي، حيث ينخفض في منتصف البطن ليتماشى مع حاشيتها المتداخلة ببعضها.
كما رأينا فستانا أسود مخمليا ذا هيكلة واضحة مُحددة للقوام في منطقة الصدر، بينما يتكون الجزء التحتي من خيوط كثيفة متلألئة من الهدب، هناك حوار بين الأنسجة وتناغم بين الصور الظلية التي تتلاعب بالشفافية مع التعتيم، والبنية مع التدفق.
كان التأثير الياباني أكثر وضوحا بالنسبة لي عندما ظهر الفستان العمودي غير المتماثل مع لون زبد البحر وشكله اللامع المبني حول مشد بلون البشرة مثل موجة ضخمة على وشك الاصطدام بالسطح، حيث تَبين لي التشابه بالكامل مع "الموجة العظيمة في كاناغاوا" من "هوكوساي".
في طور التقدم التكنولوجي والحرفة التقليدية تقع سيمفونية الألوان مجموعة سعيد قبيسي لـربيع وصيف 2024 للأزياء الراقية
لا يواكب المصمم اللبناني فقط التقدم التكنولوجي، بل يصعد به إلى مستويات عالية يدمج بها أهدافا ذكية وسامية تحقق الاستدامة والكفاءة من خلال دفعه للحدود الإبداعية ودمجه لحرفة الكوتور مع نجم العالم الافتراضي؛ الذكاء الاصطناعي.
يلمع اسم دار سعيد قبيسي بأناقة تصاميمه وفخامة طابعها التي تحاكي الروح الشرقية بينما تقع أنظارها على الوجهة العالمية المعاصرة. لا يساوم قبيسي على تعقيد التصاميم ومستوى حرفة الأزياء الراقية من أجل مواكبة التطور، بل يطوعهما لخدمة بعضهما البعض وتحقيق رؤيته الخلابة. وتُشكل مجموعة ربيع وصيف 2024 للأزياء الراقية بعنوان سيمفونية الألوان خير مثال.
تحمل مجموعة ربيع وصيف 2024 للأزياء الراقية عنوان سيمفونية الألوان لعـــزف قبــيــــسي نغمات متجانسة من الدرجات الشاعرية التي حضرت لتزين التصاميم والإطلالات التي تراوحت ما بين الصور الظلية الكلاسيكية وطابعها الملكي والإطلالات الدراماتيكية بكثافة أحجامها المختلفة وتدفق أقمشتها.
رفــــاهية الـتــطـــريــــز اليــــدوي الدقيـــق الــذي صاحـــب الألــــوان الــهـــادئـــة والفــــاخـــــــــرة كالأبـــيـــض الـمــطــفــــي في إطـــــــلالــــة مـكــونـــــة من "جمبسوت" ورداء مطابق منسدل بفخامة تامّة، بينما ظهرت الألوان المشرقة مثل البنفسجي الذي يحاكي حدائق القصور الفخمة والأحمر بانطباعات جاذبية عميقة، في حين أتى الأخضر ليصرح عن جمال الطبيعة ودرجات الحياة النابضة.
رزانـــة الصـــور الظليـــــة وشاعرية الأحجام المتباينة وتناغم سيمفونية الألوان تكللت بتوقيع سعيد قبيسي.