خاص "هي" مهرجان كان 2024 ..فيلم "The Substance" أيهما أسوأ أن تواجه نفسك أو المجتمع؟
في فيلمه الأيقوني "الاختيار" (1971) يتساءل يوسف شاهين على لسان بطله "عارف الإنسان هيقابل مين في نهاية الرحلة؟ هيقابل نفسه". في فيلمها الطويل الثاني "The Substance" (المادة)، تقدم المخرجة كورالي فارجا تصورًا شديد الدموية والقسوة، لفكرة أن يقابل الإنسان نفسه، والأسوأ أن يواجه المجتمع مرتين! الفيلم المشارك في مسابقة مهرجان كان في دورته السابعة والسبعين، يعيد للأضواء النجمة الأمريكية ديمي مور، بجانب مارغريت كوالي، في فيلم انتزع الكثير من الإعجاب منذ انطلق عرضه الأول، رغم ما يضمه من مشاهد صادمة.
تتابع الأحداث الممثلة إليزابيث (مور) التي خفتت عنها الأضواء وهي في عامها الخمسين، وبينما يبحث منتج برنامجها الرياضي عن بديلة شابة لها، تقرر إليزابيث تجربة عقار مجهول المصدر يعرف باسم "المادة" يقدم لها ذاتًا بديلة شابة تتبادل معها حياتها بشكل منظم، وبالطبع يجب أن تتبع التعليمات بدقة لتحافظ على نفسها الحالية والجديدة، ولكن -كما نعلم دائمًا من التجارب المشابهة- لا تسير الأمور على ما يرام.
لا يضيع الفيلم وقتًا في استعراض تفاصيل التجربة العلمية ومن وراءها، فليس هذا هو الغرض. السيناريو يركز على زاويتين شديدتا الثراء: الأولى هي نظرة المجتمع للمرأة وحصرها في القالب الجسدي فقط، والثانية هي نظرة المرأة والإنسان بشكل عام إلى نفسه بناء على ما يراه أو يسمعه من المحيطين به. تستعرض مشاهد البداية بشكل شديد الذكاء والاقتصاد مسيرة إليزابيث من خلال متابعة النجمة التي تحمل اسمها على ممشى المشاهير في هوليوود، وعندما نشاهدها للمرة الأولى، نراها في برنامج رياضي تقدمه لعدة سنوات، يبدو عليها الحيوية والنشاط رغم ما تظهره التجاعيد على وجهها من تقدمها في السن، ولكن الحيوية وحدها لا تكفي للمنتج حتى وإن كان البرنامج في الأساس رياضي.
يختزل الحوار كل ما يمكن أن يُقال للتقليل من المرأة وحصرها في الجسد المثير فقط عندما يقول المنتج لبطلة برنامجه "في هذا السن لا يصبح الجسد قادرًا على.." ويصمت دون إكمال جملته، تاركًا لخيال إليزابيث والمشاهدين تصور ما يريده تحديدًا من جسدها. هذه الجملة تنهي أحلام الممثلة في أن تستكمل حياتها بشكل طبيعي، فهي ترى أنها انتهت تمامًا.
يجب أن نتوقف هنا عند جرأة ديمي مور على قبول هذا الدور، أولًا لأنها بالتأكيد كفنانة مشهورة تعاني أيضًا من الخوف من أن تتحول لإليزابيث حقيقية، وثانيًا لوجود الكثير من المشاهد التي تُظهر أثر الزمن على جسدها ولم ترفض تقديمها، وهي المشاهد التي لم يكن الفيلم ليصبح بنفس صورته النهائية دونها.
نعود إلى إليزابيث التي تخوض التجربة وتظهر ذاتها الأخرى فتاة شابة جميلة تسمي نفسها سو (كوالي)، تتجه إلى منتجي البرنامج لتحصل على مكان إليزابيث. وهنا تبدأ المخرجة في تصوير سو بكل الزوايا التي تظهر مفاتنها بشكل يعبر عن النظرة التي يراها بها منتجو البرنامج، وأغلب الرجال المحيطين بها بشكل عام. ربما كان الانبهار بسو مبالغًا فيه بعض الشيء، فكأنها ساحرة كل من يراها يقع تحت تأثيرها، وهو ما لم يكن منطقيًا تمامًا ولكن يمكن تمريره في الإطار العام للفيلم.
مع ظهور سو يبدأ صراع إليزابيث مع ذاتها الأخرى، ذاتها التي ترى أنها تحقق لها ما أرادته من عودتها للأضواء والشهرة ونظرات الإعجاب، ولكنها في الوقت نفسه ليست هي، ليست إليزابيث، وهكذا تنطلق الفكرة الثانية التي يعرضها الفيلم ببراعة، مواجهة النفس. هل ترضى بشهرة بديلة تراقبها من الخارج أم تواصل الكفاح في حياتك الحالية؟ انتبه فإن الإجابة أيًا كانت ستعني التضحية بعدة أشياء، وهو ما نشاهده بشكل شديد العنف في الفصل الأخير من الفيلم الذي رغم كونه طويل زمنيًا ويحتوي على الكثير من المشاهد المزعجة فإنه لم يصعب عدم الاستمرار في مشهادته وانتظار النهاية.
بالرجوع إلى المعجم فإن كلمة "Substance" من ضمن معانيها المختلفة، تعني: القدرة على أن تكون مهمًا وظاهرًا، وهي واحدة من أكبر أزمات الإنسانية عمومًا خاصة في الوقت الحالي الذي يعتمد على المشاهدات كمقياس للقيمة، وفي فيلمها تقدم كورالي فارجا رؤية لهذه الفكرة أيضًا، في ما يبدو أقرب لمشاهدة فيلمي "The Fly" (الحشرة) لديفيد كروننبرغ، مع فيلم "Black Swan" (البجعة السوداء) لدارين أرونوفسكي معًا.
الصور من حساب ديمي مور ومهرجان كان على انستجرام.