مقاربات عملية للتعامل مع التوتر وتعزيز العافية

تمكين المرونة العاطفية: استراتيجيات للمرأة العاملة في زمننا الحاضر

جويل تامر

لا يمكن الاستهانة بالعبء الذي تحمله النساء على أكتافهنّ، لاسيما الأمهات العاملات منهنّ. في الحقيقة، تُظهر الدراسات أنّ المرأة تتحمّل العبء الأكبر في المنزل، حتى ولو كان الشريكان عاملين. ووجد مركز بيو للأبحاث أنّ الأمهات العاملات يقضينَ وقتاً أطول في إنجاز الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال مقارنةً بالآباء العاملين، حتى عندما يعمل كلا الوالدين بدوام كامل. كما يلقي هذا التقرير الضوء على التفاوتات القائمة بين الجنسين من حيث تقسيم المهام في المنزل.

1
"مونيكا ماثيس" مدربة الذكاء العاطفي ومؤسِّسة شركة "مونيكا ماهي" للخدمات الاستشارية

 

وفي هذا الإطار، تقول "مونيكا ماثيس"، مدربة الذكاء العاطفي ومؤسِّسة شركة "مونيكا ماهي" للخدمات الاستشارية، في حديث خاص لـ"هي" إن "لدى التمعّن بالضغوط المختلفة التي تترافق مع المسؤوليات المنزلية، والتجارب التي تمرّ بها المرأة طوال حياتها، والتفاوت بين الجنسين في مكان العمل، نجد عدداً من السيناريوهات التي قد تؤدي إلى التوتّر والقلق، وتؤثر سلباً في قدرة المرأة على التحكّم بعواطفها".

وتضيف: "كان لجائحة كوفيد-19 دورٌ في هذا الشأن أيضاً، إذ شعرت الكثير من النساء بالحاجة إلى تغيير مسارهنّ المهني أو الاستقالة من عملهنّ خلال هذه الفترة بسبب ما يثقل كاهلنّ من ضغوط، ونعني بها المسؤوليات المهنية والمسؤوليات المنزلية معاً. ووصف موقع McKinsey.com هذه الحالة خير توصيف بحيث أورد ما يلي: "دائماً ما عملت الأمّ العاملة بنوبتَين، أوّلهما في دوام العمل الكامل، تتبعها ساعات طويلة من رعاية الأطفال وأداء المهام المنزلية".

وتابعت "ماثيس": "يقوم الذكاء العاطفي على عناصر أساسية وأبرزها مفهوم المرونة العاطفية والتحكّم بالعواطف. وبما أنّ الضغوط ترافق الإنسان مدى حياته، لا بدّ له من التحلّي بالقدرة على التعامل مع المواقف العصيبة بطريقة سلسة.قد يتجلّى ذلك في حالات عدة، منها تقصير الأمّ العاملة في واجباتها تجاه طفلها بسبب الإجهاد الذي ترزح تحت وطأته، أو افتقار المدير إلى الصبر في إطار العمل، كما قد يحدث جدالٌ يفسد اليوم بأكمله، فتؤدي جميع هذه العوامل إلى الشعور بالإرهاق. هنا، يدخل العقل البشري في وضع القتال أو الهروب، وتتجلّى تصرفات قد تكون متطرفة أحياناً. وما هي سوى لحظات حتى نصل إلى نقطة الانفجار العاطفي، ويكون حينها الأوان قد فات في غالبية الأحيان".

وشاركتنا " ماثيس" بعض النقاط الأساسية التي يجب مراعاتها من منظور الذكاء العاطفي واليقظة:

بناء الوعي الذاتي

عليك فهم الأمور التي تحفزك وتسبّب لك التوتر. فكّري في احتياجاتك الخاصة وابحثي عن طرقٍ للتخفيف من تلك الضغوط التي تثقل كاهلك، على غرار ممارسة الرياضة، أو قضاء الوقت مع الأحبّاء، أو أخذ يوم عطلة وغيرها من الأنشطة التي تبعدك عن ضغوط الحياة.

تحديد مصادر التوتر

حددي الأسباب الجذرية التي تشعرك بالتوتر واطرحي على نفسك أسئلة مثل: ما هو سبب الضغط الذي أشعر به؟ ما المشاعر التي أختبرها؟ ما الذي قد يساعدني؟ ما هو الدعم الذي يمكنني الاستفادة منه؟ على سبيل المثال، إذا كان المدير مرهقاً ويشعر بأنّه يرزح تحت ضغوط العمل، يجب عليه إدراك أنّ هذا الإجهاد يعود إلى تحميل نفسه عبئاً فوق طاقته، فحينها يمكنه التوصّل إلى حلولٍ بنّاءة على غرار تفويض المهام لشخصٍ آخر.

التفكير والتأمّل في اليوم

فكّري في يومك، وانتبهي لمشاعرك وسلوكياتك وأفعالك طوال اليوم. ما الذي سار على نحوٍ جيد؟ ما الذي سار على نحوٍ سيئ؟ ما الذي قد تفعلينه بأسلوب مختلف في المرّة القادمة؟ يمكنك اللجوء إلى تدوين أفكارك لتفهمي نفسك بشكلٍ أفضل وتعرضي آرائك.

ممارسة الرعاية الذاتية والتعاطف مع الذات

 حدّدي احتياجاتك والأمور الثابتة غير القابلة للتفاوض في حياتك. وحدّدي مؤشرات الإرهاق لديك واتّخذي الخطوات اللازمة لمعالجتها قبل فوات الأوان. كوني لطيفةً مع نفسك، تماماً مثلما تتصرفين مع شخص تهتمين لأمره.

تعزيز اليقظة

 اتبعي ممارسات منتظمة لتعزيز اليقظة الذهنية، لتكوني أكثر حضوراً، فمن شأن اليقظة الذهنية أن تقلّل هرمونات التوتر وتحسّن العافية. وتشتمل هذه الممارسات على مسح الجسم وتمارين التنفّس وتمارين التأمّل برفقة مرشد فضلاً عن استخدام شعارات المانترا المحفّزة للمشاعر الإيجابية. في هذا السياق، نذكر اقتباساً لفيكتور إي. فرانكل حيث يشدّد على قوة اليقظة الذهنية، وقال "بين التحفيز والاستجابة، ثمّة مسافة. وفي هذه المسافة، تكمن قوتنا في اختيار استجابتنا، وفي استجابتنا هذه يكمن نموّنا وحريتنا".

تعزيز المرونة العاطفية

 تُعتبر المرونة مهارة تتطوّر مع مرور الوقت. لذلك، قومي بتعزيز مرونتك العاطفية وذكائك العاطفي للتعامل مع الظروف الصعبة على نحوٍ أفضل.

تحديد دائرة التحكّم

ركّزي على الأمور التي يمكنك التحكّم فيها بدلاً من التركيز على ما هو خارج عن سيطرتك، إذ يساعدك ذلك في إجراء تغييرات بناءة في حياتك فضلاً عن تقليل التوتر.

تقبّل المشاعر والتعبير عنها

 من الطبيعي أن تختبري عواطف ومشاعر مختلفة، لذلك، عبّري عنها بطرق مناسبة. مثلاً، يمكنك إجراء النقاشات الصعبة بشكل فردي وليس أمام الآخرين واعتمدي أساليب تواصل بعيدة عن العنف للتعبير عن مشاعرك واحتياجاتك بشكل بنّاء.

إيجاد ملاذ مريح

 أحيطي نفسك بأشخاص يقدمون لك الدعم الذي تحتاجينه. في الواقع، يمكن للمجتمع أن يقدم لك الدعم، والمشورة، والراحة، مما يساعدك في التركيز على ما في الحياة من عناصر صحية ومنتجة.

طلب الدعم من المتخصّصين

 عندما تصبح الأمور مربكة ومرهقة، اطلبي الدعم من أحد المتخصّصين الجاهزين لمساعدتك والمعترف بهم ضمن هيئة مهنية.

وختمت "ماثيس" قائلة: "حين ندرك أنّ بعض المحفّزات تخلق التوتر وتؤثر على المشاعر، نأخذ الخطوة الأولى نحو بناء المرونة العاطفية وتنمية القدرة على التحكّم بالعواطف. وحين نتعامل مع عواطفنا بشكل فعّال، نتمكّن من مواجهة تحدّيات الحياة بثقة ووعي أكبر".