التحديق المطول بالأجهزة من أسبابها: نصائح فعالة تُخلَصكِ من جفاف العين
منذ فترة ليست ببعيدة، كنتُ أتحدثُ مع زميلٍ لي حول بعض الأمور المتعلقة بالعمل. وفي خضم السؤال المعتاد عن الحال والصحة، قال لي أنه يعاني من جفافٍ شديد في عينيه، وأن الأمر بات لا يُطاق في ظل انزعاجٍ وألم كبيرين.
بادرتُ بسرعة العارف بالشيء، أن جفاف عينيه قد يكون مرده في المقام الأول لكثرة التحديق بالكمبيوتر والهاتف النقال دون أن يرمش لوقتٍ طويل. وهو ما يؤدي إلى حدوث جفافٍ في العينين والألم والضيق.. بالطبع أنا لستُ طبيبة عيون، ولم يكن هذا تشخيصًا طبيًا؛ وإنما هو خلاصة عملي في مجال الصحة لعقد ونيف، ما جعلني ألمُ بهذه الأشياء أكثر من غيري. كما أنني عانيتُ بنفسي من هذه التجربة أكثر من مرة، بسبب تحديقي المستمر في الشاشة دون أن يرمش لي جفن. وأسعى دومًا لتذكير ابنتي وزوجي وجميع أصدقائي بالتنبه إلى هذه المسألة، كون معظم الناس يقضون ساعاتٍ كثيرة في تصفح منصات التواصل الاجتماعي أو حضور الفيديوهات الطويلة وأعينهم ثابتة على الجهاز، أو يعملون على الحواسيب لأوقاتٍ طويلة دون أخذ فترة استراحة بين الحين والآخر لإراحة أعينهم.
هذا الإسهاب، ما هو إلا مقدمة للحديث عن مشكلة العصر الحديث (جفاف العين) الناجمة بشدة عن التعلق بالأجهزة الإلكترونية هذه الأيام؛ وكم يؤلمني رؤية الأطفال الصغار وعيونهم معلقة بتلك الأجهزة بلا هوادة، ودون أن يرمشوا أو يريحوا نظرهم لبعض الوقت. لذا من الضروري على الجميع، الإنتباه لهذ المتلازمة وعلاجها ومنع تفاقمها قدر الإمكان، خصوصًا لدى الأطفال، كي لا تتسبب بمضاعفات خطيرة على صحة العينين.
وللحصول على المعلومات الصحيحة والإجراءات الفعالة للتخلص من جفاف العين، تحدثت إلينا الدكتورة أنيا بويغس، استشارية طب العيون من مستشفى باراكير للعيون دبي، بإسهاب عن هذا الموضوع..
أسباب وأعراض جفاف العين
وفقًا للدكتورة بويغس، فإن متلازمة جفاف العين Dry Eyes تحدث عند عجز العين عن إنتاج كميةٍ أو نوعيةٍ كافية من الدموع للحفاظ على الترطيب المناسب لسطح العين. ولجفاف العين أسبابٌ متنوعة تضر بأداء الغشاء الدمعي الطبيعي، الذي يتكون من ثلاث طبقات: الطبقة الزيتية الخارجية، والسائل المائي، والطبقة المخاطية. ويظل سطح العين رطبًا وناعمًا وشفافًا بفضل هذا المزيج عادة؛ بينما يحدث جفاف العينين عند وجود خللٍ في أي من هذه الطبقات. كما تتعدد أسباب خلل الغشاء الدمعي؛ وهذا يشمل التغيرات الهرمونية، أو أمراض المناعة الذاتية، أو التهاب غدد الجفن الدهنية، أو أمراض العين الأرجية.
وتشمل الأعراض الشائعة لمتلازمة جفاف العين:
- جفاف أو شعور بالحبيبات في العين.
- حكة أو إحساس بالحرقان.
- احمرار والتهاب العين.
- رؤية ضبابية.
- حساسية للضوء.
- إفراط في الدموع كآلية تعويضية.
إجراءات ينبغي اتباعها عند حدوث متلازمة جفاف العين
تؤكد الدكتورة بويغس أن جفاف العين وتداعياته على صحة العين، يمكن تخفيفها من خلال اتخاذ بعض الإجراءات التي يصفها الطبيب المختص في مثل هذه الحالات.
وتتضمن هذه الإجراءات ما يلي:
- إستخدام الدموع الاصطناعية وقطرات العين المُرطَبة: حيث تُوفَر قطرات العين المُرطبة، المعروفة أيضًا بالدموع الاصطناعية، راحةً مؤقتة من خلال تعزيز إنتاج الدموع الطبيعي وتليين سطح العين. ويمكن لاختيار تركيباتٍ خالية من المواد الحافظة، االتقليل من خطر التهيج وردود الفعل السلبية.
- قطرات العين بوصفة طبية: في حالات متلازمة جفاف العين المتوسطة إلى الشديدة، قد يُوصى باستخدام قطرات العين بوصفةٍ طبية تحتوي على أدوية مثل السيكلوسبورين (ريستاسيس) أو الليفيتغراست (زييدرا) لتقليل الالتهاب وتعزيز إنتاج الدموع.
- سدادات الدمع: هي أجهزة صغيرة تُدرج في القنوات الدمعية لمنع التصريف والحفاظ على الدموع الطبيعية على سطح العين. ويمكن أن تساعد السدادات الدمعية في تخفيف أعراض جفاف العين من خلال الحفاظ على الرطوبة والتشحيم.
- جل ومرهم ترطيب العين: تُوفر راحةً طويلة الأمد من خلال تشكيل حاجزٍ وقائي على سطح العين وتقليل تبخر الدموع. هذه التركيبات السميكة تكون مفيدةً بشكلٍ خاص للاستخدام الليلي أو لأعراض جفاف العين الشديدة.
- علاج الضوء النبضي المكثف IPL: هو خيارٌ علاجي غير جراحي، يستخدم نبضات الضوء لاستهداف الأوعية الدموية والغدد الوظيفية في الجفون؛ ما يؤدي إلى تحسَن استقرار طبقة الدموع ويُقلل من الالتهاب المرتبط بمتلازمة جفاف العين.
- المكملات الغذائية: ثبت أن الأحماض الدهنية أوميغا-3، الموجودة في مُكملات زيت السمك، لها خصائص مضادة للالتهابات وقد تساعد في تحسين جودة الدموع وتقليل أعراض متلازمة جفاف العين. كما قد تكون المُكملات الأخرى مثل زيت بذور الكتان أو فيتامين د، مفيدةً أيضًا.
تعديلات نمط الحياة لإدارة جفاف العين
قد يعاني بعضنا من جفاف العين لوقتٍ قصير أو مدةٍ محددة، وهذا أمرٌ طبيعي لا يستدعي القلق؛ لكن الأشخاص المُعرَضين للإصابة بمتلازمة جفاف العين لفتراتٍ طويلة، يحتاجون لإجراء بعض التعديلات في نمط حياتهم اليومي، للوقاية من الجفاف قدر الإمكان.
وتُعدَد الدكتورة بويغس تلك التعديلات على النحو الآتي:
- الترطيب والتبخير: يمكن أن يساعد إبقاء العين مُرطَبة جيدًا، واستخدام مُرطب في البيئات الداخلية الجافة (كالمكاتب والمنازل المكيفة بصورةٍ دائمة) في الحفاظ على مستويات الرطوبة في العينين وتقليل أعراض الجفاف والتهيج.
- تمارين الوميض: يمكن أن يساعد هذا التمرين بانتظام، خاصةً أثناء فترات الشاشة الطويلة أو الأنشطة التي تتطلب تركيزًا مكثفًا، في توزيع الدموع بالتساوي على سطح العين ومنع جفاف العين الناتج عن التبخر. كل ما عليكِ فعله هو رمش العينين بين الحين والآخر، لمنع حدوث الجفاف فيهما.
- نظارات واقية: يمكن أن يساعد ارتداء النظارات الشمسية أو النظارات الواقية في الهواء الطلق، في حماية العينين من الرياح والغبار والمُهيَجات البيئية الأخرى التي يمكن أن تزيد من أعراض جفاف العين.
- نظافة العين الرقمية: إن أخذ فترات راحةٍ متكررة أثناء وقت الشاشة، واستخدام قاعدة 20-20-20 (كل 20 دقيقة، انظري إلى شيءٍ بعيدٍ عنك 20 قدمًا لمدة 20 ثانية على الأقل)، وتحسين إعدادات الشاشة لتقليل التوهج والتعرض للضوء الأزرق؛ يُسهم في منع إجهاد العين الرقمي ومتلازمة جفاف العين.
- نظافة الجفون: يمكن أن يساعد تطبيق كمادةٍ دافئة يوميًا لمدة 3-10 دقائق وتنظيف حواف الجفن باستخدام المناديل الطبية التي تحتوي على موادٍ لتنظيف الجفون والرموش، في تحسين الإفرازات الدهنية من غدد مايبوميان MGD (وهي غددٌ تعمل على إفراز سوائل زيتية على سطح العين؛ وتعمل هذه الزيوت على ضمان استقرار طبقة الدمع لاستمرار ترطيب وراحة العين ، ما يُحسَن التبخر المفرط لطبقة الدموع.)
خلاصة القول؛ يمكن أن تؤثر متلازمة جفاف العين بشكلٍ كبير على جودة الحياة، ما يُسبَب عدم الراحة واضطرابات الرؤية لأولئك الذين يعانون منها. لكن ومن خلال تنفيذ مجموعةٍ من الأساليب العلاجية وتعديلات نمط الحياة، يمكن للأفراد إدارة أعراض جفاف العين بفعاليةٍ وتحسين الراحة والوظيفة البصرية.
إن كنتِ عزيزتي تعانين من أعراض جفاف العين المستمرة أو الشديدة، فمن الضروري استشارة أخصائي العيون للحصول على تقييمٍ شخصي وتوصياتٍ علاجية. ومن خلال الإدارة الاستباقية والرعاية المناسبة، يمكن لكِ استعادة الراحة والوضوح في حياتكِ اليومية على الرغم من العيش مع متلازمة جفاف العين.