الجينات تحدد مأكولاتكِ المفضلة.. وهذا مفهوم العلم حول الأطعمة التي نختارها
يحب زوجي تناول الطعام الحار بشكلٍ كبير، فيما أجدُ نفسي غير قادرةٍ حتى على تذوق جزءٍ صغير من قرن فلفل معتدل الحرارة. وفيما تُفضَل ابنتي وصديقتي المعجنات والنشويات مثل البيتزا والبطاطس المقلية، فإنني أجنحُ أكثر نحو الخضروات والفواكه.
هذه الذائقة المختلفة، التي تتباين بين شخصٍ وآخر، لا تعود جذورها لما يتم تربيتنا عليه من طعامٍ معين؛ وإنما ترتبط بشكلٍ أكبر بتركيبة أجسامنا منذ التكوين. بمعنى آخر، تتحكم جيناتنا بما نحب أو نكره من طعام.
إنكِ ما تأكلين ــ وما نأكله قد يكون مُشفَراً في الحمض النووي الخاص بنا. هذا ما أشارت إليه الدراسات المختلفة بحسب موقع Scientific American، مضيفةً أن الجينات تلعب دورًا كبيرًا في تحديد الأطعمة التي قد نجدها لذيذة أو مُقززة؛ ولكن تحديد الدور الذي تلعبه الجينات في هذه المسألة، على وجه التحديد، كان صعباً. وبحسب جوان كول، عالمة الوراثة وأستاذة مساعدة في كلية الطب بجامعة كولورادو: "كل شيء له مُكون وراثي، حتى لو كان صغيرًا. ونحن نعلم أن هناك بعض المساهمة الجينية في سبب تناولنا للأطعمة التي نتناولها. فهل يمكننا أن نتخذ الخطوة التالية ونُحدد بالفعل تلك المناطق في الجينوم؟"
الحقيقة أن الأبحاث الجديدة التي أشرفت عليها كول منذ فترة، قد قادتها لهذه الغاية بضع خطوات؛ فمن خلال تحليل الجينوم على نطاقٍ واسع، حددَ فريقها 481 منطقة في الجينوم، أو مواضع، كانت مرتبطةً بشكلٍ مباشر بالأنماط الغذائية وتفضيلات الطعام. اعتمد الباحثون على دراسةٍ أجرتها كول وزملاؤها في مجلة Nature Communications عام 2020، والتي استخدمت بياناتٍ من البنك الحيوي البريطاني، وهي قاعدة بياناتٍ عامة للمعلومات الوراثية والصحية ل 500 ألف مشارك. ومن خلال مسح الجينومات، تمكَن التحليل الجديد من تحديد 194 منطقة مرتبطة بأنماطٍ غذائية، و287 مرتبطة بأطعمةٍ معينة مثل الفاكهة والجبن والأسماك والشاي وغيرها.
ما يعني أن فهم كيفية تأثير العوامل الوراثية على كيفية تناولنا للطعام، يمكن أن يكشف عن اختلافاتٍ في الاحتياجات الغذائية أو مخاطر الإصابة بالأمراض.
وجود علاقةٍ بين الجينات والمأكولات المُفضلة لكل شخص
بدورها؛ كشفت دراسة بحثية مشتركة في كلٍ من اسكتلندا وإيطاليا، وجود علاقةٍ وطيدة بين التركيب الجيني للأفراد ونوعية المأكولات التي يفضَلونها. الدراسة التي أُجريت في جامعة أدنبرة باسكتلندا ومعهد "هيومان تكنوبول" للدراسات الإنسانية بمدينة ميلانو الإيطالية، شملت أكثر من 150 ألف شخص، ودرست شغفهم بتناول نحو 137 صنفًا مختلفًا من المأكولات والمشروبات.
ونقل موقع صحيفة "البيان" الإماراتية بعضًا من تفاصيل هذه الدراسة التي نشرتها الدورية العلمية "نيتشر كوميونيكيشن"، حيث عمل الباحثون على رصد 401 اختلافًا جينيًا كان له تأثيره على المأكولات المفضلة للمشاركين في التجربة.وجراء القيام باستبياناتٍ وتحليلاتٍ جينية للمتطوعين في التجربة من قبل فريق الدراسة، لتطوير ما أطلقوا عليه إسم "خريطة الطعام"، والتي يمكن من خلالها تحديد نوعية المأكولات التي يُفضَلها كل شخص ومدى ارتباطها بوجود، أو عدم وجود، جيناتٍ معينة في تركيبه الوراثي.
لتخلص الدراسة إلى رصد ثلاثة تصنيفات مختلفة للتركيب الوراثي، تقترن بأذواقٍ متشابهة في المأكولات؛ فقد أظهرت التجربة وجود فئةٍ من المشاركين ممن يُفضلَون الأطعمة ذات السعرات الحرارية المرتفعة، فيما فضَلتالفئة الثانية المأكولات ذات المذاق اللاذع مثل الخضروات ذات الروائح النفاذة؛أما الفئة الثالثة فقد جنحت تفضيلاتها نحو الأطعمة ذات السعرات المنخفضة مثل الفواكه والخضروات.
ووفقًاللخبراء، فإن فهم الاختيارات الغذائية المختلفة للبشر والعوامل التي تتحكم فيها، يمكن أن يساعد في تطوير وابتكار منتجاتٍ غذائية أفضل مذاقًا، وذات خصائص صحية أكبر؛ ما يعني المساهمة في علاج بعض المشكلات الصحية، مثل السُمنة.وقد نقل الموقع الإلكتروني "ميديكال إكسبريس" المتخصص في الأبحاث الطبية عن الباحث نيكولا بيراستو، أحد المشاركين في التجربة قوله: "من بين الرسائل المهمة التي تنقلها هذه الدراسة، أنه وبالرغم من أهمية مُستشعرات التذوق لدى الإنسان في تحديد المأكولات المفضلة لكل شخص، إلا أن العمليات التي تتم في مخ الإنسان هي التي تتحكم في اختياراته الغذائية."
إرشاداتٌ غذائية معينة وعلاقتها بصحة القلب والأيض
بما أن للأكل علاقةٌ كبيرة ومهمة في نوعية صحتنا وجودتها، فإن تحديد بعض الإرشادات الغذائية المعينة، قد يساعد في تحديد خيارات الطعام التي ينبغي على كل فرد منا تناولها. وقد خلصت النتائج الأولية لدراسةٍ شملت أكثر من 6000 شخصٍ بالغ،إلى أن الجينات المرتبطة بالتذوق قد تلعب دورًا في تحديد خيارات الطعام، والتي يمكن أن تؤثر بدورها على صحة القلب والأيض. وهي واحدةٌ من أولى الدراسات التي تبحث في كيفية ارتباط الجينات المرتبطة بالإدراك لجميع الأذواق الخمسة - الحلو والمالح والحامض والمر والأومامي (اللذيذ) - باستهلاك مجموعات الطعام وعوامل الخطر القلبية الأيضية.
وأفضت النتائج إلى أن الجينات التي تُحدد إدراك التذوق، قد يكون من المهم مراعاتها عند تطوير إرشاداتٍ غذائية شخصية تهدف إلى تحسين جودة النظام الغذائي وتقليل مخاطر الإصابة بالأمراض المزمنة المرتبطة بالنظام الغذائي، مثل السُمنة ومرض السكري من النوع 2 وأمراض القلب والأوعية الدموية، بحسب ما أفاد موقع Nutrition.
ونقل الموقع المختص عن جولي إي جيرفيس؛ مرشحة الدكتوراه في مختبر التغذية القلبية الوعائية في مركز جين ماير لأبحاث التغذية البشرية التابعة لوزارة الزراعة الأمريكية، قولها: "نحن نعلم أن التذوق هو أحد المحركات الأساسية لما نختاره لتناوله، وبالتالي جودة نظامنا الغذائي. ويمكن أن يساعد النظر في إدراك التذوق في جعل التوجيه الغذائي الشخصي أكثر فعاليةً، من خلال تحديد مُحركات الاختيارات الغذائية السيئة ومساعدة الناس على تعلَم كيفية تقليل تأثيرها."
على سبيل المثال؛ الأشخاص الذين لديهم إدراكٌ قوي للطعم المرَويميلون إلى تقليل تناول الخضروات الصليبية، يمكنهم تحسين تجربتهم مع هذه الأطعمة من خلال إضافة بعض التوابل، أو التركيز على أنواعٍ أخرى من الخضروات التي تتوافق بشكلٍ أفضل مع ملف إدراك التذوق الخاص بهم. وعلَقت جيرفيس على هذه الفكرة بالقول: "من المرجح أن معظم الناس لا يعرفون سبب قيامهم باختيارات غذائية معينة. ويمكن أن يوفر لهم هذا النهج إرشاداتٍ تسمح لهم باكتساب المزيد من السيطرة على ما يأكلون."
في الختام؛ فإن للطعام تأثيرٌ كبير على صحة الإنسان، حيث يُوفَر الغذاء اللازم لتزويد الجسم بالطاقة والمُغذيات الأساسية التي يحتاجها للحفاظ على وظائف الجسم والنمو والتطور الصحيح. وفي حال لم نحصلعلى الطعام المناسب، فإن ذلك قد يؤدي إلى مشاكل صحية مختلفة، مثل السُمنة، وارتفاع ضغط الدم، ومرض السكري، وأمراض القلب، وأمراض الكبد، وأمراض الجهاز الهضمي.
قد يبدو من الصعب، وحسب نتائج الدراسات المختلفة التي ربطت بين تفضيل بين الأطعمة والجينات، أن يلتزم بعضنا بنمطٍ غذائي صحي يضمن له العافية وجودة الحياة. لكن لا ضير من المحاولة لإنجاح هذا الالتزام، وذلك من خلال خطةٍ غذائية صحية يضعها الطبيب المختص أو خبيرة التغذية لكل حالةٍ.