دور التغذية والتثقيف الصحي من عمرٍ مبكر.. للوقاية من سرطان الثدي
العلم في الصغر، كالنقش في الحجر.. مقولةٌ شهيرة، عميقة وتحمل الكثير من المعاني، ردَدها معظمنا للأسف بشكلٍ ببغائي دون فهم عمق معناها والحاجة لتطبيقها.
أن تُعلَمي الصغار مبادئ الحياة وكل شيء يحيط بها، أن تزرعي في أطفالكِ وبناتكِ وشبابكِ المراهق أُسسًا وتوجيهات يتبَعونها منذ الصغر وحتى سنٍ متقدمة، هو ما تتمحور حوله هذه المقولة. أن تؤسسي لجيلٍ مثقفٍ، واعٍ، يُدرك بواطن الأمور ويعرف الكثير عن الأمور الواجب القيام بها والأمور الواجب الابتعاد عنها، هو فحوى هذه المقولة الأزلية.
وعندما نتحدث عن تعليم الصغار، فإنما نعني توعيتهم وتثقيفهم حول كل ما هو خيرٌ وصلاحٌ لهم، خاصةً فيما يتعلق بصحتهم على مدار سنوات حياتهم؛ كي لا يأتي وقتٌ يعانون فيه من مشكلةٍ صحية ما ولا تكون لديهم المعرفة الكافية للتعاطي معها، أو أن يمروا بتجربةٍ مريرة مع مرض أحد أصدقائهم ولا يسعهم إفادتهم بما يعرفون مما تعلموه منكِ ومن والدهم في سنٍ أصغر، لتخطي هذه المرحلة.
التوعية والتثقيف الصحي، كما الحياتي، مسألتان محوريتان وأساسيتان ينبغي التركيز عليهما منذ الصغر؛ خاصةً للفتيات اللاتي يشهدنَ الكثير من التغيرات الجسدية والنفسية خلال مراحل حياتهنَ، وأيضًا للفتيان لأن صحتهم لا تقلَ أهميةً عن حياة الفتيات. بحيث يبدأ التأسيس منذ الصغر لتبَني نمط حياةٍ صحي ومتوازن، يحميهم من العديد من الأمراض، ونخص بالذكر سرطان الثدي الذي تتضافر الجهود والحملات للتوعية بشأنه خلال هذا الشهر.
إذن؛ دور التغذية والتثقيفالصحي من عمرٍ مبكر ضروريٌللوقاية من سرطان الثدي، وهو ما سوف تُطلعنا عليه تالة مصطفى، أخصائية تغذية طبية وعلاجية معتمدة من عيادة أمان للعافية دبي في مقالة اليوم.
التثقيف الصحي من عمرٍ مبكر..يحمي من سرطان الثدي
يُعد سرطان الثدي من أكثر أنواع السرطان شيوعًا بين النساء على مستوى العالم. ورغم التطور الكبير في وسائل الكشف المبكر والعلاج، إلا أن الوقاية تبقى أحد أهم السبل لتقليل معدلات الإصابة.
تشير الأبحاث إلى أن التغذية الصحية من عمرٍ مبكر،تلعب دورًا هامًا في تقليل خطر الإصابة بسرطان الثدي. وإلى جانب ذلك، فإن التثقيف المستمر للفتيات والنساء حول أهمية الفحص الذاتي للثدي والفحص الطبي الدوري، يُشكَل ركيزةً أساسية للكشف المبكر عن المرض، وهو ما يُسهم بشكلٍ كبير في تحسين فرص العلاج والشفاء.
سوف نُقسَم موضوعنا اليوم إلى فقرتين أساسيتين: الأولى تتمحور حول التغذية الصحية ودورها في الوقاية من سرطان الثدي؛ والثانية تتطرق لأهمية تثقيف الإناث منذ سنٍ صغير حول الفحص الذاتي والطبي للكشف عن سرطان الثدي..
دور التغذية في الوقاية من سرطان الثدي
تلعب التغذية الجيدة والمتوازنة دورًا محوريًا في الوقاية من العديد من الأمراض المُزمنة، بما في ذلك سرطان الثدي، تؤكد تالة مصطفى. وتضيف: "تبدأ هذه العادات الغذائية الصحية منذ الطفولة، حيث يُشجع الأطباء وخبراء التغذية على تناول نظامٍ غذائي غني بالفيتامينات والمعادن ومضادات الأكسدة التي تُعزز صحة الخلايا وتُقلل من خطر الإصابة بالسرطان.
فلنتعرف أكثر على مزايا هذه الأطعمة الوقائية:
- الأطعمة الغنية بمضادات الأكسدة:مضادات الأكسدة هي موادٌ تُحارب الجذور الحرة التي تتسبب في تلف الخلايا وتُحوَلها إلى خلايا سرطانية. وتحتوي أطعمة مثل الفواكه والخضروات الملونة، خاصةً التوت، الفراولة، البروكلي، والسبانخ، على كمياتٍ كبيرة من مضادات الأكسدة مثل فيتامين سي وفيتامين إي. إن تناول هذه الأطعمة بشكلٍ مُنتظم، يمكن أن يُقلل من خطر تطر سرطان الثدي.
- الألياف الغذائية:الأطعمة الغنية بالألياف، مثل الحبوب الكاملة والبقوليات والخضروات، تساعد على تقليل مستويات هرمون الإستروجين في الدم. وقد أظهرت الدراسات أن الهرمونات المرتفعة تزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي. لذا فإن التركيز على تناول كمياتٍ كافية من الألياف، يساهم في تحسين وظائف الجهاز الهضمي ويعمل على توازن الهرمونات في الجسم.
- الدهون الصحية:تناول الدهون الصحية مثل تلك الموجودة في زيت الزيتون، الأفوكادو، والمكسرات يمكن أن يُقلَل من خطر الإصابة بسرطان الثدي. وتُعزَز الدهون غير المُشبعة صحة القلب والأوعية الدموية، وتُقلَل من الالتهابات في الجسم التي قد تُسهم في تطور السرطان.
- البروتين:تقليل تناول البروتينات الحيوانية مثل اللحوم الحمراء، والاعتماد على البروتينات النباتية مثل العدس والفاصولياء و البروتينات قليلة الدهون كالأسماك، قد يُسهم في الوقاية من السرطان. وأظهرت الأبحاث أن النظام الغذائي النباتي يُعزَز صحة الجسم ويُقلَل من التهابات الخلايا.
- تجنب الأطعمة المُصنعة والسكريات: بالمقابل، فإن النظام الغذائي الذي يحتوي على نسبٍ عالية من الأطعمة المُصنعة والسكريات،قد يزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي. إذ قد تُسهم الأطعمة الغنية بالسكريات في زيادة الوزن وارتفاع مستويات الأنسولين ومعدل الالتهابات بالجسم، وهو ما يرتبط بزيادة خطر السرطان. لذا من الأفضل تناول الأطعمة الطبيعية والحد من السكريات المضافة، للحفاظ على صحة الجسم.
أهمية التثقيف حول الفحص الذاتي والفحص الطبي
إلى جانب التغذية الجيدة، يلعب التثقيف الصحي دورًا رئيسيًا في الوقاية من سرطان الثدي. وتشير تالة مصطفى إلى أن الفحص الذاتي والفحص الطبي المنتظم،يُسهمان في الكشف المبكر عن أي تغييراتٍ غير طبيعية في الثدي، مما يُعزز فرص العلاج الناجح والشفاء التام.
فلنقِ نظرة سويًا على مجريات هذه الفحوص..
- الفحص الذاتي للثدي:هو عمليةٌ تقوم بها المرأة بنفسها، لفحص ثدييها، بحثًا عن أي كتل أو تغييرات في الحجم أو الشكل. وتُنصح النساء ببدء الفحص الذاتي من عمر العشرينيات، حيث يساعد هذا الفحص في التعرف المبكر على أي تغيرات غير طبيعية. ورغم أنه لا يُغني عن الفحص الطبي، إلا أن الفحص الذاتييُعدَ خطوةً أولى وأساسية في الكشف المبكر.
كيفية القيام بالفحص الذاتي:
- الوقوف أمام المرآة والنظر إلى الثديين لاكتشاف أي تغيرات في الشكل أو الحجم.
- رفع الذراعين وفحص منطقة الإبط للتأكد من عدم وجود كتل.
- استخدام الأصابع للضغط بلطف على الثدي في حركاتٍ دائرية، للبحث عن أي كتل أو تورمات.
- الفحص الطبي الدوري:إلى جانب الفحص الذاتي، تُنصح النساء بإجراء فحصٍ طبي دوري للثدي. ويتمثل هذا الفحص في التصوير الإشعاعي للثدي (الماموغرام) أو الفحص السريري الذي يقوم به الطبيب. يُعتبر الفحص الطبي أكثر دقةً، ويُتيح الكشف عن التغيرات الصغيرة التي قد لا تكون ملموسةً في الفحص الذاتي.
التوقيت المثالي للفحص الطبي:
- النساء بين سن 40 و49: يُفضل إجراء الماموغرام كل سنة أو سنتين بناءً على توصيات الطبيب.
- النساء فوق سن 50: يُنصح بإجراء الماموغرام سنويًا.
- النساء الأصغر سنًا ممن لديهنَ تاريخٌ عائلي للإصابة بسرطان الثدي، قد يحتجنَللبدء في الفحوصات في عمرٍ مبكر بناءً على نصيحة الطبيب.
في الختام؛ فإن تثقيف الفتيات والنساء حول سرطان الثدي، الفحص الذاتي، والفحص الطبي الدوري يجب أن يكون جزءًا من الثقافة العامة للمجتمع. ويُسهم تقديم المعلومات بطرقٍ مُبسطة ومُنظمة في تعزيز الوعي، كما يُحفَز النساء على اتخاذ خطواتٍ وقائية في وقتٍ مبكر. وتلعب المدارس، والجامعات، والمراكز الصحية دورًا كبيرًا في هذا التثقيف، عبر حملاتٍ توعوية وورش عملٍ للتدريب على الفحص الذاتي وتوضيح أهمية التغذية الصحية.
التغذية الصحية والتثقيف حول الفحص الذاتي والفحص الطبي الدوري، يُمثَلان أدواتٍ قوية في الوقاية من سرطان الثدي. وإذا ما تم تطبيقهما منذ عمرٍ مبكر، يمكن أن يساهما في تقليل معدلات الإصابة بشكلٍ كبير. توعية النساء بأهمية هذه الأدوات، تُشكَل جسرًا نحو حياةٍ صحية وخالية من الأمراض، وتؤكد على أهمية الكشف المبكر كوسيلةٍ فعالة للتصدي لسرطان الثدي.