
اكتشاف سعودي يغيّر التاريخ... 8 ملايين عام من التنوع البيئي في الجزيرة العربية
في لحظة تعيد رسم ملامح تاريخ الجزيرة العربية، أعلنت هيئة التراث عن نتائج واحدة من أطول الدراسات المناخية على مستوى العالم، والتي ترصد التحولات البيئية للمنطقة على مدى ثمانية ملايين عام، مستندة إلى ترسبات كهفية نادرة تم اكتشافها في دحول الصمان الواقعة في مركز شوية بمحافظة رماح، شرق المملكة.
جاء هذا الإعلان خلال مؤتمر صحفي عُقد في مقر الهيئة في قلب العاصمة الرياض، بحضور عدد من الباحثين والخبراء في مجال التراث والجيولوجيا، ليشكّل هذا الحدث العلمي نقطة تحوّل في فهم التاريخ الطبيعي والإنساني للجزيرة.
مشروع "الجزيرة العربية الخضراء": نافذة على ماضٍ منسي
أوضح الدكتور عجب العتيبي، مدير الآثار في هيئة التراث أن هذا الاكتشاف يُعد امتدادًا لجهود مشروع "الجزيرة العربية الخضراء" الذي انطلق في عام 2010، بمشاركة أكثر من 30 باحثًا من 27 جهة علمية محلية ودولية. وأشار إلى أن الدراسة تقدم أدلة قوية على أهمية الجزيرة العربية كممر حيوي لهجرات الكائنات الحية، بما فيها الإنسان، عبر العصور المختلفة، وتدعم التفسيرات حول تأثير التغيرات المناخية على حركة واستقرار الجماعات البشرية.
ولتحقيق هذا الإنجاز، قام الفريق العلمي بزيارة أكثر من 70 كهفًا، ليتم اختيار سبعة منها بناءً على معايير دقيقة، وأخذ عينات من "الهوابط" – وهي تراكمات معدنية تتكوّن داخل الكهوف بفعل ترسيب المياه الجوفية – ما مكّن العلماء من إعادة بناء صورة واضحة ومعمقة لتاريخ المناخ في الجزيرة.

كيف تم هذا الاكتشاف ؟
تركزت الدراسة على تحليل الترسبات الكهفية في دحول الصمان، بمحافظة رماح شرق المملكة، حيث شكّلت الهوابط المعدنية داخل سبعة كهوف مختارة مفاتيح زمنيّة دقيقة، ساعدت العلماء على إعادة بناء صورة مفصلة لمشهد المناخ في الجزيرة العربية على مدى ملايين السنين. قام الفريق العلمي بزيارة أكثر من 70 كهفًا، واختار العينات بعناية من الكهوف التي احتفظت بأفضل المؤشرات الجيولوجية.
وتشير النتائج إلى أن الجزيرة العربية، التي نعرفها اليوم بمناخها الصحراوي، كانت في عصور سابقة من أكثر المناطق خصوبة في العالم، غنية بالأنهار والبحيرات والنباتات، وموطنًا لحياة فطرية مدهشة شملت التماسيح وأفراس النهر، ما يعيد النظر تمامًا في فهمنا لتاريخ الطبيعة في المنطقة.
من الكهوف إلى الحضارات: عندما يتحدث التراث
من جانبه، أكد الدكتور جاسر الحربش، الرئيس التنفيذي لهيئة التراث، أن هذا الاكتشاف يُجسّد رؤية الهيئة في استكشاف وحماية مواقع التراث الثقافي والطبيعي، مشيرًا إلى أن المملكة، بدعم كريم من الحكومة ومتابعة حثيثة من وزير الثقافة، تعمل على تعزيز الحضور العلمي في مجال الأبحاث الأثرية والجيولوجية.
وتابع الحربش بأن الهيئة تعمل على مجموعة من الملفات المتنوعة التي تسلّط الضوء على الغنى التاريخي والإنساني للمنطقة، بدءًا من القلاع والمباني التقليدية والقرى المدفونة، إلى المنشآت الحجرية التي تحمل دلالات حضارية عميقة، إضافة إلى ملف الأنظمة المائية مثل دروب الحج التاريخية، وعلى رأسها درب زبيدة.
كما تطرق إلى ملف "التراث المغمور" في البحر الأحمر والخليج العربي، الذي يُعد كنزًا دفينًا تعمل عليه الهيئة بالتعاون مع جامعات ومراكز أبحاث دولية ومحلية، إلى جانب الفنون الصخرية والنقوش التي تُعد شواهد تاريخية حيّة على حياة الإنسان منذ آلاف السنين.
لم تكن الجزيرة العربية مجرد كتلة جغرافية معزولة، بل كانت على مدى ملايين السنين صلة وصل حيوية بين آسيا وأوروبا وأفريقيا، ما جعلها طريقًا طبيعيًا لهجرات الإنسان والحيوانات. هذا الدور الجغرافي المتميز يعزز من فهمنا للمنطقة كمسرح لحضارات متعاقبة، وكحلقة مركزية في قصة البشرية البيئية والثقافية