
خاص لـ"هي": الفنانة السعودية سارة العبدلي تطلق "طبعة"... لقاء بين الحِرفة الأنثوية وجماليات الفن الإسلامي
في زمن تتسارع فيه تعاريف الفن وتتبدل ملامحه، اختارت الفنانة السعودية سارة العبدلي أن تعود إلى الجذور، إلى النقطة التي يتقاطع فيها الجمال مع الأصالة، والحرفة مع الروح. من هذا المنطلق ولدت "طبعة"؛ منصة فنية وثقافية تحتفي بالفنون الإسلامية والحِرف النسائية، لا كموروث تقليدي ساكن، بل كمساحة نابضة بالحياة والتجديد.
وقريباً تطلق طبعة أول أعمالها، وهي مجموعة مستلهمة من سيرة الشاعر والأديب حمزة شحاتة، ومن روعة مدينة جدة التي احتضنت بعضًا من أجمل فصول حياته، حيث يعد من أبرز الأصوات الشعرية والأدبية في السعودية الحديثة.
من خلال هذا الحوار، تكشف العبدلي لـ"هي" عن رحلة التأسيس، الرؤية التي تقود المشروع، ورسالة التمكين التي تضع المرأة في مقدمة المشهد الفني.

من بحث الهوية إلى مشروع فني مستقل
ليست كل بداية عشوائية، وبعض المشاريع تولد من بحث داخلي عميق عن الذات، وهذا ما حدث مع الفنانة سارة العبدلي. فكرة "طبعة" لم تكن مجرد مبادرة عابرة، بل نتيجة مسار تأملي في الهوية الفنية وسؤال عميق عن جوهر الجمال في الفن الإسلامي والحرف.
تقول سارة لـ"هي": "بدأت طبعة بعد بحث طويل ومعمّق في فهم هويتي الفنية، والحاجة لتأسيس منصة مستقلة تدعم الفن الإسلامي والحرف بعيدًا عن مفاهيمية الفن المعاصر، التي تتعارض أحيانًا مع جوهر هذا الفن في اعتقادي الشخصي."
وتكمل الحديث قائلة:"كنت أرغب بتقديم قطع فنية يغلب عليها الجمال والأصالة، وهذا أمر لا يكفي أن يكون مجرد هدف في عالم الفن المعاصر. كما شعرت بالحاجة لأن أجعل الفن الحصري والنفيس متاحًا بأسعار معقولة."
وتختم:" من جانب آخر، كنت بحاجة لمشروع يلبي الطلبات الكثيرة التي تردني من قطاعي الفندقة والمطاعم، حيث تُشترط مشاركة فنانين سعوديين ضمن رؤية 2030. طبعة هو تلاقي رؤيتي الفنية مع متطلبات السوق المعاصرة."

حين تصبح الحِرفة حكاية نسائية
الارتباط بين الحرف الإسلامية والمرأة لم يكن قرارًا بل اكتشافًا، رحلة بدأتها سارة منذ سنوات وأدركت خلالها أن للمرأة أسلوبًا خاصًا في التعبير الحرفي، يختلف في إيقاعه وتفاصيله عن الرجل.
توضح العبدلي ذلك: "منذ 2015 وأنا أعمل على هذا الربط، حين شاركت مع هيئة السياحة والتراث ووقف جبل التركواز التابع للملك تشارلز في تدريب حرفيات من جدة. خلال هذه التجربة، أدركت غياب الفهم الحقيقي للحرف بما يتناسب مع نسق حياة المرأة. وجدت ضرورة لطرح هذا الفن في سياق ثقافي محلي واعٍ، إذ أن للمرأة حساسية مرهفة في تجسيد الأشياء، وكان من الطبيعي أن يكون هذا جوهر طبعة."
ما الذي يجعل من "طبعة" تجربة مختلفة؟
في سوق مزدحم بالمبادرات والمشاريع الفنية، لا يكفي أن تكون الفكرة جميلة، بل يجب أن تحمل روحًا واضحة وهوية لا تخطئها العين. تشرح سارة لـ"هي" عن ما يمديز طبعة قائلة: "ما يميز طبعة هو وضوح رؤيتها، فهي تركز على ثلاث محاور: الطبعات الفنية، القطع المنزلية اليدوية، وورق الجدران."
وتكمل الحديث:" هناك روح تعاونية نسائية قوية داخل الستوديو، بالإضافة إلى شراكات تجارية متجددة. ما نقدمه يتجاوز المنتجات، إنه نمط ثقافي يحتفي بالقطع النفيسة التي تشبه ملامح بيوتنا ومدننا."

تمكين الفنانات والحرفيات من قلب المشروع
التمكين في "طبعة" ليس شعارًا بل ممارسة يومية، تُترجم عبر فرق العمل والتعاونات الفنية التي تجمع بين الأصالة والابتكار. تقول سارة : "في الستوديو الخاص بطبعة نعمل مع فنانات تم تدريبهن ومنحهن مساحة للتعبير. على سبيل المثال، تعاوننا الأخير مع الفنانة فرح آل غالب أطلق مجموعة أواني مستوحاة من جدة، المدينة التي انطلق منها المشروع، واستلهمنا فيها جماليات المدينة وأشعار حمزة شحاتة."
كيف تُختار الشراكات؟
في عالم الحِرف، لا يكفي الإعجاب، فالتعاون يحتاج إلى تناغم في الرؤية وقدرة على الإضافة الفنية والتقنية. توضح سارة لـ"هي": "نختار المجتمعات الحرفية حسب مدى توافقهم مع الرؤية الفنية للمجموعة. نبحث عن الكفاءات التي تحتاج إلى دعم وقادرة على التماهي مع توجهاتنا. كما نرحّب بأي حرفية تتماشى صناعتها مع ما نقدمه، ونبقي باب التعاون مفتوحًا دائمًا."

رحلة التأسيس: بين الشغف والتحديات
كل مشروع يحمل معه تحدياته، خاصة عندما يُولد من شغف فني ويطمح لأن يتحول إلى منظومة مؤسسية، وفي هذا الإطار توضح سارة لـ"هي": "واجهت التحديات المعتادة لأي عمل ناشئ من تخطيط وتصاريح وانضباط. لكن التحدي الأكبر كان ندرة الخدمات التي تتيح إنتاج الحرف بجودة عالية داخل المملكة، ما يضطرنا أحيانًا للتعامل مع معامل أجنبية، فيرتفع بذلك التكاليف. ومع ذلك، نأمل أن تكون كل منتجاتنا سعودية 100٪ في المستقبل."

بين الماضي والحاضر... أصالة تُجدد
ليس من السهل أن تحافظ على أصالة الفكرة بينما تضخ فيها روح التجديد، لكن تجد سارة أن هذا التوازن ممكن بل ضروري. تقول العبدلي: "الأمر منطقي لمن يتأمل الماضي ليستلهم منه أدوات تعبير عن الحاضر. التقنيات الحديثة والانفتاح على الثقافات الأخرى توفر مساحة جميلة لحوار متناغم بين الماضي والحاضر في التصاميم."
في نهاية المطاف، تحمل "طبعة" رسالة تتجاوز الجمال، لتمس جوهر الهوية والثقافة، ولتجعل الفن وسيلة حب وامتنان. تقول سارة لـ"هي": "أريد من هذا المشروع أن يدعم المرأة العاملة في الفن والحرف، لترتقي وتنافس محليًا وعالميًا. طبعة دعوة للتعمق في ثقافتنا، لنعكسها في تفاصيل حياتنا اليومية، في بيوتنا، وفي الهدايا التي نقدمها لمن نحب."