Dr. Sarah Farhoud عدّاءة، مدربة يوغا، واختصاصية علاج طبيعي وإعادة تأهيل

لماذا نحتاج إلى تنمية الجماعات الرياضية؟

مجلة هي
19 يوليو 2023

شكّلت الرياضة في الآونة الأخيرة مصدر قوة دفع للسعوديين إلى خوض مشاريع تجارية وإبداعية جديدة. وسواء كانت ترفيهية أم ضمن سياق البطولات الكبرى، صارت الرياضة جزءا كبيرا من رؤية 2030. وهو ما يزيد من إمكانية وصول عامة الناس إلى المرافق والجماعات والوظائف في هذا المجال.

أحد مفاتيح الاستدامة في الرياضة يكمن في بناء جماعات متمحورة حول الرياضة. لكن لماذا تعتبر الجماعة مهمّة؟ لأن يوم السباق يوم واحد، يثبت فيه كل عدّاء نفسه وقدراته، لكن التدريب عملية جارية من الأفضل أن ننفذها معا. في عالم الركض، لدينا قول معبّر: إذا أردت أن تذهب بسرعة، فاذهب وحدك، لكن إذا أردت أن تذهب بعيدا، اذهب مع آخرين. وهنا نفهم جوهر مفهوم الجماعة، أي أن الفرد مهم لكن المجموعة هي القوة المحرّكة الحقيقية خلف كل شيء.

قد يصعب إنشاء جماعات رياضية في السعودية بسبب عوامل بيئية وثقافية ولوجستية أحيانا، ولكن بمجرّد بنائها، نلاحظ تأثيرها في حياة كل فرد، وقدرتها على بعث إحساس عائلي. تتغير مثلا موضوعات النقاش بين الحاضرين في حصّة يوغا إلى أسئلة صادقة مهتمة حين يكون أحد التلاميذ مريضا أو غائبا، وهكذا نعرف أن العلاقة تحوّلت من صفقة تجارية بين مزوّد لخدمة وتلميذ في صفّ، إلى جماعة تلتقي وتمارس ما تحبّه. وقد لاحظتُ أن ذلك يكون نتيجة نية حقيقية لإيجاد مساحة صحّية تفتح ذراعيها للجميع، لأن النهج التجاري أو التسويقي في هذا السياق يبدو زائفا، ويكون غير قادر على جعل المشاركين يشعرون بحس الانتماء.

للإنسان حاجة كبيرة إلى الانتماء إلى فريق يشاركه القيم نفسها؛ قد يخالفني بعضكن الرأي، لكنني أنصح كل واحدة بيننا بمحاولة إيجاد مجموعة أو فريق يمارس الرياضة التي تحبّها. فترى كيف أن وجودها بين أشخاص يحبون بكل بساطة ما تحبّه هي، سيعيد ترسيخ القيم الشخصية التي تؤمن بها.

كررتُ كلمة "قيم" مرات عدّة عن قصد، لأن الجماعات الموجّهة بالشكل الصحيح تتمسك بقيمها وقواعدها المبنية على الاحترام. من السهل تأسيس ناد لليوغا أو الركض أو كرة المضرب أو أي رياضة أخرى، لكن من الصعب وضع قواعد سلوك صامتة. للجماعات الرياضية التي تعمل بشكل جيّد، قيادات جيّدة، ويفهم أعضاؤها أن هناك قيما مشتركة معيّنة يؤمنون بها، فيرحّبون بكل من يريد الانضمام، طالبين منه الالتزام بالقواعد الجماعية.

في مجال مثل الرياضة، قد لا نستطيع تجنّب استعمال كلمة "منافسة"، لكن هل المنافسة سيئة؟ تساعدنا المنافسة على توسيع آفاقنا والدفع بحدودنا، وهي مصدر صحّي للإبداع إذا استُعملت بذكاء، وهذا يتطلب قيادة جيدة وواثقة وحكيمة ترشد فريقها، ولا تسمح للمنافسة بأن تكون المحرّك لنشاط المجموعة، بل تحرص على أن يكون حب الرياضة سبب حضور الأعضاء.

هل يمكن بناء الجماعات حول أي رياضة؟ بكل تأكيد، ولِم لا؟ فهدف الجماعة بسيط، وهو أن تكون مجموعة من الناس تلتقي حول شغف مشترك. الجماعة عنصر حيوي في مجال صاعد مثل الرياضة. تلهينا عن رتابة الحياة اليومية العادية، وتفتح لنا نوافذ صغيرة على حياة أصدقائنا وعائلاتنا، وتمنحنا فرصة رد الجميل لوطننا وناسنا.

الجماعات الناجحة في عالم الرياضة هي عموما مجموعات تستقطب فئة صحية وواعية ذاتيا من الأفراد الذين يسعون جاهدين ليكونوا أفضل نسخ من أنفسهم. في الجماعات الرياضية نتعلم التالي: الاحترام، والالتزام، والمسؤولية، والروح الرياضية. في الجماعة، تكونين في مكان تتفاعلين فيه مع أشخاص آتين من مختلف مناحي الحياة، وهو ما يمنحك منظورا جديدا على حياة الآخر.

بناء الجماعات الرياضية في السعودية سيحسّن ثقافة الرياضة، ويعزز التفاعل الحقيقي النادر اليوم بين الناس، أي في الحياة الواقعية، بعيدا عن العالم الرقمي.

أشجّعك على إيجاد نشاط تجيدينه، وإيجاد أشخاص يجيدونه أيضا!

Credits

    Dr. Sarah Farhoud

    عدّاءة، مدربة يوغا، واختصاصية علاج طبيعي وإعادة تأهيل