"John Wick Chapter 4".. كيف أعاد جون ويك اختراع الأكشن من جديد!

فكرة الإنتقام من أشهر ثيمات أفلام الأكشن وأكثرها شعبية بين جمهور هذا النوع، وتزيد جاذبية العمل حينما يكون البطل مجرم تائب تضطره الظروف إلى العودة لعالمه القديم؛ إذ تصنع مهاراته ومعرفته بعالم الجريمة من خطة إنتقامه عملًا شديد الدقة، ومعارك بالغة الصعوبة، مُصممة بإتقان ومثيرة للدهشة والإعجاب.

فيلم "John Wick: Chapter 4 "جون ويك: الفصل الرابع" من إخراج "تشاد ستاهيلسكي"، وهو أخر أجزاء هذه السلسلة المُرشحة لجزء خامس وأعمال تليفزيونية مشتقة.

الجزء الرابع يصنع فصلاً جديداً في حكاية إنتقام "جون ويك" الدموية، ويرسم المزيد من التفاصيل القاتمة حول عالم "جون ويك" المُتداعي، ومُحاولة الإستمرار في معركته وحيدًا في مواجهة جيش من المجرمين، وهي معركة شرسة ومُعقدة وشديدة الدموية والقتامة.

الضرب من أجل الضرب!

ينطلق مُصطلح "الفن من أجل الفن" من فكرة العمل الفني المنزه عن أى أهداف تُجارية أو تسلية سطحية، وهو لا يضع في إعتباراته أي حواجز أو موانع تقف أمام إنطلاقه في عالم الإبداع الخالص، ويُمكن أن نقول عن أفلام "جون ويك" أنها أفلام الضرب من أجل الضرب؛ فهي تتعالى على أية عناصر درامية تعوق هذا الهدف، وهي تصنع من معارك البطل العنيفة عملاً بصرياً مثيراً، ومباراة مليئة بالتحديات المُستحيلة.

فيلم "جون ويك: الفصل الرابع" من إخراج "تشاد ستاهيلسكي" حلقة جديدة من حلقات معارك جون ويك ومجموعة من العصابات المنظمة السرية التي تعمل تحت الأرض، وقد تسببت فوضاه وتمرده في الأجزاء السابقة في أن يكون هو نفسه هدفًا للقتلة من كل أنحاء العالم بعد أن تم وضع مكافأة سخية على من يأتي برأسه، وتزداد قيمة المكافأة مع إزدياد صعوبة الخلاص منه.

لا يُمكن مشاهدة فيلم  "جون ويك: الفصل الرابع" كأي فيلم أكشن عابر؛ فقد رفع سقف التحدي لسينما النوع بتصميمه مشاهد مُبتكرة للحركة، ستؤثر على أفكار وتصميمات أفلام الأكشن اللاحقة.

مثل اى فيلم يعتمد على القتال البدني يتصدى "جون ويك" لأعدائه مٌستعينًا بقوته البدنية ومهاراته في فنون القتال، ولكنه يتجاوز الشكل التقليدي لمشهد رجل يُنازل مجموعة محدودة من الأشرار؛ فنراه غالباً يتصدي لعدد كبير من القتلة في ذات الوقت، ويقضي عليهم أو يشل حركتهم بسرعة فائقة، ويبدو الأمر بعيد عن المنطق تماماً، ولكن ما يفعله المخرج ومصمم المعارك بمهاراة هو إقناع المشاهد أن ما يراه خارج المنطق هو أمر منطقي تماماً بمقاييس ومعايير عالم "جون ويك".

جون ويك ليس بطلاً خارقاً بمعايير أفلام السوبر هيرو؛ هو مجرد رجل يجيد الفنون القتالية وإستعمال العديد من الأسلحة، ولديه قدرة على مواجهة عدد كبير من الأعداء والتعامل معهم بسرعة وكفاءة؛ ولهذا تبدو مشاهد الحركة التي يُقدمها خارقة على الرغم من أنها لا تتضمن شىء خارق سوى بدلته المُقاومة للرصاص ، وقدرته الفائقة على تفادي الطعنات والضربات المُميتة، والكثير الكثير من الحظ.

لماذا نُعجب بالقاتل؟

تنضم شخصية جون ويك إلى طابور من الشخصيات التي تمتلك قدرات نادرة على القتال في ظروف صعبة؛ فهو يسير على خطى "رامبو" مثلًا، دون أن تكون له قضية عادلة مثل قضية الجندي البطل العائد من الحرب ليواجه الإهمال والبطالة والنُكران، فقضية "جون ويك" شخصية للغاية، فقد فقد زوجته وقُتل كلبه وضاعفت أحزانه من غضبه، وتسبب إستفزازه في أربعة أفلام من القتل والعنف جعلته مُطارداً من كبار القتلة، محكوماً عليه بالإعدام.

من أهم أسباب التعاطف مع "جون ويك" رغم أنه ليس شخصية مثالية مأساة فُقدانه زوجته الحبيبة، وإستفزازه بقتل كلبه الذي كان يؤنس وحدته بدم بارد، هو شخص وحيد وحزين ويعيش مُنعزلاً ولا يُؤذي أحد، وهذا يدفع المُشاهد إلى التعاطف معه، والوقوف في صفه رغم ماضيه الإجرامي وشخصيته المُعقدة المُتناقضة، وهو أيضًا شخص مُلهِم بعزيمته وقدرته على الكفاح في ظل ظروف صعبة ومُعقدة وتكاد تكون مُستحيلة، وهو يمتلك مهارات قتالية إستثنائية مُذهلة وأداء حركي مُبهر، ويمتلك عقلية فذة وقدرة على إستخدام مهاراته بصورة مُبتكرة تثير إعجاب المُتفرج وتجذبه لمتابعة معركه دون شعور بملل.

في الجزء الرابع يبرز دور عدد من الشخصيات المؤثرة في حكاية "جون ويك"، مثل صديقه القديم "وينستون-إيان ماشان"، مدير فندق كونتينتال نيويورك، الملاذ الآمن للقتلة المحترفين، والذي يجد في قيادة "الماركيز- بيل سكارسجارد" لأزمة "جون ويك" حماقة وتهور لا تتناسب مع منصبه كعضو هام وجديد للعالم السفلي، و"شيمازو-هيروكي سانادا" مدير فندق أوزاكا كونتينتال، الذي يغامر بحياته ونفوذه لحماية "جون ويك" حينما لجأ إليه، و"كين-دوني ين" القاتل المُحترف الأعمى، وصديق ويك سابقاً، والذي تم إجباره على المشاركة في ماراثون قتل ويك، بعد تهديده بقتل إبنته لو رفض، وظل مُشتتًا بين تعاطفه مع صديقه وخوفه على حياة إبنته.

شكلت تلك العلاقات المتناقضة "جون ويك" على التصدي لمطاردة عصابات العالم السفلي والقتلة المأجورين، وسهلت له فكرة مبارزة الماركيز لإلغاء جائزة قتله.

مشاهد الحركة!

هذه الشخصية المُتمردة تدفع المُتفرج إلى التعاطف معه ومع قضيته، ويأتي ذلك في سياق اللعبة داخل الفيلم؛ فرغم أن العمل بالكامل يتعامل بجدية وواقعية مع المعارك مشاهد الحركة، ولكنه يُقدم واقعًا موازيًا لصراعات المافيا ومواجهاتهم المُسلحة شديدة الشراسة، ويمكن تصور تلك المواجهات العنيفة في الأماكن المُغلقة مثل فندق أوساكا الياباني أو فندق كونتينتال النيويوركي، ولكن الفيلم يُقدم واحد من أهم مشاهد الحركة وسط شوارع باريس المُزدحمة، ورغم كل المُبالغات تبدو تلك المعارك المُصممة بإتقان شديد ممكنة ومنطقية في سياق العالم الموازي لحكاية "جون ويك".

من المشاهد الأيقونية في الفيلم مشهد القتال في المبنى المهجور، وساهمت الإضاءة وزوايا التصوير العمودية والموسيقى في رسم الأجواء العنيفة والقاتمة لواحدة من المعارك الصعبة في رحلة "جون ويك" البقاء على قيد الحياة، وإستمرارًا لأجواء النيو-نوار نرى مشاهد مطاردات باريس الليلية، وهو مشاهد ساهم فيها المونتاج السريع واللقطات المُتلاحقة، وإستخدام أضواء الشوارع الليلية وكشافات السيارات في تصوير المعركة بين ويك وعشرات القتلة كأنها معركة حربية بين جيش وبطل أُسطوري لا يجد من يُساعده على إتمام رحلة وصوله إلى ساحة المبارزة النهاية أمام كنيسة الساكري كور في مونمارتر، وبدت رحلة "جون ويك" المستحيلة للصعود على سلم قصير يؤدي إلى مكان المبارزة الأخيرة كأنها رحلة البطل الأسطوري "سيزيف"، الذي ظل يحمل صخرة إلى أعلى الجبل لتنزلق قبل قمة الجبل، ويهبط ليُعيد الكرة من جديد، فقد تكالب عليه العشرات لقتاله ودفعه للأسفل، وكلما تخلص منهم يظهر المزيد.

صنع "جون ويك" نوعية مُبتكرة من سينما الحركة، وتواصل في كل جزء من السلسلة الفيلمية في رفع سقف تصميم المعارك، ويمكن أن نقول أنه في الجزء الأخير أعاد صياغة الأكشن، أو أعاد إختراعه من جديد، ومنح هذا النوع السينما تفاصيل تجعل من مشاهدته ممتعة ومُسلية.

الصور من حساب الفيلم على تويتر