فيلم "بيت الروبي".. عمل حائر بين الكوميديا والميلودراما والمعالجات الخفيفة لقضايا مهمة!
فيلم "بيت الروبي" أحد أبرز أفلام موسم عيد الأضحى حسب شباك التذاكر، وقد إعتمد في دعايته والتريلر الخاص به على أنه فيلم كوميدي خفيف، وهي لقطات مُنتقاة بعناية، لكنها لا تُعبر عن حالة الفيلم إجمالًا. الفيلم من إخراج "بيتر ميمي" وإنتاج "تامر مرسي"، وبطولة "كريم عبد العزيز" و"كريم محمود عبد العزيز" و"نور" و"تارا عماد"، وعدد من الممثلين الذين شاركوا بأدوار صغيرة مرحة.
على حافة الكوميديا!
الفيلم مُصنف على أنه من أفلام موسم عيد الأضحى، وأفلام الأعياد لا تخرج من حيث النوع عن الكوميديا أو الأكشن، و"بيت الروبي" بعيد تمامًا عن أجواء الأكشن، ولكن لا يُمكن تصنيفه على أنه كوميديا أيضًا.
هُناك عدة عناصر في صالح فيلم "بيت الروبي"؛ أهمها الكاريزما بين الثنائي "كريم عبد العزيز" و"كريم محمود عبد العزيز"، وهي واضحة بشكل كبير في مشاهدهما معًا، وقد رسم السيناريو شخصيتيهما بتفاصيل تجمع بين التناغم والتناقض؛ فشخصية إيهاب "كريم محمود عبد العزيز" تلقائية ومرحة وودودة في حين تميل شخصية شقيقه الأكبر إبراهيم "كريم عبد العزيز إلى التحفظ والإنغلاق والسخرية المريرة من مُجتمع المدينة بصخبه وقسوة ناسه.
يبدأ الفيلم بإستعراض الحياة اليومية لعائلة إبراهيم الروبي؛ وهي مكونة من أب في منتصف العمر، لديه إبن مراهق وطفلة صغيرة، يعيش بصحبة زوجته إيمان "نور"، ونعرف لاحقًا أن الأب كان أستاذ جامعي، والأم كانت طبيبة، وكلاهما هجر وظيفته في القاهرة، وإنتقلت العائلة إلى منزل منعزل ومهجور خارج القاهرة، وتعيش عائلة إبراهيم الروبي في عزلة عن مجتمع المدينة مُنذ سنوات، في بيتهم الصغير المُطل على البحر. لا يكشف سيناريو "محمد الدباح" و"ريم القماش" سر هذه العُزلة الطوعية للأسرة إلا في مرحلة مُتقدمة من الفيلم.
تتحرك الأحداث إلى الأمام حينما يزور إيهاب وزوجته الحامل المهووسة بالسوشيال ميديا بهيرة "تارا عماد" أسرة شقيقه إبراهيم لأمر يتعلق بإنهاء إجراءات أوراق وراثة محل تصفيف شعر يمتلكه إيهاب، وينتقل السيناريو إلى خيط درامي جديد يتعلق بقدرة إبراهيم وأسرته على التعامل مع أجواء القاهرة الصاخبة بعد سنوات من الإنعزال الإختياري.
من العُزلة إلى المدينة !
التناقض بين حياة العزلة الهادئة لعائلة إبراهيم الروبي والمدينة بضجيجها وصراعاتها يصنع مواقف يتم إستغلالها كوميديًا، وهذا هدف واضح من بداية الفيلم، ولكنه يتناقض مع الفصول التالية للقصة، وهى أكثر ميلًا للميلودراما الفاقعة، وبشكل عام لم تكن مشاهد الزحام في الشوارع وأماكن المصالح الحكومية جديدة أو مبتكرة، وسبق تناولتها عدة أفلام بكوميديا سوداء؛ منها فيلم "عسل أسود" بطولة أحمد حلمي، و"هنا القاهرة" بطولة "محمد صبحي"، وهو مأخوذ عن الفيلم الأمريكي The Out-of-Townersإنتاج عام 1970، وكل هذه الأفلام تناولت بشكل ساخر المواقف التي تُصادف إنتقال شخص من عالمه المحدود الهاديء لعالم المدينة الصاخب.
الثلث الأول الكوميدي هو الأفضل لإستغلاله صور التناقض الذي تعيشه عائلة إبراهيم الروبي بعد الإنتقال المفاجيء إلى القاهرة، وكان يُمكن للكتابة أن تستغل هذه الأجواء لكتابة مواقف أكثر أصالة من مواقف الشجار بسبب زحام السيارات وأصوات الأبواق العالية أو طوابير المصالح الحكومية. إنتقال إبراهيم إلى القاهرة حدث بسهولة، ولم يُفكر مثلًا في الهروب من المهمة الثقيلة بعمل توكيل رسمي لشقيقه لإنهاء الإجراءات الرسمية الخاصة بالمحل.
الخيوط الدرامية للفيلم جيدة بشكل عام، وهى تستعرض تطور الشخصيات وتأثرها بما يحدث حولها في المدينة، وتتشابك الأحداث مع خط درامي جديد يتعلق بتأثير السوشيال ميديا السلبي، وخط درامي أخر يكشف الاسباب الحقيقية لهروب الأسرة وعيشها في مكان ناء بعيدًا عن المدينة، ولكن عيب الكتابة هى تناولها تلك الخيوط الدرامية القوية من خلال تفاصيل نمطية وأحيانًا سطحية وتصل حد المبالغة مع مشاهد نهاية الفيلم وخاصة التعليق الصوتي الذي يختتم الفيلم بصوت إبراهيم الروبي مُرددًا رسالة الفيلم بصورة مُباشرة وساذجة.
قضايا ورسائل وميلودراما!
تصوير عالم السوشيال ميديا والمؤثرين على أنه شر مُطلق بلا أخلاق تم تقديمه بكتابة مُختزلة وانطباعية، وبدون تحليل يُثري القضية دراميًا؛ فمثلًا شخصية الإنفلونسرز نانسي "سارة عبد الرحمن" - رغم أهميتها - مرسومة بإرتجال وبشكل أُحادي، تتعامل مع كل شىء على أنه مُجرد مادة للتريند، وما قاله السيناريو عن تأثير السوشيال ميديا السلبي مجرد أحكام مُطلقة يرددها البعض بإستسهال وبدون أي رؤية خاصة تمنح الفكرة بعدًا جديدًا.
كان يُمكن قبول هذه المُعالجة النمطية الكسولة لو كان الفيلم مُجرد كوميديا للمزاح والإفيهات الكاريكاتورية، ولكن السيناريو قرر التنازل عن الحالة الكوميدية من أجل هدف ورسالة أراد التركيز عليها بدون شوشرة الإفيهات والنكات، ورغم كم الميلودراما ومبالغات المواقف الميلودرامية، والتمثيل والبكاء تحت الأمطار الغزيرة لم تظهر الرسالة الحقيقية لقصة الفيلم بشكل جيد، بل لجأ إبراهيم وإيهاب لمشاجرات الشوارع كوسيلة للرد على عدائية الناس وتدخلهم في شؤونهم، ولجأ السيناريو للتحيز المُتعصب ضد السوشيال ميديا ومن يتعامل معها.
شخصية إبراهيم الروبي رغم رزانتها على السطح إلا أنها لم تكن شخصية مُلهمة أو مؤثرة أو تُجيد المواجهة، وردود فعله خائبة ومُستهجنة، ولكنها مقبولة على الشاشة لأنها تصدر عن ممثل محبوب ولديه قبول جماهيري، ويستطيع بإيفيه مرح تبرير ما فعله.
هُناك عناصر عديدة تدفع الجمهور للتجاوز عن عيوب أى فيلم، بعضها يتعلق بالإعجاب بنجوم العمل، ورصيدهم الإيجابي لدى المتفرج، وبعضها يتعلق بالرسالة التي تتصدر العمل وتمنحه قيمة رغم ركاكته، وهناك سبب أخير يتعلق بأجواء المناسبات المُبهجة والأعياد التي تُواكب عرض العمل، وبعض هذه العناصر ينطبق على فيلم "بيت الروبي".
الفيلم وعدنا في بدايته بكوميديا خفيفة تلائم أجواء العيد، وتسلح بخفة ظل "كريم عبد العزيز" و"كريم محمود عبد العزيز" وعدد من ضيوف الشرف، ولكنه تحول إلى مُيلودراما متواضعة ورسائل ساذجة عن أخطار السوشيال ميديا، وهى رسائل تُحترم كعناوين عامة عن مخاطر حقيقية لتأثيرات التقنية الحديثة، ولكنها لم تنصهر دخل البناء الفني لفيلم سينمائي له لغته الخاصة، ووسائله في توصيل معانيه.