من هي الملكة الإنجليزية التي دفنت في منطقة نائية في فرنسا
عندما تودع الدول ملوكها أو ملكاتها أو حتى أمرائها وأميراتها فإن هذا لا يتضمن إقامة جنازة عادية كما هو الحال بالنسبة للملايين الآخرين حول العالم، وإنما عادة ما يتضمن ذلك إقامة جنازات رسمية ضخمة، في أكبر وأشهر دور العبادة الملكية في البلادة، بالإضافة إلى موكب جنائزي ضخمة، وحداد ملكي يتضمن عدد من الطقوس الخاصة، كما عادة ما يدفن الملوك والملكات في مقابر ملكية مميزة وليس في مقابر عادية، كما حدث عند وفاة الملكة الراحلة إليزابيث الثانية Queen Elizabeth II والتي توفيت في سبتمبر الماضي في قلعة بالمورال (لينتهي بذلك عهدها الطويل الذي امتد لسبعين عام)، فبعد وفاة الملكة إليزابيث الثانية، تم نقل جثمانها من بالمورال إلى إدنبرة ومنها إلى بريطانيا، بمراسم جنائزية خاصة وموكب ملكي، وبعد أيام من الحداد الوطني على الملكة، أقيمت جنازة رسمية ضخمة للملكة في كاتدرائية وستمنستر في العاصمة البريطانية قبل أن ينقل جثمان الملكة إلى وندسور حيث أقيمت جنازة عائلية خاصة للملكة في قلعة وندسور قبل أن تدفن الملكة في المقبرة الملكية في القبو الملكي في القلعة بجوار والديها (الملك جورج السادس George VI، والملكة إليزابيث والتي عرفت لاحقا بالملكة الأم) وزوجها الأمير فيليب Prince Philip, Duke of Edinburgh، وشقيقتها الصغرى الأميرة مارغريت Princess Margaret, Countess of Snowdon.
ملوك بريطانيا الذين دفنوا في منطقة نائية في فرنسا
القبو الملكي ليس المقبرة الملكية الوحيدة التي كانت المرقد الأخير لملوك وملكات بريطانيين، فهناك أيضا كاتدرائية وستمنستر والتي دفن فيها إدوارد المعترف Edward the Confessor، هنري الثالث Henry III، كما كانت أيضا المكان التي دفن مجموعة من ملوك عائلة بلانتاجينت Plantagenet الملكية الحاكمة، بما في ذلك إدوارد الأول Edward I، وقد تعتقد أن جميع ملوك وملكات بريطانيا العظمى مدفونون في مقابر ملكية أو على الأقل في مكان ما في بريطانيا، ولكن الحقيقة أن اثنين من ملوك بريطانيا وملكة قرينة لأحدهم، دفنوا في منطقة نائية في فرنسا وتحديدا في الدير الملكي للقديسة فونتيفرود Royal Abbey of Our Lady of Fontevraud في بلدة أنجو الصغيرة في منطقة أوفيرني-رون ألب في جنوب شرق فرنسا، وهم الملك هنري الثاني Henry II وزوجته إليانور من آكيتاين Eleanor of Aquitaine وابنهما الملك ريتشارد الأول Richard I.
لهذا السبب دفن اثنان من ملوك بريطانيا وملكة قرينة في فرنسا
إذا ما السبب الذي جعل اثنين من ملوك بريطانيا وملكة قرينة يدفنون في فرنسا بدلا من بريطانيا، السبب ببساطة أنهم توفوا في عصر الإمبراطورية الأنجوية Angevin Empire ووقتها كانت إنجلترا تحكم جزء كبيرا من فرنسا الغربية، وإن كانت هذه الإمبراطورية قد بدأت تنهار بشكل كبير في عهد الملك جون King John وهو الابن الأصغر للملك هنري الثالث وإليانور من آكيتاين.
أما عن المكان الذي دفن فيه هنري الثالث وإليانور من آكيتاين وابنهما الأصغر ريتشارد الأول، وهو الدير الملكي للقديسة فونتيفرود، فهو دير تاريخي عريق، يعود تاريخ بنائه إلى بداية القرن الثاني عشر، وكان دير غير عادي في ذلك الوقت حيث تم تأسيسه كدير مزدوج، مع أماكن منفصلة للرهبان والراهبات تحت قيادة رئيسة واحدة، جدير بالذكر أنه هناك بعض الأديرة الأخرى في فرنسا مثل دير شيل في شمال باريس، بدأ كأديرة منفردة، قبل أن تتحول لاحقا إلى أديرة مزدوجة بعد أن أصبحت أكثر شهرة، في ذلك الوقت كانت كانت الأديرة مراكز عظيمة ومرموقة للتعليم الديني والعام، وأنتجت معظم المخطوطات المسيحية التاريخية الشهيرة التي نراها اليوم.
وفقا للمؤرخين فلقد تم تشكيل نظام الرهبنة في الدير الملكي للقديسة فونتيفرود على يد روبرت من أربريسيل Robert of Arbrisell، على غرار نظام الرهبنة البندكتية الشهير، وحصل على مباركة بابوية من البابا باسكال الثاني Pope Pascal II في عام 1106، وفي وقت وفاة روبرت في عام 1117، كان الدير يضم حوالي 3000 راهبة.
قصة دفن هنري الثالث وإليانور من آكيتاين وابنهما الأصغر ريتشارد الأول في الدير الملكي للقديسة فونتيفرود
سبب دفن هنري الثاني في الدير الملكي للقديسة فونتيفرود هو أنه كان وقت وفاته في بلدة أنجو وهي موطن واحد من أكثر مقرات الإقامة الملكية المفضل لديه، وهو قلعة شينون Chinon Castle والتي تقع على مسافة قريبة من الدير الملكي للقديسة فونتيفرود، وتوفي هنري الثاني في قلعة شينون عام 1189، أما أرملته إليانور والتي أصبحت بعد وفاته تحمل لقب الملكة الأرملة، فقامت بمعاونة ابنها ريتشارد في الحكم بعد وفاة والده، بل وحكمت البلاد أيضا أثناء غيابه في الحملة الصليبية الثالثة، جدير بالذكر أن ريتشارد قضى معظم فترة حكمه بعيدا عن إنجلترا قبل وفاته في فرنسا عام 1199 بين ذراعي والدته، ودفن بالقرب بجانب والده الدير.
إليانور واصلت بعدها مساعدة ابنها الأصغر، الملك جون في حكم البلاد لبعض الوقت، ولكن بحلول ذلك الوقت كانت في أواخر السبعينيات من عمرها، وكانت أكبر سنا من أن تتمكن من معاونة ابنها الأصغر في الحكم، لذلك قامت بعض فترة باعتزال الحياة الملكية، والتركيز على العبادة، وأمضت معظم وقتها في فرنسا كراهبة في الدير الملكي للقديسة فونتيفرود وتوفيت عام 1204 ودفنت في الدير بجانب زوجها وابنهما.
استمر الدير الملكي للقديسة فونتيفرود في العمل، ولكن أصبح أكثر فقرا وأقل قوة بعد زوال حكم ونفوذ عائلة بلانتاجنيت الملكية الحاكمة، وازداد الأمر سوء بالنسبة للدير بعد اكتسحت الثورة الإصلاحية الأديرة في إنجلترا في عهد هنري الثامن، والأديرة في فرنسا، ربما بسبب ارتباطها بالطبقة الأرستقراطية واتهامها بالفساد، وفي حوالي عام 1804، في عهد نابليون بونابرت Napoleon، تم تحويل الدير إلى سجن، واستمر ذلك حتى خلال الحرب العالمية الثانية حيث تم احتجاز مقاتلي المقاومة الفرنسية هناك قبل إعدامهم من قبل حكومة فيشي Vichy، ولكن في عام 1963 تم إغلاق السجن وتسليمه إلى وزارة الثقافة الفرنسية وأصبح حاليا مركز ثقافي رئيسي وأحد مواقع التراث العالمي لليونسكو.