خاص "هي" مهرجان كان 2024.. فيلم "ميجالوبوليس" دراما عن المستقبل تأتي من الماضي
لا جدال في أن وجود فيلم جديد لفرانسيس فورد كوبولا هو أمر يستحق الاحتفاء في حد ذاته، فإذا أضفنا إلى ذلك أنه مشروع استمر كوبولا يحلم بتنفيذه لمدة عشرين عامًا، ثم أنفق من أمواله الخاصة حوالي 100 مليون دولار ليصل إلى النتيجة المُرضية بالنسبة له، فإن هذا يضاعف عدة مرات من حالة الترقب.
مع عرض الفيلم للمرة الأولى ضمن مسابقة مهرجان كان السينمائي في دورته السابعة والسبعين، حصل انقسام ضخم، بين يرونه تحفة فنية، يطرح الكثير من الأفكار بشكل غير مسبوق، ومن يرونه فيلمًا شديد الضعف يقول الكثير من الأشياء بشكل غير مطلوب.
تدور أحداث الفيلم في المستقبل، حيث نتابع ما كانت في السابق مدينة نيويوك، ولكن في ثوبها الجديد، تحت مسمى روما. وفي هذه "الروما" المستحدثة نتابع العديد من الشخصيات بين يسعى دون وعي لصناعة مصير مشابه للمدنية القديمة، ومن يرى المستقبل المظلم المحيق بمدينته ويسعى لصناعة مستقبل أفضل.
لا شك أن القصة تبدو مثيرة، وتسمح بالكثير جدًا من التصورات والتأويلات، خاصة عندما ننظر إلى الواقع الحالي المحيط بنا والذي يشهد إعادة نظر في معنى الحضارة والتحضر، ومفهوم الدول الكبيرة. روما القديمة ربما كانت واحدة من أبرز الحضارات القديمة، وأشهرها أيضًا عندما نتحدث عن زوال القوى الكبرى. لا يتوقف كوبولا فقط عند استعارة اسم المدينة، ولكنه أيضًا يستمد أسماء شخصياته من هذا التاريخ، فلدينا سيزر (آدم درايفر) المهندس الألمعي الحاصل على نوبل ويسعى لصناعة مدينة ميجالوبوليس، المدينة المثالية التي توفر الحياة الأفضل لكل سكان روما، ولدينا العمدة سيسيرو (جيانكارلو إسباسيتو) الذي يمثل السلطة السياسية التي لا ترغب في التغيير لأسباب شخصية، إذ يخشى من سيطرة أثرى أثرياء المدينة هاملتون كراسوس (جون فويت) عم سيزر في حالة إقامة هذه المدينة.
قد يبدو هذا الوصف للشخصيات (العالِم والثري والسياسي) وصفًا تبسيطيًا لكتابة المقال، ولكن في حقيقة الأمر هذه هي حقيقة الأمور داخل الفيلم، ليس لدينا الكثير من الأمور المتروكة للخيال، كل الشخصيات واضحة جدًا بلا جدال حتى إنه من السهل انتزاع أسمائها وتلقيبها بوصفها مباشرة. وهذه واحدة من أكبر مشكلات هذا الفيلم، أنه لا يترك لنا أية مساحة للخيال على الإطلاق، ليس فقط على هذا المستوى ولكن هناك أيضًا الحوار.
بجانب الإشارة الواضحة لروما القديمة، يستعير الفيلم الكثير جدًا من مسرحيات شكسبير، وأيضًا بشكل شديد الوضوح، فهو يقتبس مباشرة من بعض المسرحيات مثل "هاملت"، ويشير إلى مسرحيات أخرى بشكل واضح أيضًا مثل "روميو وجولييت" في قصة الحب التي تجمع سيزر بابنة العمدة جوليا (ناتالي إيمانويل)، وهو ما يرفضه والدها بالطبع. تنعكس الاقتباسات على الحوار بالتأكيد فتجعله مرة أخرى شديد المباشرة والوضوح في الكثير من الأحيان، ولا يدع لخيالنا الكثير من التأويلات أو الأفكار غير ما يطرحه.
لا يكتفي كوبولا بهذه الاقتباسات والإشارات المسرحية، بل يحول الأداء أيضًا إلى المسرحية الشديدة، والتي قد نظن في البداية أنها خطأ ما أو إخفاق من أحد الممثلين قبل أن نجد أن الجميع يشتركون في طريقة بها مبالغة واضحة في الأداء، بشكل مقصود، ولكنه غير مريح، ولا نعني بهذا مشاهد محددة بل كل مدة الفيلم.
هذه التركيبة التي أشرنا لها، عندما نضيف إليها الرؤية المستقبلية التي تعتمد على غرافيك متواضع التنفيذ، إنما تشعرنا أننا عدنا بالزمن، وشاهدنا كل أو بعض من هذه الأمور في أفلام أخرى، وربما بشكل أفضل من ذلك. فالاقتباس من شكسبير لا يتوقف، ولكنه يمكن أن يكون بطريقة أفضل، وتقديم شخصية الرجل المهووس بفكرة ما أيضًا ظهرت في أفلام كثيرة أخرى ولكنها كانت تحمل عمقًا أكبر، وكان هذا الهوس يُترجم بصريًا بشكل أكثر قابلية لإثارة الإعجاب وأكثر قدرة على الإدهاش، وليس في صورة مدينة تعتمد على الكثير من الألوان الصفراء. إذا توقفنا عند "Apocalypse Now"، أحد أشهر أفلام كوبولا، والذي عرض أيضًا في كان وحصل على السعفة الذهبية عام 1979، فإننا سنجد أنه يقدم بعض هذه الأفكار بصورة مختلفة قادرة على البقاء وقابلة لإعادة الاكتشاف حتى يومنا هذا.
رغم كل ما سبق لا يسعنا القول إلا أن الفيلم لا يخلو من تسلية تجبر المشاهد على إكماله للنهاية وربما يجده بعض المشاهدين مثيرًا للتفكير والتأمل. في بداية الفيلم نشاهد سيزر يفرقع بإصبعيه ليوقف الزمن، ولكن هناك فارق كبير بين إيقاف الزمن لصناعة فارق ما، وإيقاف الزمن دون القدرة على اللحاق به بعد ذلك.
الصور من حساب الفيلم وفرانسيس فورد كوبولا على انستجرام.