سدين الياس لـ "هي": السعودية لديها أغنى الأصوات والألحان وهذه تفاصيل تخصصي في "علم الموسيقى التصويري"
علم الموسيقى الفلسفي من العلوم النادرة جدا، إذ أصبحت اليوم حلما للكثير من المبتعثين السعوديين الذين يسعون لدراستها والتخصص فيها ليقدموا منظورا ورؤية جديدة عن الموسيقى للمجتمع، ومنهم سدين الياس طالبة الدكتوراه السعودية التي تدرس تخصصا نادرا من نوعه "علم الموسيقى التصويري.. موسيقى أفلام ديزني" Film Musicology, storytelling in Disney’s film music في جامعة Hull في بريطانيا، والذي يعنى بالتحليل والبحث العلمي في علم الموسيقى التصويري.
تعود علاقة سدين وشغفها العالي بالموسيقى إلى طفولتها المفعمة بالأجواء الموسيقية، كيف لا وهي تنحدر من عائلة متعددة المواهب الموسيقية، فآلة البيانو قطعة أساسية في منزلها، ووالدها موسيقي وعازف بيانو، وجدها شاعر وأديب وممثل، وقد سعى والداها جادّين لتنمية حبها للموسيقى منذ نعومة أظفارها بتشجيعها على العزف ومصاحبة والدها على البيانو.
عزفت سدين أول مقطوعة موسيقية عربية "أعطني الناي وغني" للسيدة فيروز، في الرابعة من عمرها، دون تدريب مسبق، ووسط دهشة الجميع. وكانت هذه المقطوعة الشرارة التي نبهت العائلة إلى المستقبل الموسيقي الذي ينتظر ابنتهم، وبدأ المخطط الجاد لرعاية موهبتها.
وأسهمت دراسة سدين في عمر مبكرة بمرحلة التعليم العام في بريطانيا في تعزيز موهبتها في التأليف الموسيقي، وعلى الرغم من تمردها على اتباع قوانين مدرّسي الموسيقى لها في التعلم الموسيقى، أرادت أن تتعلم وتتقن أصول الموسيقى بطريقتها وقوانينها الخاصة. واليوم بدأ تحقيق جزء من حلم أكبر لها، وهو التخصص في دراسة علوم موسيقى ديزني التصويرية، لتكون أول سعودية في هذا التخصص.
"الموسيقى هي اللغة الوحيدة التي يمكنك فهمها بشكل طبيعي دون أي سياق، أنت بحاجة فقط إلى الشعور بها"، هذا ما تؤكده سدين الياس.. مجلة "هي" التقتها في لندن، وكان لنا معها هذا الحوار المشوّق من القلب.
تدرسين تخصصا نادرا في علم الموسيقى التصويري، موسيقى أفلام ديزني، أخبرينا عن تجربتك الأكاديمية في بريطانيا.
كان حلمي منذ الطفولة أن أؤلف موسيقى لأفلام ديزني، وأنا الآن أحضر الدكتوراه في هذا المجال، وبعونه، تعالى، سأصل إلى ما كنت أحلم به. أنا محظوظة جدا حيث حصلت على تبنٍّ علمي من بروفيسورة عالمة في دراسات ديزني، وتعتبر مرجعا علميا بأبحاثها وكتبها وحصيلتها المعرفية. وبناء على كلامها، أنا لست فقط أول سعودية، بل أول شخص
يبحث في هذا المجال. لقد أخذت الهيئة التعليمية في جامعتي بعين الاعتبار أبحاثي وموهبتي الموسيقية وشغفي بأفلام ديزني، وكلفتني بتحضير وطرح وتدريس هذه المادة.
انتقلت من مرحلة البكالوريوس إلى الدكتوراه مباشرة، حدثينا عن هذه الخطوة، وهل هي حصيلة التفوق؟
بالتأكيد هي حصيلة التفوق، في العادة، وكما هو متعارف، الانتقال من مرحلة البكالوريوس إلى الدكتوراه يكون بعد الحصول على الماجستير. إلا أن أهمية وتفوق أطروحتي في علم الموسيقى التصويري جعلت مرشدي الجامعي وزملاءه يرشحونني للدكتوراه مباشرة.. "هذه أكثر أطروحة مدروسة ومنقحة أشاهدها في حياتي"، بهذه الكلمات علق بعض المدققين. وقد منحت عليها أعلى الدرجات الممكنة في هذا المجال.
تجمعين بين عزف البيانو والتأليف الموسيقي، إضافة إلى الجانب الأكاديمي، كيف تنسقين بينهما؟
حبي لعزف البيانو وعشقي للموسيقى قاداني للانخراط في التأليف الموسيقي. ولكن دراستي في حقل الموسيقى التصويرية، وسّعت من آفاقي في عالم الموسيقى، بدءا من الأفلام الصامتة إلى يومنا هذا، وهذا بدوره أثَّر في مؤلفاتي الموسيقية. وعلى الرغم من أن العزف والتأليف الموسيقي ليسا جزءا من دراستي الأكاديمية البحتة، فإنهما أسهما جدا في التوفيق والتنسيق بين دراستي الأكاديمية وهوايتي المفضلة. أنا محظوظة جدا بإشراف أفضل الأساتذة المتخصصين في علم الموسيقى على دراستي الأكاديمية، كالدكتورة إيمي ديڤيس، وهي مؤرخة لسينما هوليوود مختصة في الرسوم المتحركة، والدكتور أليكس بنز العالم الموسيقي المختص في السينما التصويرية. أما المشرف على دراستي الموسيقية العملية "عزف البيانو والتأليف الموسيقي"، فهو قائد الأوركسترا البروفيسور جوليان سيڤوري.
كيف تصفين الفن والعلوم الموسيقية في السعودية اليوم؟ وهل يسهم تخصصك في إثرائه؟
على الرغم من التطور الهائل في مجال الفن والعلوم الموسيقية في السعودية اليوم، مقارنة مع سنين مضت، لا يزال هنالك هوّة أو فجوة واسعة يجب ملؤها، وآمل أن تكون دراستي وتخصصي واحدا من عوامل إثراء تفَهُّم وتقدير دور الموسيقى في موكب التطور الاجتماعي السائر إلى الأمام.
كيف تجدين المرأة السعودية اليوم وقد أصبحت لها بصمة مميزة في كل الميادين؟
أنا فخورة بالتقدم والتطور والتقدير الذي حصلت عليه المرأة السعودية اليوم في كل المجالات التربوية والعلمية. فهي لم تعد مجرد سيدة منزل على الرغم من أهمية ذلك، بل صارت شريكا مماثلا في كل الميادين وبجدارة.
ما أبرز التحديات التي واجهتها في دراسة هذا التخصص؟
انعدام الدراسات والبحوث عن هذا التخصص سابقا من أهم التحديات التي واجهتني في أبحاثي، وكل ما هنالك على الرغم من شحّه هو تاريخي وتعدادي فقط. وبذلك كنت كمن يشق طريقا في غابة للمرة الأولى. ونظرا لأن معظم الدراسات السابقة كانت تصب في علم الموسيقى التصويري بوجه عام، كنت الوحيدة التي تسير عكس التيار السائد.
ألّفت فصلا في كتاب أكاديمي With a smile and a song: Snow White and the Seven Dwarfs as the first integrated musical، أخبرينا عنه.
كانت كتابتي عن السينمائي السيد والت ديزني في نهاية الثلاثينيات وكيف استطاع للمرة الأولى إدخال ما يشبه الثورة في عالم السينما عندما حوّل الموسيقى من مجرد خلفية أفلام أو من أغانٍ تُحشر بين الأحداث أو الحوار على الرغم من أنها لا تشكل جزءا من هذا الحوار، إلى جزء أساسي لا يتجزأ من قصة الفيلم، وكيف تمكن من فعل ذلك. وناقشت في هذا النص أن إضافة الموسيقى في أفلام الرسوم المتحركة جعلتها أقرب إلى الحقيقية في مخيلتنا من مجرد رسوم متحركة، وذلك يتجلى بوضوح في فيلم "سنو وايت" و"الأقزام السبعة."
إلامَ تطمح سدين إلياس؟
أطمح إلى الانخراط عميقا في أبحاثي وتطوير قدراتي التأليفية والوصول إلى مرحلة تؤهّلني للتأليف الموسيقي الرفيع، ورفع مستوى التأليف الموسيقي في بلدي. وأهم من هذا وذاك، اعتراف بلدي بمحصلتي الأكاديمية، وكيف يمكن أن تسهم في تطوير أهمية الموسيقى في الثقافة الاجتماعية العامة.