خاص لـ"هي": كيف تحول حصة نايف قصص التراث السعودي إلى أعمال فنية نابضة؟

خاص لـ"هي": كيف تحول حصة نايف قصص التراث السعودي إلى أعمال فنية نابضة؟

رهف القنيبط
12 أكتوبر 2024

في عوالم الفن التي تنسج بين الخيال والواقع، تتألق الفنانة السعودية حصة نايف كنجمة تضيء دروب التراث بجماليات معاصرة. مهندسة تصميم داخلي، تحمل في قلبها شغفًا دفينًا للحكايات القديمة، تنسجها بأناملها لتحيي فينا ذاكرة الماضي وتُلبسها حُلة الحاضر. تدخل "هي" عوالم حصة الفريدة من أبواب الفنون، وتكشف عن رحلتها التي تجمع بين الإبداع والتاريخ، بين الحلم والواقع، لتُهدي إلينا فناً ينبض بالحياة والتأمل.

حصة نايف
حصة نايف لـ"هي": "أهدف إلى إحياء الذكريات والقصص القديمة بلمسة عصرية"

تعرّف حصة نايف نفسها لـ "هي" قائلة:" استمد إلهامي من القصص التاريخية والثقافية لشبه الجزيرة العربية، وأعبر عنها من خلال أسلوب فني بسيط ومبتكر. أؤمن بأن الجمال يكمن في التفاصيل الدقيقة، وأسعى دائمًا لدمج التراث الغني لمنطقتنا في أعمالي الفنية. من خلال مشاريعي، أهدف إلى إحياء الذكريات والقصص القديمة بلمسة عصرية، مما يخلق توازنًا متناغمًا بين الماضي والحاضر. أحب استكشاف الألوان والأنماط التي تعكس روح الثقافة العربية، وأعمل على تحويل المساحات إلى لوحات فنية تعبر عن هوية المكان وسكانه."

كيف بدأت رحلتك في عالم الفن ورواية القصص الثقافية؟

منذ صغري، كنت مفتونة بالألوان والأشكال. أتذكر عندما كنت في العاشرة من عمري، شاركت في مسابقة رسم في المدرسة، وكان التحدي هو رسم منزل شعبي. قضيت ساعات طويلة في رسم التفاصيل الدقيقة، وعندما أعلنت النتائج، حصلت على المركز الأول. قام والدي باقتناء أول أعمالي الفنية، مما عزز إيماني بموهبتي. كانت تلك اللحظة نقطة تحول في حياتي، حيث أدركت أن الفن هو شغفي الحقيقي.

مع مرور السنوات، قررت دراسة هندسة التصميم الداخلي في الجامعة، حيث كنت أؤمن بأن التصميم الداخلي والفن يتشاركان في العديد من الجوانب الفنية. هذا الإيمان ساعدني على تطوير مهاراتي وأعمالي الفنية. لكن رحلتي الحقيقية بدأت عندما شاركت في أسبوع مسك للفنون 2022، حيث كانت هذه أول مرة أعرض فيها أعمالي على الجمهور، وكانت تجربة لا تُنسى. لذا، أود أن أعبر عن شكري العميق لمؤسسة مسك، وخاصة معهد مسك للفنون، على دعمهم الدائم للفنانين وجهودهم الجبارة في خلق فرص جديدة لهم. 

بعد ذلك، شاركت في العديد من المعارض المتنوعة، وكل معرض كان يحمل معه تجربة جديدة وتحديًا جديدًا. أما بدايتي في رواية القصص الثقافية، فقد كانت بمحض الصدفة. زرت دارة الملك عبد العزيز في الرياض، ومنذ ذلك الوقت أسرتني الكتب والقصص الموجودة بداخلها. بدأت مغامراتي في البحث وراء تلك الكتب التاريخية، ومن هنا انطلقت في توثيق القصص الثقافية. من خلال هذه الرحلات الفنية والثقافية، أدركت أن الفن ليس مجرد وسيلة للتعبير عن الذات، بل هو جسر يربط بين الماضي والحاضر، ويساهم في نقل التراث الثقافي للأجيال القادمة.

ما الذي ألهمك لدمج الفن مع رواية القصص في أعمالك؟

أؤمن بأن الخيال يمكن أن يُترجم من خلال الفن. تخيل أنك تسأل طفلًا عن شكل البالون، وهو لم يرَ بالونًا من قبل. من خلال وصفك، سيتخيل الطفل صورة البالون في ذهنه. هذا بالضبط ما ألهمني لقراءة تلك القصص التاريخية المثيرة. لم أزر تلك الأماكن فعليًا، لكن السارد جعلني أشعر وكأنني جزء من الرحلة.

كانت رحلة ممتعة للغاية بالنسبة لي، قراءة القصص التاريخية والثقافية للمستشرقين الذين زاروا الجزيرة العربية قبل أكثر من 100 عام. وصفوا بدقة المناطق المختلفة والمعالم الأثرية في المملكة. لطالما تعجبت كيف أن رحالة وعلماء غربيين، رغم اختلاف ثقافاتهم وعقائدهم، تمكنوا من تقديم وصف دقيق للآثار الموجودة في المملكة العربية السعودية.

حصة نايف
العمل الفني رجال ألمع للفنانة حصة نايف

هل يمكنك أن تخبرينا عن مشروع فني أو قصة ثقافية تعتبرينها الأقرب إلى قلبك؟

من أقرب المشاريع إلى قلبي هو سرد فني لقصة منطقة “العلا” من خلال عيون المستشرقين الألماني "يوليوس أويتنج" والفرنسي "شارلز هوبر" ، كما ورد في كتابهما “رحلة داخل الجزيرة العربية” (1883-1884). يجسد العمل الفني التجارب التي عاشها الرحالة وأهم المناطق التي زاروها لتوثيق النقوش والكتابات الأثرية في المملكة العربية السعودية.

من بين اكتشافاتهم البارزة كانت “مقابر الأسود”، وهي مجموعة من المقابر الأثرية في مملكة دادان (الخريبة - العلا). تظهر على هذه المقابر نقوش لأربعة أسود، تعود إلى أواخر القرن التاسع وأوائل القرن الثامن قبل الميلاد، عندما كانت دادان العاصمة التاريخية. تضم دادان عشرات المقابر المنحوتة في المنحدرات الحمراء شرق المدينة، والمزينة بتفاصيل فنية ورموز جنائزية، وأشهرها تماثيل الأسود الأربعة التي ترمز إلى القوة والحماية كحراس للقبور.

في ذلك الوقت، كان يُنظر إلى الموت على أنه بداية رحلة الخلود. لذلك، قمت بتجسيد عملين فنيين بعنوان “دادان منتصف الليل” و"رحلة يوليوس - العلا 1883". لم يكن الهدف من العمل الفني تجسيد العلا كما نراها اليوم، بل نقل تجربة الرحالة الشخصية وما وصفوه في مذكراتهم.

كيف تختارين القصص الثقافية التي تروينها من خلال أعمالك الفنية؟ 

تستند اختياراتي للأعمال الفنية على عدة عوامل، أبرزها المناطق التي زارها المستشرقون وما وثقوه خلال رحلاتهم الاستكشافية. أسعى جاهدا لتوثيق القصص الثقافية لمناطق متعددة في المملكة. بالإضافة إلى ذلك، يعتمد اختياري للقصة على دقة وصف الكاتب للمناطق الأثرية، مما يساعدني على استلهام الرسومات الفنية من منظور فني مجرد تمامًا من الواقع. على سبيل المثال، إذا وصف الكاتب قطعة أثرية شاهدها خلال رحلته، أتخيل ما رآه بناءً على وصفه، وليس بناءً على ما نراه في الوقت الحالي. لهذا السبب، أجد متعة فنية في تخيل ما قد رآه.

حصة نايف
"رسم القصة على السيراميك يتيح للمتفرج رؤيتها من زوايا متعددة"

ما هي التقنيات الفنية التي تفضلين استخدامها لنقل القصص الثقافية بشكل مؤثر؟

من الضروري لأي فنان في بداية مشواره الفني أن يجرب مختلف الوسائط الفنية لاكتشاف الأنسب لتجسيد رؤيته الفنية. في بداياتي،!جربت العديد من الوسائط الفنية، بما في ذلك اللوح القماشي. وجدت أن سرد القصة على اللوح القماشي المسطح (كانفس) يعرضها بوضوح تام، بينما يضفي استخدام السيراميك المستدير طابعًا فريدًا على القصة. على سبيل المثال، في أحد أعمالي السيراميكية “رحلة يوليوس العلا 1883”، تظهر القصة من جهتين: في الأمام، توجد رسومات تصف مدينة العلا قديمًا والنباتات الموجودة هناك، وفي الخلف، نجد منطقة مدائن صالح والزخارف الأثرية. رسم القصة على السيراميك يتيح للمتفرج رؤيتها من زوايا متعددة، مما يضفي طابعًا من التشويق بالنسبة لي كفنانة، ويجعلها ممتعة أيضًا للجمهور.

كيف تؤثر ثقافتك الشخصية وتجاربك الحياتية على أعمالك الفنية؟  

نظرًا لاغترابي لفترة طويلة خارج المملكة، أتيحت لي الفرصة للتفاعل مع ثقافات وحضارات متنوعة، مما زاد من شغفي واستلهامي الفني بكل ما يتعلق بالتاريخ والثقافة. أجد أن الفنون تمثل لي تغذية روحية قبل أن تكون تغذية بصرية. لذا، أمارس الفن لإشباع شغفي الحقيقي، وهو تحويل ما يدور في مخيلتي إلى قطع فنية تعكس رؤيتي وإبداعي. تجاربي الشخصية شكلت شخصيتي الفنية الحالية؛ فاختلاطي مع ثقافات أخرى جعلني أنظر للأمور من زوايا متعددة، وليس فقط من زاويتي الشخصية. أعتقد أنه من المهم لكل فنان ألا يحصر فنه من منظوره الخاص، بل أن يكون منفتحًا على آراء واقتراحات متنوعة.”

كيف ترين دور الفن في الحفاظ على التراث الثقافي ونقله إلى الأجيال القادمة؟

الفن يلعب دورًا حيويًا في الحفاظ على التراث الثقافي ونقله إلى الأجيال القادمة. من خلال الفن، يمكننا توثيق القصص والتقاليد والعادات التي تشكل هوية الشعوب. الفن ليس مجرد وسيلة للتعبير الجمالي، بل هو أيضًا وسيلة لنقل المعرفة والتاريخ.

على سبيل المثال، يمكن للفن التشكيلي أن يعكس مشاهد من الحياة اليومية في الماضي، أو أن يصور أحداثًا تاريخية هامة. الموسيقى والأغاني التقليدية تحمل في طياتها قصصًا وأحداثًا من الماضي، وتساعد في إبقاء هذه الذكريات حية. الأزياء التقليدية تعكس تطور الثقافة والهوية عبر الزمن.

كفنانة سعودية، يكمن دوري في استخدام فني لتوثيق تاريخ الجزيرة العربية، مما يساهم في نقل هذه القصص للأجيال القادمة. من خلال أعمالي الفنية، يمكنني إلهام الآخرين للتعرف على تراثنا الثقافي والاعتزاز به، مما يضمن استمرارية هذا التراث عبر الزمن.

ما هي الرسالة التي ترغبين في إيصالها من خلال أعمالك الفنية؟
 


 ‏‏الرسالة التي أطمح إلى إيصالها من خلال أعمالي الفنية هي أهمية توثيق التاريخ والثقافة في المملكة العربية السعودية والاعتزاز بها. آمل أن أخلق إحساسًا بالمتعة الفنية وإثارة الفكر، وألهم الآخرين للاطلاع على ثقافة وتاريخ المملكة بشكل خاص. بالإضافة إلى ذلك، أود أن تكون أعمالي الفنية أداة تترجم لكل من لديه فضول لمعرفة قصص آثار وتراث المملكة العربية السعودية. كما أوجه رسالة إلى نفسي، وهي أنه لا حدود للإبداع، فكل شيء يمكن تحويله إلى واقع إذا اجتهد الشخص وطور مهاراته الفنية يومًا بعد يوم. برغم أني تقدمت في وقت قاسي جدا زلت أعتبر نفسي في بداية الطريق، وهذا الشعور يدفعني دائمًا لاكتشاف المزيد، ولا يوجد نهاية لهذا الاكتشاف.