خاص "هي": غراجينا سولاند Grazyna Solland في تعاون إبداعي مع مؤسسة خولة للفن والثقافة
حوار: Sana Nafia
منذ أكثر من ثلاثة عقود، تحتلّ "غراجينا سولاند" Grazyna Solland مكانة ريادية في عالمَي تصميم الأثاث الفاخر والهندسة المعمارية. وهي أيضا القوة الدافعة خلف شركة "سولاندز" Sollands للمفروشات الراقية التي أسستها مع زوجها عام ١٩٨٧ في منطقة "ميفير" بلندن. وعلى مر السنين، باتت غراجينا معروفة بأناقة عملها ورقيّه، مزيّنة بإبداعاتها القصور والفلل الخاصة في أرجاء المملكة المتحدة والشرق الأوسط وأوروبا. وتعود غراجينا، المشهورة بحرفيتها الاستثنائية ورؤيتها الفنية، في أحدث أعمالها إلى الشرق الأوسط، لأجل معرض فني جديد بالتعاون مع "مؤسسة خولة للفن والثقافة". يمثل هذا المعرض، الذي يقام في "خولة آرت غاليري" في حي دبي للتصميم من الأول إلى الـ٢٨ من نوفمبر، لقاء رائعا يجمع خبرة غراجينا في التصميم و"مؤسسة خولة للفن والثقافة"، مع عدد من الفنانين الإقليميين الشباب. فيعد هذا المعرض الذي نبع من شراكة هادفة مع سمو الشيخة خولة السويدي، بتجربة فريدة لعشاق الفن والتصميم على حد سواء.
أنت مصممة أثاث معروفة، فما الذي ألهمك ابتكار هذه المجموعة الفنية المرتكزة على فكرة الطوطم، ودفعك للتعاون مع معرض "خولة آرت غاليري"؟
تعرفت إلى "مؤسسة خولة للفن والثقافة" في عام ٢٠٢٢، وأذهلني فن الخط الجميل لسمو الشيخة خولة السويدي. حتى تلك اللحظة، كنت قد عملت مرة واحدة فقط مع فن الخط في أواخر التسعينيات، حين دمجته في أقمشة حريرية مصممة ومنسوجة على الطلب لجدران أحد القصور. وقد أدهشني أيضا اندفاع الشيخة خولة وتفانيها في دعم ورعاية وتشجيع فناني منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفي تعزيز مجتمع فني رائع. فتحمست لإمكانية التعاون مع بعض هؤلاء الفنانين. وبعد لقائنا، خطرت في ذهني صور طواطم، ولا أقصد طواطم الخشب المنحوت التي نراها تقليديا في أمريكا الشمالية، بل طواطم معاصرة من أقراص دائرية بألوان وتصاميم رائعة. ثم تعرفت بعد ذلك إلى معرض "خولة آرت غاليري" في دبي وبعض الفنانين الإقليميين الذين يمثلهم المعرض، وهو ما وسّع أفكاري أكثر. وطرحتُ فكرة التعاون مع الكثير من فنانيهم لتصميم وإنتاج طواطم وإعطاء قرص أو قرصين من الطوطم للفنان ليرسم عليها. الهدف من ذلك كان العمل مع الفنانين لتحقيق تعبير فنّي فردي وفي الوقت نفسه تصريح إبداعي موحّد. قد يبدو هذا المشروع انحرافا طفيفا بالنسبة إلى عملي، ولكن لأنني لم أستطع دراسة الفن أو العمل فيه بسبب اعتراض والدتي العملية التفكير، حاولت دائما التعبير عن نفسي بطريقة فنية أكثر إبداعا حيثما أمكن. وقد سررت بأن الشيخة خولة وافقت على فكرة المعرض، وبدأنا العمل!
هل هناك ثقافات أو تقاليد معينة أثّرت في تصميم هذه الطواطم ومفهومها؟
عندما خطرت فكرة الطواطم في ذهني، كل ما كنت أعرفه عنها كان أنها منحوتة يدويا من الخشب، وهي مزخرفة وملونة ومتفاوتة الأحجام وغالبا ما تكون طويلة جدا. وعندما بحثت أكثر، عثرت على حقبة رائعة مارست خلالها ثقافات السكان الأصليين الأوائل التي كانت على صلة عميقة بالعالم الطبيعي، طقوس الطوطمية التي اعتقدت بأن كل شيء في الطبيعة يمتلك روحا يعبّر طوطم عنها. يمكن أن يكون الطوطم رمزا لمجموعة من الناس أو قبيلة أو سلالة، أو شعارا لعائلات أو زعيم، كما يمكن أن يكرّم مناسبة خاصة أو يسرد قصة. على سبيل المثال، يقيم شعب الجاميلاروي، وهم من السكان الأصليين الأستراليين، احتفالات ولادة يقدمون فيها طوطما للطفل وقت ولادته أو قبلها مباشرة. أحب بصورة خاصة الجوانب الرمزية والسردية في الطوطمية، وكيف يمكننا من خلال العمل مع الفنانين التعبير عن أنفسنا ونقل قصصنا بشكل فردي وجماعي.
صُنع كل طوطم باليد. ما مدى أهمية الحرفية اليدوية في هوية هذه المجموعة؟
إن الحرفية اليدوية جزء من الحمض النووي لشركة "سولاندز"، ومتطلب أساسي في إنتاج الأثاث الفني وفقا لمعاييرنا، بدءا من وضع النماذج الأولية لتحقيق الشكل المطلوب، وصولا إلى النقش اليدوي والصقل. حين نعمل على قطعة ما، لا نستثمر خيالنا وفكرنا ومهاراتنا ووقتنا فحسب، بل أحب أن أعتقد أن طاقتنا الإيجابية ونيتنا الحسنة قد تكونان أيضا مغروستين في القطعة.
ما المواد والتقنيات التي استخدمتِها في هذه المجموعة، وكيف تسهم في معاني الطواطم أو جمالياتها؟
رغبة مني في إدراج عنصر خاص بهذه المجموعة، قررت استخدام الرمل، وهو مادة نجدها بسهولة في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. أعلم أنها قد تكون "كليشيه" بعض الشيء، ولكن بعد أن جربت استخدام الرمل على مدار العام الماضي بطرق مختلفة، وحققت نتائج مثيرة للاهتمام، شعرت بأنه سيكون مناسبا لهذه المجموعة، وقررت أن أضع الرمال يدويا بطريقة رسومية مموهة، وكذلك بطريقة نقية ومضبوطة للغاية.
هل كانت هناك أي تحديات خلال مراحل العملية الإبداعية؟
واجهنا بعض التحديات: كيف نجعل الطواطم مستقرة، ولا سيما منها الطواطم الطويلة، ولكن دون أن تكون ثقيلة للغاية؟ وكيف نبني الأقراص؟ وإلى أي مدى يجب أن تكون الطواطم مزخرفة أو نظيفة؟ وما الألوان التي علينا استخدامها؟ أثناء النظر في ثبات الطواطم، سرعان ما أدركنا أن الأقراص تحتاج إلى أن تكون متشابكة. وأعجبني هذا التفصيل كثيرا، إذ تبدو الأقراص كأنها تحتضن بعضها بعضا. وقد وجدت رمزية جميلة في ذلك، إضافة إلى أنه بمجرد أن تتشابك الأقراص تصبح أقوى. شعرت بأنه من خلال التعارف إلى بعضنا بعضا، والنظر إلى اختلافاتنا وفهمها، والعمل معا، واحتضان بعضنا بعضا، سنقدّم عرضا جيدا وقويا.
ما مدى تأثير خلفيتك المعمارية والتصميمية في هذه الطواطم؟ وهل هناك مبادئ معمارية وجّهتك أثناء تشكيلها؟
نقطة البداية بالنسبة إلي في التصميم هي العاطفة. أحتاج إلى "رؤية الرؤية". في بعض الأحيان، كما هو الحال مع الطواطم، تكون الرؤية واضحة، وفي أحيان أخرى تكون أكثر غموضا وتحتاج إلى مزيد من التفكير. تتأثر أفكاري بعملي المعماري والتصميمي، وهو في المقام الأول تصميم سكني يتراوح بين الشقق المتواضعة الحجم والقصور الكبرى. بعد أن عملت على الكثير من المباني التاريخية المدرجة في إنجلترا، أستمتع بتحدي احترام جمال القرون الماضية والحفاظ عليه، في ظل المضي قدما. وقد صممت قصورا في الشرق الأوسط، وأستمتع بتجربة العمل مع الحرفيين المحليين. بعد أن زرت المعرض ورأيت هذه المساحة غير التقليدية، فكرت في أنه سيكون من الرائع أن أجعلها جزءا من العرض بدلا من أن تكون مجرد خلفية للفن المعروض. كان التعاون بيني وبين تسعة فنانين من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بحاجة إلى طريقة لإبراز فردية كل واحد منا، وفي الوقت نفسه ضمان أن ينجح العرض النهائي كعرض واحد. قررت جمع ثمانية أقراص مختلفة الأحجام في تركيبات وأطوال مختلفة، واخترت بعض الألوان التي تتناسب مع أعمال الفنانين. ثم حدّدت بعد ذلك أماكن وضع الطواطم في مساحة المعرض مع الأخذ في الاعتبار حجم كل طوطم وأسلوبه وألوانه، وأعددت رسما يوضح التصميم والألوان التي سيتم رسمها على الأرضية والجدران. ومن المثير للاهتمام أن العملية كانت مماثلة للإجراء المتبع في أي مشروع معماري وتصميمي. ولكن بدلا من المقاولين الفرعيين، لدينا فنانون فرديون، أما عملية التفاهم والتشاور والتعاون، فهي نفسها تقريبا.
ما الرسالة أو المشاعر التي تأملين أن يختبرها زائرو هذا المعرض، لدى تجوّلهم فيه وعند مغادرته؟
الدهشة والاهتمام! أتمنى أن يأسر هذا العمل التركيبي بصورة عامة كل من يزوره، ويستوقفهم فيأخذون وقتهم في النظر إلى كل طوطم على حدة والقصة وراءه. كما آمل أيضا أن يؤدي المشي في المعرض حول الطواطم بأنماطها المعقدة المتغيرة والمتعددة الألوان إلى منح الزائر إحساسا مشابها لشعور التواجد داخل مشكال ألوان، وبعد ذلك أن يقدّر الزائر كيف اجتمعنا وعملنا معا لتقديم هذه الرسالة الموحّدة.
هل يمكنك وصف العملية التعاونية، وكيف عملت مع كل فنان لتكييف رؤيته مع موضوع المعرض؟
عرض عليّ فريق الغاليري، بقيادة ريان عماد حقي مجموعة مختارة من الفنانين. وبالتشاور مع الفريق اخترنا عددا من الفنانين واتصلنا بهم لمعرفة ما إذا كانوا قادرين وراغبين في المشاركة. في النهاية، اشترك تسعة فنانين هم: "غالب حويلا"، و"غالية القلعجي"، و"سحر غفاني"، و"هند راشد"، و"إيهاب أحمد"، و"نوار شرتوح"، و"نضال خضور"، و"ريم المزروعي"، و"يوسف إبراهيم". وطُلب مني إعداد موجز يتضمن نسخة من عمل فني محدد لكل فنان شعرتُ أنه الأنسب، إضافة إلى أي اقتراح أريدهم أن يأخذوه بعين الاعتبار، ورسم تخطيطي للطوطم الذي صممته لهم مع إبراز القرص المراد الرسم عليه. وبعد التحدث مع كل فنان، وشرح الهدف العام له والتعرف إليه وفهمه قليلا والعكس بالعكس، وجدت جميع الفنانين مختلفين بعضهم عن بعض، ومبدعين، ومنفتحين، ومتحمّسين، ومتقبّلين. وذلك أشعرني بالنشاط والتفاؤل.
هل تخططين لمواصلة التعاون مع فنانين في مشاريع فنية أو تصميمية مستقبلية؟ وهل هناك أنماط فنية محددة ترغبين في التعاون معها في المستقبل؟
نشهد في هذه الأيام المزيد والمزيد من مشاريع التعاون، سواء في الموسيقى أو الموضة أو الفن أو التصميم. هناك طاقة قوية تتولد عندما يجتمع أشخاص مبدعون. وهذا هو أحد الأسباب التي جعلتني أنبهر باندفاع الشيخة خولة وتصميمها على رعاية وتنمية مجتمع فني مفتوح للجميع. لذا، نعم، أود العمل على مشاريع تعاون مستقبلية مع فنانين بجميع الأساليب.
ما الذي تتمنّينه لإرث هذا المعرض؟ وهل ستواصلين استكشاف موضوع الطواطم بشكل أكبر في أعمال تالية؟
آمل أن نرى المزيد من التعاون بين الفنانين الغربيين وفناني منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لأن هناك الكثير مما يمكننا تشاركه وتعلّمه من بعضنا بعضا. الطواطم ليست مجموعة لمرة واحدة فقط، ففي هذا المفهوم إمكانيات لا حصر لها. هذه المجموعة الأولى هي بداية رحلة طويلة أنا سعيدة جدا أنها بدأت مع الشيخة خولة ومعرضها والفنانين التسعة.