خاص "هي": المرأة والعمل، إرتقاء وتَمايُز وجَمال
بقلم: ميرنا طراد حداد
كاتبة وناشطة في حقوق المرأة
الـمرأة عنصر الخلق وهِبةُ الحياة للبشرية. هي تعمل كما خالقها عزّ وجلّ جعلَها مصنعًا للبشرية في قاموس الخلق والإبداع، فكانت وستبقى علّة وجود الخليقة في الأرض وفي السماء.
من صميمها يولد الإنسان، وتستمرّ بعملها لتُعدَّ هذا الإنسان كي يكون فاعلاً في الحياة. تُرضعه الحنان مع الحليب، وتعلّمه التعبير مع الحرف، وتزوّده بالـمبادئ والقيم مع كلّ نصيحةٍ في كل زمان. أليست بذلك مصنعَ البشرية؟
كم يؤلِمُني عندما يُسأل عن الـمرأة، ماذا تعمل؟ فيأتي الجواب سطحيّاً: هي لا تعمل، إنّما هي تدير بيتها وعائلتها!
أيّها السيدات والسادة، أيّها العقلاء، إذا كانت الـمرأة تدير بيتها وعائلتها، هل هذا يعني أنّها عنصرٌ عاطلٌ عن العمل؟ ألا تُسمّون هذا عملاً؟ وكيف يكون العملُ إذًا؟
هذه الـمرأة التي تربّي أولادها فتلقّنهم مبادئ الحياة، وتَخدم زوجها فتمنحه العطف والسعادة، وتُنشئُ عائلةً ترضي الله بتربيتها، وترضي مُجتمعها بِمبادئها، أليست تعمل ليلاً نَهارًا من أجل إعداد هذه العائلة لتليق بالحياة؟
مَن قال إنّ عمل الـمرأة في بيتها ليس عملاً؟ وليس مُثمرًا ولا منتِجًا؟ بل هي تنتج وثِمارُها هم أولادها الذين سيديرون مرافق الحياة، بقدر ما هي تزوّدهم بالـمعرفة والثقافة والثقة والاندفاع.
لذلك، فعملُ الـمرأة في بيتها عملٌ مقدَّس، يرضي الله، فكيف لا يرضي الـمفهوم البشري، ولا يعتبره البعض عملاً.
وبالتالي يُفترض بالدول الراقية أن تَمنح ربّةَ الـمنـزل وسيّدة العائلة معاشًا شهريّاً لقاء تعبها الـمجاني مع عائلتها، كي لا تشعرَ أنّها بالدرجة الثانية، وأنّها تعتاش من صدقة يقدّمها إليها أفراد عائلتها. هي ليست علّة على أحد، ويَحقّ لَها أن تُكافَأ على عملها الـمضني، الذي يوفّر لعائلتها الاستمرار في الانتاج والعطاء.
وإذا قررت الـمرأة أن تعمل بِحسب علمِها، وترتقي في سلّم درجات الحياة، فهذا يزيدها فضيلةً، لتكونَ سيّدة مُجتمعٍ، تعمل وتضيف على عمل الرجل إبداعًا، فيكملان معًا مسيرة الحياة.
ألا تستطيع الـمرأة أن تكونَ مربية أو مُحامية، أو طبيبة أو مهندسة، أو سيدة أعمال أو أن تلعب دورًا سياسيّاً في دولتها؟! ماذا ينقصها؟ إذا سَمحنا للمرأة أن تتعلّم، فحُكمًا نفتحُ أمامها أبواب العمل، لترتقي من درجة إلى درجة أعلى، وتَخدم مُجتمعها والأجيال التي ترافق أولادها. يَحقّ للمرأة أن تعمل، ويَجدر بِها أن تفعل كذلك، لأنّها قادرة على غرار الرجل، فتشاركه في إدارة شؤون الحياة.
ألم يَمرّ في تاريخ الأمم سيداتٌ تَصدّرنَ مراكز القرار على أرفع الـمستويات؟ ألا تذكرون «أنديرا غاندي» التي تولّت منصب رئيس وزراء الـهند لثلاث فترات متتالية بين 1966 و1977، والفترة الرابعة بين 1980 و1984 والتي انتهت باغتيالِها على يد أحد الـمعارضين الـمتطرّفين السيخ؟
ألا تذكرون «مارغريت تاتشر» أول امرأة تولّت رئاسة وزراء الـمملكة الـمتحدة من العام 1979 وحتى العام 1990، وكانت فترة حكمها في بلدها الأطول خلال القرن العشرين، وسُمّيت الـمرأة الحديدية؟
ألا تذكرون في الـماضي القريب «أنْجيلا مركل» التي عملت نادلة في حانة، فيما كانت تدرس الفيزياء في ألـمانيا الشرقية، وحصلت على الدكتوراه، ثمّ أصبحت أوّل مستشارة في تاريخ ألـمانيا، وبعد انتهاء ولايتها، بكى شعبُها لأنّها غادرت وهي عرفتْ كيف تَخدم بلادها.
إنّها مُجرّد أمثلة قليلة عن سيدات استطعنَ تغييرَ وجه العالم بفضل أعمالِهنّ على صعيد الأمم. هذه نَماذج عن سيدات غيّرَ العملُ حياتَهنَّ نَحو الأفضل، فدخلنَ صفحات التاريخ لتبقى أسـماؤهنّ قدوةً للعالم.
وفيما تَحلم كلّ فتاة أن تتعلّم وتعمل، تَحلم أيضًا بأن تعتني بِجمالِها وأناقتها لتبدو جَميلةً في أيّ موقع تتولاّه. فجمال الـمرأة يزيدها ألقًا، وأناقتها تزيدها حضورًا في مُجتمعها، وليست الأناقة مُجرّد أكسسوار للمرأة، إنّما هي من الأساسيّات في مظهرها الخارجي وحضورها الـمجتمعي.
إذا تزيّنت الـمرأة بالعقل والعلم والعمل والأناقة والجمال، تستطيع أن تثبتَ نفسها أينما وُجدت، وتُحوّل الأنظار إليها، فتقود الـمجتمعات بِحضورٍ مُميَّز، مفعم بالجمال والـمعرفة على السواء.
لِماذا اختاروا الـمرأة لتعرضَ ملابس الـموضة في الـمحافل العالـمية؟ لأنّ الـمرأة تَمتلك من الجمال ما يَجعلها تزيد على الـموضة جَمالاً، فيُعجَب الـمُشاهد بِحضورها وأناقتها، ويَختار ما تلبس ليلبس، وما تقول ليقول، وما تفعل ليفعل!
الـمرأة عالَم متكامل إنْ أحسنت استثمار عطايا الله فيها: من الجمال إلى العِلم والذكاء والـموهبة والعمل والارتقاء وقيادة العالم!
وإذا كانت الـمراكز تزيد الـمرأة قيمةً، فالأناقة والـموضة تَجعلان الـمرأة تَدخل قاموسَ الجمال، وتسلك قواعد الحضور الـمثالي، لتملأ الـمكان والزمان، بقيمتها الـمتكاملة على الـمستويات كافّة.
لا تَخجلوا من اقتناء بناتكم أجْمل الثياب، وخروجهنَّ إلى الـمناسبات الاجتماعية، ما دمتُم قد زوّدتُموهنَّ بالقيم الأخلاقية والاجتماعية والدينية والعملية، لأنّ سلاحهنَّ سيفٌ ماضٍ في وجه كلِّ معتدٍ.
الـمرأة الـمتعلّمة والتي تعمل وتَملأ مركزها، هي بَرَكةٌ لعائلتها الصغيرة وللأمةِ جَمعاء.
«أنّا بياتريز بادوس»: عارضة أزياء برازيلية، اشتهرت بعرض الأزياء الرياضية مع شركات: فيكتوريا سيكريت، شانيل وGLO، استطاعت أن تكونَ زوجة مثالية لرجل الأعمال الـمصري - اليوناني كريم الشياطي في اليونان، كما استطاعت أن تكونَ أمّاً لابنتها.
و «ميشيل بوسوبل»: عارضة أزياء أميركية في فلوريدا...
و «سينتيا ديكر»: عارضة أزياء برازيلية، نَجحت في تَمثيل عدة مسلسلات.
هذه النماذج من السيدات الناجحات، تؤكّد أنّ الـمرأة الـمتعلّمة والعاملة، تستطيع أن تكونَ سيدة أعمال، وأن تكون رئيسة وزراء، وعارضة أزياء، ومُمثلة، وغير ذلك الكثير الكثير... وماذا ينقصها وهي تقيس العالَمَ بقياس فكرها وذكائها ومكانتها!
الـمرأة والعمل حكايةٌ مَجيدة، يَجب تشجيعها كي نُحفّز الـمرأة على إثبات ذاتِها بقدراتِها وثقافتها. وعندما تصبح الـمرأة منتجةً مثلها مثل الرجل، في القطاعات كافة، تستطيع أن تقدِّرَ تضحيات الرجل في تأسيس عائلته وبناء وطنه ومُجتمعه. لأنّ تَبادُل الثقافة والـمفاهيم بين الرجل والـمرأة، يسهّل إدارة شؤون العائلة والـمجتمع والوطن، فيعرف الواحد الآخر، ويتفهّم دوره بكل تفاصيله، ويتوصّل الطرفان إلى نسج طريقة لشراكة العيش.
نعود لنقول: الـمرأة كتلةُ عاطفةٍ ومَحبة وحنان وفكر وجَمال، فلا نقلّلَنَّ من قيمتها، ولا نفرّطنَّ بقدرتِها في شتّى الـمجالات. فالـمرأة العاملة ترفع الأمم إلى أسـمى الدرجات، وتُحفّز أولادها على التطوّر والـمثابرة من أجل تَحقيق النجاح والإبداع.
وإذا تطرّقنا إلى دور الـمرأة العاملة في الوصول إلى الـمراكز العالية، فهذا لأنّ دور الـمرأة العاملة لا ينحصرُ في تنفيذ الأوامر، بل في إصدارها ومتابعة تطبيقها. كما واننا إذا تطرّقنا إلى جَمال الـمرأة وحضورها في موضة الـملابس، فهذا يعني أنّ الـمرأة لا تستهتر بِحضورها وبِمَن تلتقي. لذلك هي تعتني بِجمالِها وأناقتها لتكونَ وجهَ الجمال في مُجتمعها، متوِّجةً معرفتَها ومقدرتَها بِحسن هندامها ومنتهى أناقتها، ليكتملَ العنصر الـمؤثِّر والحضور الـمتنوِّر حيثما شاءت أن تكون.