وهم المثالية.. ما هو تأثير السعي وراء الكمال على الصحة النفسية للنساء؟
بقلم الدكتورة رومينا توكي، أخصائية في علم النفس السريري، وأخصائية علاج الأطفال والبالغين في عيادات سيج
لا تزال حياة المرأة مرهونة بتوقعات المجتمع في العديد من البلدان ترسم لها الصورة المثالية التي يجب أن تكون عليها في مختلف جوانب حياتها. فمن المفترض بها أن تكون أماً مثالية أو زوجة مثالية أو أختاً مثالية أو صديقة مثالية، حتى أن بعض الثقافات تتطلب منها بلوغ معايير المثالية هذه حتى عند التحاقها بصفوف الدراسة أو انخراطها في مجال العمل أو توليها المسؤوليات القيادية.
ولا ننكر أن هذه الأدوار مهمة في حياتنا نحن النساء، لكن سعينا نحو بلوغ الكمال قد يجعلنا نركض وراء السراب، كلما اقتربنا منه وجدناه بعيد المنال، فالكمال سباقٌ طويلٌ لا خط نهاية له. وهذا ما يُوقظ فينا الإحساس بالذنب والخجل لمجرد رغبتنا في قضاء بعض الوقت مع أنفسنا أو الابتعاد عن الآخرين قليلاً للتركيز على الاعتناء بأنفسنا، فهذا يعني من وجهة نظرنا القاصرة أننا قد تَخَلَّيْنا عن مسؤولياتنا، فالمعايير التي وضعناها على عاتقنا في رحلتنا للبحث عن الكمال عالية وزادت من ضغوطاتنا النفسية. وهكذا، تشعر الكثيرات منا بالفشل ونتجنَّب طلب المساعدة لخشيتنا من أن ذلك قد يكون علامة ضعف، وقد نحاصر أنفسنا ونوجّه لها وابلاً من الانتقادات دون أي شفقة أو رحمة، الأمر الذي يعرّضنا لمخاطر وشيكة تُحفر آثارها عميقاً على الجبين، فتظهر علينا علامات التعب والإرهاق والقلق، وتتراجع حالتنا المزاجية فنبدأ تدريجياً بتقليل احترامنا لذاتنا وبالابتعاد عن كل ما حولنا.
تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على نظرتنا لشكل أجسامنا
مع تزايد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي بوتيرة متسارعة، والضخ المتواصل للصور التي يعتقد الناس أنها "جميلة"، تبرز أمامنا مشكلة جديدة تعاني منها نساء عديدة على مستوى العالم تتمثل في عدم الرضا المطلق عن مظهرهن وأشكال أجسادهن. فإن كنتِ لا تشعرين بالرضا عن نفسك، فعليكِ أن تنظري في صور أجدادنا وأسلافنا لتكتشفي بأن تعريف الجمال قد يتغير بمرور الوقت، وأن جمالنا لا ينعكس فقط من ملامح وجوهنا أو أشكال أجسامنا، بل يكمن أيضاً في قوتنا وصمودنا وتنوع ثقافتنا وعراقة الإرث الذي نتركه للأجيال من بعدنا. ومن واجبنا نحن النساء أن ننشر هذه الثقافة كركائز راسخة في حياتنا وحياة النساء من حولنا.
وهم المثالية عبر وسائل التواصل الاجتماعي
يميل غالبية الأفراد إلى مشاركة الجوانب المثالية فقط من حياتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فتراهم ينشرون صور أجمل الأطباق التي أعدوها وصور علاقاتهم الناجحة وصور منازلهم في أبهى حلة لها. وهنا تكمن مشكلة أخرى، إذ تمتلئ وسائل التواصل الاجتماعي بـما يمكننا وصفه بـ"الإعلانات المثيرة" التي تتدفق أمام أعيننا باستمرار لتجعلنا نشعر بأن ما حققناه في حياتنا ليس كافياً مقارنة بالآخرين، الأمر الذي ينعكس سلباً على حياتنا ويتركنا في حالة يأس من أنفسنا نخشى التحدث عن الصراعات التي تواجهنا، وسرعان ما نبدأ بالانعزال والانسحاب من علاقاتنا مع الأصدقاء والعائلة.
قوة النساء في تواصلهن
تسلط الدكتورة جوي ديجرو، في أحدث بث صوتي لها، الضوء على الأسباب التي جعلت النساء يبقينَ على قيد الحياة لفترة أطول من الرجال عبر التاريخ، وأوضحت أن السبب يُعزى إلى تفوّق النساء على الرجال من حيث البقاء على اتصال مع النساء الأخريات! فلا شك أن لمسألة التفاعل والتواصل دوراً داعماً في حياتنا، تحفزنا على عيش حياة صحية وتمدنا بمصدر للطاقة على الصعيدين الجسدي والعاطفي.
وأؤكد لكم في النهاية بأنني التقيتُ عاماً بعد عام بنساء رائعات عملن بكل جد وجدارة لمشاركة تجاربهن وتحدي الأعراف المجتمعية وكسر حلقات النظرة السلبية الموروثة للأجيال، بما يفتح نوافذ الأمل لنا وللأجيال القادمة. وبينما نحتفي بيوم المرأة العالمي، دعونا نجتمع معاً لنهنئ أنفسنا ولنعبّر عن فخرنا بما نتملكه من سمات متنوعة، ولنتعهد بحب ذاتنا وتقبلها ورعايتها وتعزيز أواصر تواصلها مع الآخرين!