رؤية 2030 تعبر بالمرأة السعودية إلى واقع أفضل ومستقبل واعد
يومًا بعد يوم تثبت رؤية 2030 أن الإنسان السعودي هو في بؤرة اهتمامها. وأن مسار التنمية والتطوير والتحديث الذي تنتهجه المملكة ضمن هذه الرؤية لا يحيد عن هدف أساسي هو الارتقاء بواقع الإنسان وفتح الآفاق لإمكانياته وإبداعاته. كما لا يحيد عن سمة رئيسية هي إنسانيته مع التركيز على الحقوق والامتيازات أكثر من الواجبات والمتطلبات.
وتبدو كل مؤسسات الدولة السعودية موجهة وفق بوصلة موحدة سهمها إلى الأعلى. مستفيدة من الثروة والإمكانيات البشرية لإعادة بناء الدولة والمجتمع وفق أحدث الطرز العصرية. مع توظيف التراث الغني والطبيعة الثرية لبناء حضارة سعودية نموذجية تخدم أولا وأخيرًا السعودي والسعودية وكل مقيم على هذه الأرض الطيبة.
وقد شكلت التغييرات الاجتماعية النوعية التي طرأت على واقع المرأة السعودية وفق رؤية 2030، نقطة انطلاق أساسية للرؤية الجديدة للسعودية، وعلامة واضحة على جدية مشروع النهضة الذي يتبناه الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان وما يحمله هذا المشروع النهضوي من تغييرات وتحديثات هي في الأساس مطلب ملحّ لكل مواطن ومواطنة يرجو الكفاية لنفسه والخير لأقرانه والرفعة لبلده.
تحوّل تاريخي
ومنذ أن أصبح حق الانتخاب والقيادة والولاية للمرأة السعودية واقعًا، تحول واقع المرأة السعودية إلى علامة تاريخية فارقة. وبات المجتمع الدولي ينظر بإعجاب لهذه التجربة الرائدة في منطقتنا العربية ونموذجًا يحتذى به في الدول التي مازالت المرأة فيها تعاني ازدواجية المعايير الاجتماعية والسياسية والقانونية.
ولعل انتخاب السعودية لرئاسة "لجنة وضع المرأة" في الأمم المتحدة، في أواخر مارس الماضي تتويج مهم لمسار التحديث القانوني والحقوقي. كذلك هو مكافأة عالمية للمرأة السعودية التي نجحت في كل الاختبارات التي اعترضت طريق تنميتها لذاتها ونيلها لحقوقها. لتحقق المملكة حقًا إصلاحات وتطورات تاريخية ونوعية في مختلف مجالات حقوق الإنسان في إطار رؤية المملكة 2030.
مسيرة مشرّفة
يلمس المتابعون لمسيرة تطور المجتمع السعودي أن إعادة النظر في واقع المرأة السعودية بدأ يقفز قفزات غير مسبوقة منذ مطلع العام 2000. حيث بدأت طفرة التعليم، وتجاوز عدد الإناث في الكليات والجامعات عدد الذكور.لتنطلقطفرة أخرى هي ابتعاث الطالبات للدراسة في الخارج، وتحصيل العلوم والمعارف لتصبح المرأة ركيزة أساسية في بناء التطوير وهيكل التحديث الذي تواظب عليه المملكة منذ تأسيسها وحتى اليوم.
ومنذ العام 2010 وحتى 2017 نجحت الحكومة السعودية في توظيف أكثر من نصف مليون امرأة، وفقا للأرقام الصادرة عن المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية. كما صدر أمر ملكي عام 2013، ينص بأن تكون المرأة عضوًا في مجلس الشورىبنسبة 20 في المئة كحد أدنى. ويضم المجلس في عضويته 30 امرأة من أصل 150 عضو هم مجموع أعضاء المجلس.
كما كان لحق المرأة السعودية في الاقتراع والتسجيل كمرشحات وناخبات في الانتخابات البلدية. مع إلزامية التعليم للنساء حتى سن 15 عامًا؛أكبر الأثر في تمكين المرأة السعودية وحصولها على حقوقها السياسية والاجتماعية. والجميع يتذكر تصريحًا لولي العهد السعودي محمد بن سلمان في 2017 قال فيه: "أنا ادعم السعودية ونصف السعودية من النساء لذا أنا أدعم النساء". وهذا ما ترجمته كل تلك القرارات السيادية والسياسات الحكومية منذ ذلك التاريخ حتى اليوم.
إنجازات تتجاوز المحددات
رغم أن رؤية 2030 تضمنت مشروعًا كاملًا لتمكين المرأة في سوق العمل. واضعة نصب أعينها تحقيق رقم 30 % في 2030.إلا أن هذاالرقم قد تم تجاوزه العام الماضي 2023 وحققت سوق العمل السعودية نسبة 35 في المئة من المشاركة النسائية، ما دفع الحكومة لرفع طموحاتها لعام 2030 لتصل إلى نسبة 40 في المئة.وعلى الأغلب سيتم تجاوز هذه النسبة أيضًا لتقترب من 50 بالمئة مضاهية كبرى الدول العصرية المتقدمة.
وقد كشف صندوق النقد الدولي عن تخطي عدد من مستهدفات عام 2030. حيث تخطى معدل مشاركة المرأة السعودية في القوة العاملة النسبة المستهدفة 30% ليصل إلى 35.2% في عام 2023. ورأى الصندوق أن عملية التحول الاقتصادي غير المسبوق في المملكة تحقق تقدمًا جيدًا.كما أشار إلى أن المملكة أحرزت تقدمًا كبيرًا في جهودها لتحديث النشاط الاقتصادي وتنويعه منذ انطلاق مبادرات الإصلاح في ظل رؤية السعودية 2030 عام 2016. كما أشاد صندوق النقد الدولي بتطوير بيئة الأعمال والحوكمة والتشريعات والتحول الرقمي الذي تعيشه البلاد.
المرأة تواكب عصر الذرة
ولمواكبة التطور العلمي والتقني في مجال الطاقة الذرية يلفت انتباهنا ما قامت به جمعية المرأة والطاقة السعوديةمؤخرًا ممثلة برئيسة مجلس الإدارة، الأميرة مشاعل بنت سعود الشعلان، التي وقعت مذكرة تفاهم مع وكالة الطاقة الذرية الدولية، ممثلة بالمدير العام رافائيل ماريانو غروسي. وذلك بهدف تعزيز التعاون في بناء القدرات. مع التركيز على تطوير دور المرأة في مجالاتالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.بالإضافة إلى دعم الابتكار في العلوم النووية لتحقيق مستقبل مستدام.
الفن السابع بريادة نسائية
وفيما تتقدم المملكة العربية السعودية في مجال الفنون في مختلف المجالات يبرز دور المرأة السعودية في مجال الفن السابع. لتصبح المرأة السعودية محور هذه الصناعة وقائدتها جنبًا إلى جنب الرجل كتفًا بكتف وقدمًا بقدم. ما أعطى للتجربة بريقًا وزخمًا غير مسبوق وصار التسارع مبهر لدرجة أن السينما السعودية صارت مضرب المثل رغم كونها سينما فتية. لكن غناها وتنوعها وجرأتها جعلها محط أنظار المعجبين والمتابعين.
وخلال الأعوام الأخيرة شهدنا طفرة في الكم والنوع في عدد العاملات في مجال السينما سواء من كاتبات أو ممثلات أو مخرجات أو منتجات أو مونتيرات.. وكل تخصصات هذه الصناعة الغنية والمتنوعة. الأمر الذي يدعو المسؤولين للتفكير بشكل جدي لإنشاء معهد للعلوم والخدمات السينمائية والمسرحية والتلفزيونية. كما يدعو المزيد من النساء للانخراط في هذا المجال الإبداعي الذي يحتاجهن بالفعل لأنه من المؤكد لا يمكن إنشاء صناعة سينمائية بدون المرأة. وتكون المرأة فيها متواجدة في كل مراحل الإنتاج السينمائي ابتداءًا بالكتابة والإخراج وانتهاءًا بالتسويق والترويج.
وهنا لابد من الإشارة إلى بعض أبرز الأسماء اللامعة التي باتت تمثل المملكة على الخريطة السينمائية الإقليمية والدولية مثل هند الفهاد وعهد كامل وهيفاء المنصور وسميرة عزيز وريم البيَّات. وأفلام مثل:المرشَّحة المثالية (2019) وناقة (2023) ونورة (2023) وبسمة (2024).
لا وقت ولا مكان لسرد كل الانجازات
هذا غيض من فيض ما حققته وتحققه المرأة السعودية خلال العقد الأخير من إنجازات ومكاسب. فيما ينتظرها خلال السنوات الخمس القادمة الكثير والكثير لتثبت لنفسها ومجتمعها أنها شاطرة وقادرة وأهل لتحمل المسؤولية. وأنها كما كانت دائما ناجحة في تربية وتأسيس أجيال وإنشاء وبناء أسر فإنها أيضًا قادرة على بناء وإدارة دولة ومجتمع.
وعلى الرغم من التطوير الإيجابي الذي حصل؛ لا يزال هناك محطات عديدة على طريق تمكين المرأة السعودية يجب المرور بها وتجاوزها.كما أن المرأة السعودية ما زالت بحاجة لحماية حقوقية أكبر، وحصانة قانونيةأوسع، ودور اجتماعي عام أكثر بروزًا وعفوية. وأن يكون تمكين المرأة نابع من ثقافة مجتمعية عامة وليس من رؤية سياسية فقط.