هناء العمير: أيقونة التمكين في صناعة السينما السعودية
نجحت الكاتبة والمخرجة،هناء العمير، بحفر اسمها في قائمة رواد العمل السينمائي والدرامي السعودي بسبب إنتاجاتها الفنية المبهرة. والتي لاقت استحسان النقاد والجمهور على حد سواء. فيما تتواصل عروض أعمالها على الشاشات السينمائية والتلفزيونية ومنصات الانترنت.
والكاتبة والمخرجة السعودية، هناء العمير، شاركت كعضوة لجنة تحكيم في عدد من المهرجانات والمسابقات الفنية الإقليمية والدولية. من بينها مهرجان الأفلام السعودية. ومن أعمالها أفلام "بعيدًا عن الكلام" و"أغنية البجعة" و"شكوى". ومسلسلات "بدون فلتر" و"حظر التجول".. كما شارك فيلمها الوثائقي الأول "بعيدًا عن الكلام" في عدة مهرجانات منها مهرجان الخليج 2009. وكان فيلمها "شكوى" الذي شاركت فيه قد كتب وأخرج بموارد محدودة، قد حقق نجاحًا مبهرًا وحصل على جائزة النخلة الذهبية في مهرجان الأفلام السعودية.
هناء العمير البداية مشروع أديبة
مسيرة هناء العمير بدأت تتبلور منذ كانت تعمل كصحافيةوقد فازت بجائزة سنة 2008 لكتابة سيناريو فيلم "هدف" الذي يدور حول فتاة سعودية تحلم بأن تصبح لاعبة كرة قدم محترفة. ولطالما شعرت بأنها كاتبة، وقد حاولت عدة مرات أن تكتب أجناساً أدبية مختلفة وقصصاً قصيرة. كما كانت تخطط في مرحلة ما لكتابة رواية، ولكنها كانت تشعر دائماً بأن هناك شكلاً آخر من الكتابة الإبداعية ترغب في استكشافه، إلى أن كتبت سيناريو "هدف". ومع أن فوزها بجائزة في ذلك الوقت كان مفاجأة بالنسبة لها. إلا أنه كان بمثابة إشارة لها للاستمرار في هذا الاتجاه الفني والأدبي.
للريادة ثمن
وتعتبر هناء العمير من رائدات العمل السينمائي في المملكة العربية السعودية. وهو قطاع حيوي ثقافيًا واقتصايًا. ويحتل مكانة مميزة في قائمة تطوير الدولة وتحديث المجتمع التي تقوم بها القيادة السعودية. وخلال العشر سنوات الأخيرة ارتفعت نسبة السيدات والنساء العاملات في هذا المجال من عشرة في المائة إلى نسبة أربعين في المئة. وتسير المرأة السعودية بخطوات ثابة لتعزز وجودها في قطاع الفنون البصرية السينمائية والمسرحية والدرامية ليس على صعيد الكتابة والإخراج والتمثيل بل وعلى صعيد الإنتاج والتصوير والموتناج والإضاءة والصوت والديكور وكل ملحقات هذه الصناعة الضخمة التي تحتل مركزًا متقدمًا ضمن أهم عشر قطاعات توليها الحكومة السعودية اهتمامها وتوفر لها كل سبل التقدم والازدها من حيث الدعم وبناء دور السينما وإيفاد المبتعثين للدراسة في أرقى الجامعات والمعاهد العالمية.
هناء العمير ومسيرة التمكين
وتحكي هناء العمير في إحدى مقابلاتها الصحفيةأنها عندما صنعت أول فيلم وثائقي لها في عام 2009 كانت المرأة الوحيدة في موقع التصوير. ثم في عام 2014، عندما صنعت أول فيلم روائي قصير لها، "شكوى"، كانت والممثلة الرئيسية المرأتان الوحيدتان في موقع التصوير. لكن عندما شرعت بعمل فيلم همسات، كان حوالي خمسين في المائة من طاقم العمل من النساء. وفي فريق العمل، كان عدد النساء أكبر من عدد الرجال. حيث تُظهر الأرقام بوضوح أن الأمور تتحسن بالنسبة لتمكين المرأة السعودية في قطاع إنتاج الفنون البصرية ارتفع بنسبة خيالية في وقت قياسي.
دعم العائلة
تشيد هناء العمير بدور أسرتها الداعمة لها في خياراتها سواء الدراسية أو العملية أو الفنية. ورغم حالة "الارتباك" في البدايات إلا أن الجميع تقبل الأمور. بل صارت مسيرتها الفنية محط فخر واعتزاز أفراد أسرتها. الجميع يدعمها ويشيد بما تنجزه.
وبطبيعة الحال لم يأت هذا من فراغ حيث إن هناء العمير من أسرة متعلمة ومثقفة وجدها كان من أوائل المتعلمين تعليما حديثًا في المنطقة الشرقية، فقد حصل على شهادة جامعية من الهند عندما لم تكن هناك مدارس في السعودية.
كما أنه افتتح أول مكتبة في المنطقة الشرقية وكرس حياته لاقتناء الكتب وجمعها وإتاحة قراءتها لأبناء العائلة والجوار. وتحكي هناء العمير عن جدها أنهكان في كل مرة كان يذهب فيها إلى معرض الكتاب كان يأتي إليهابالكتب والقصص. ومن هنا بدأت هناء العمير بحب القراءة والقصص والأدب.
المحلية طريق إلى العالمية
تهتم هناء العمير في مشروعها الفني بتراث المملكة العربية السعودية والحياة الاجتماعية الغنية بالقصص الإنسانية. كما أنها تعتبر تراث المملكة تراثًا عظيمًا مليئًا بالقصص التي لم تحكى. كذلك التاريخ السعودي والتغييرات التي مربها المجتمع السعودي والمجتمعات الخليجية حيث هناك الكثير مما لم يتم سرده بعد.
حيث تؤكد هناء العمير أنه لطالما كانت العلاقات الاجتماعية المعقد هي المفضلة لديها وأنها تحب عرض الأشياء التي كانت تحب رؤيتها على الشاشة سواء عن النساءالسعوديات والرجالالسعوديين أيضًا. وتقول إنه حتى الرجال في السعودية لم يتم تصويرهم إلا بطريقة مبتذلة للغاية وهذا غير صحيح ولا يعكس الواقع.
الصدمة ليست فنًا
تقول هناء العمير إن كل شيء يمكن تصويره طالما تم التعامل مع حساسيته بطريقة فنية احترافية. فالمحظور يعني أنه موضوع حساس، وإذا تم فهم حساسيته والتعامل معه، يمكن دائمًا للمبدع أو الفنان أن يفعل ما يريد، ويقول ما يريد، دون أن يصدم الناس.
وعن نفسها فإنها لا تحب أن تصدم الناس. بل تحب العمل على قضايا لم يتم تناولها أو مناقشتها. على سبيل المثال، صورة الأب في المجتمع. حيث يحترم السعوديون الآباء إلى حد كبير، ويقال إنهم على حق دائمًا، لكنهم، بحسب رأيها، ليسوا كذلك دائمًأ. إنهم بشر، لذا فهم يرتكبون الأخطاء، وأحيانًا أخطاء جسيمة للغاية قد تلحق الضرر بأطفالهم دون أن يدركوا أنهم يفعلون ذلك.
وفي فيلم شكوى لم يكن الأب صالحاً على الإطلاق. وكان على الابنة أن تتعامل مع والدها وتثبت له وجهة نظرها وتقنعه بها. وفي النهاية، كانت هناك لحظة أدركت فيها أن هذا الأب أصبح الآن في مرحلة مختلفًا تمامًا. حيث إنه شخص عاجز، وعندما أومأ لها برأسه تقديراً لها بدأت الأمور تتغير.
التسويق الفني
رغم حرصها على أداء رسالتها الفنية والإنسانية، وتثبيت قدميها في سوق السينما المحلية؛ إلا أن مقتضيات التسويق المحلي والإقليمي والعالمي هي نصب عيني أي مبدع أو مخرج في مجال الفن السابع والسينما. وككل المخرجين الشباب تحرص هناء العمير على صياغة رسائلها بلغة العصر ووفق مقتضيات التسويق العالمية. لأنه من الأهمية بمكان أن يصل العمل الفني لأكبر قاعدة من الجمهور لا أن يظل حبيس المخازن أو العروض الخاصة.
وتؤكد هناء العمير إنها تقدم عملها إلى جمهور معين، هو الجمهور السعودي والعربي. ثم تتمنى أن ينجح العمل ويلقى القبول مع الجماهير الأخرى. مشيرة إلى أن الأمر صعب للغاية في بعض الأحيان إقناع قطاعات أخرى من الجمهور بالفرجة على عمل سينمائي سعودي مغرق في المحلية.
دعم ومساندة
تؤكد هناء العمير على أن الحكومة السعوية تبذل الكثير من الجهود لدعم صناعة الفنون عامة والسينما خاصة. وأنه بات اليوم هناك العديد من المنتديات الدائمة من خلال لجنة الأفلام، بالتعاون مع وزارة الثقافة. وأن اللجنة تشارك بافعل في عملية صنع القرار، بحيث يكون كل ما يتم القيام به مفيدًا للأشخاص العاملين في الصناعة. مع التركيز على جماليات وتقنيات الصناعة.
كما أنهم في جمعية الأفلام السعودية يعملون على وضع اللوائح اللازمة لضمان مراقبة حقوق العاملين في صناعة السينما. وهم يتطلعون إلى أي شيء تقدمه جمعية الأفلام، لأنه يحدث فرقًا كبيرًا لكل من يعمل في هذا المجال.
ورغم توفر الإنتاج والدعم المالي لصناعة السينما لا يزال، بحسب هناء العمير، هناك أشياء يجب القيام بها فيما يتعلق بالخدمات الأخرى المساعدة للصناعة. كما تشير إلى أن الأمر لا يتعلق بالصناعة نفسها فحسب. بل بالفنادق والسيارات ووسائل النقل والتموين والعديد من الأشياء الأخرى. بالإضافة إلى أشخاص يعملون في المجال بشكل احترافي. أيضًا تشير إلى أنه ما زالت هناك حاجة لإشراك الناس وتثقيفهم حول احتياجات هذه الصناعة وآليات التعاون والمشاركة في بناء وتطوير هذه الصناعة الوليدة في المملكة.
مشاريع قادمة
تقول هناء العمير إن لديها مشروعًا جديدًا مهمًا تعمل عليه منذ سنوات، هو فيلم "الرقص على حافة السيل". وهو مقتبس من رواية سعودية بعنوان "غواصو الأحقاف" للروائية السعودية أمل الفاران، وقد عملت عليه منذ عام 2019 وتخطط لإنتاجه فعليًا العام المقبل.