مراحل الصيام في رمضان وتأثيراتها على الجسم

مراحل الصيام في رمضان وتأثيراتها على الجسم

جمانة الصباغ

الصيام في رمضان فريضةٌ وعبادةٌ واجبةٌ على كل شخص مسلمَ بالغ وراشد وقادر على الامتناع عن الأكل والشرب لساعات طويلة خلال النهار. ويُعرَّف الصيام في اللغة بأنّه: "الامتناع عن شيء مُعيّن؛ سواء كان فعلًا، أو قولًا، وهي مأخوذة من الفعل صَامَ؛ أي أمسك. ويكون بالإمساك عن الكلام مثلاً، أو الطعام، أو الشراب، أو غيره".

يشهد العالم العربي والإسلامي وفي كل بقعة ينتشر فيها المسلمون حول العالم، التزامًا كبيرًا بصيام شهر رمضان من الفجر وحتى المغرب طيلة 30 يومًا؛ خلالها، قد يشعر البعض بالتعب والإنزعاج وحتى بالتوعك الصحي جراء الصيام، فيما يمرَ معظم الشهر على آخرين طيبًا وهاادئًا ولا يُخلَف أية آثار أو مضاعفات جانبية.

يعزو الطب هذا الأمر إلى اختلاف الأجسام وقدرتها على التحمل والصبر على الجوع والعطش، وهو اختلافٌ قد يمتد من بداية شهر الصوم حتى نهايته. لكن من المؤكد أن عملية الصيام وتأثيرها على جسم الإنسان ، تمر بمراحل عدة من أول الشهر حتى نهايته.

كلنا يعلم ويقرأ عن فوائد الصيام على صحة الإنسان، لكن ما هو نوع هذه الفائدة، وفي أي يوم / أيام نبدأ بالاستفادة من الصيام؟ أسئلة بسيطة ضمن العديد من الأسئلة التي يطرحها الصائمون وغيرهم حول ما الذي يحدث للجسم أثناء الصيام في رمضان، وهو ما سنحاول الإجابة عليه في موضوعنا اليوم.

الصيام في رمضان مفيد بشرط اتباع نظام غذائي صحي
الصيام في رمضان مفيد بشرط اتباع نظام غذائي صحي

ماذا يحدث للجسم أثناء الصيام في رمضان

لا يختلف إثنان على أن للصيام فائدة جمةً لا تنعكس على الصحة الجسدية فحسب، بل هي راحةٌ نفسية وعبادةٌ روحانية تُقربَنا من الله تعالى وتُعزَز أواصر التراحم والمحبة بين الناس.

لكن كثيرًا منا يحب أن يعرف ماذا يحدث لجسمه أثناء الصيام في رمضان وعلى مدار 30 يومًا؛ وهو ما يجيب عليه بعض الباحثين والخبراء في تقرير منشور على موقع "بي بي سي" عربي.

بداية الصيام

يشير التقرير إلى أن أول يومين من الصيام في رمضان هما الأصعب؛ إذ أن الجسم لا يدخل "فنيًا" في حالة الصيام إلا بعد مرور 8 ساعات أو أكثر من تناول آخر وجبة. وهو الوقت الذي تستغرقه الأمعاء في امتصاص العناصر الغذائية من الطعام. بعدها يقوم الجسم بالاستعانة بالغلوكوز المُخزن في الكبد والعضلات لتوفير الطاقة. وما أن ينتهي هذا المخزون في وقت لاحق من الصيام، حتى تصبح الدهون هي المصدر التالي الذي يلجأ إليه الجسم لتأمين الطاقة.

وكلنا يعلم ما معنى حرق الدهون ، إنه ببساطة البدء في عملية خسارة الوزن وخفض مستويات الكوليسترول الذي يتسبب بأمراض القلب والأوعية الدموية؛ فضلًا عن المساهمة في تقليل خطر الإصابة بداء السكري.

وبالعودة إلى تناقص مخزون الغلوكوز، فإنه يؤدي إلى انخفاض مستويات السكر بالدم؛ ما يجعل الصائم يعاني من الضعف الجسدي والخمول والصداع والغثيان. حتى أن بعض الصائمين قد يعانون من مضاعفات شديدة لانخفاض مستوى السكر بحيث يعانون من الدوخة وصعوبة التنفس، وعندها يجب استشارة الطبيب حول إمكانية الإستمرار في الصيام من عدمه.

مع الإشارة إلى أن هذا الانخفاض الحاد والمشاكل الصحية التي يعاني منها الصائمون، مرده في المقام الأول لوصول مستويات الجوع لديك إلى أشد الدرجات.

حذاري من الجفاف

هذا ما يحذَر منه خبراء الصحة خاصة في الأيام 3 – 7 من الصيام. إذ أنه وفور تعود الجسم على الصيام خلال هذه الفترة، تتفكك الدهون لتتحول إلى سكر في الدم. وفي هذه الحالة، يجب تعويض كمية السوائل المنخفضة أثناء الصيام، كي لا يؤدي التعرق الزائد للإصابة بالجفاف

شرب الماء ضروري لتجنب الجفاف في رمضان
شرب الماء ضروري لتجنب الجفاف في رمضان

 

لذا من الضروري على الصائمين في هذه الفترة من الصيام، الحرص على الترطيب الجيد من خلال شرب الماء أولًا والذي يُعدَ أهم السوائل وأكثرها صحية لتناولها بعد يوم صيام طويل.

كذلك من الضروري تضمين أغذية الطاقة بمستويات مناسبة في وجبات الإفطار والسحور اليومية، والتي تُساعد على استعادة النشاط وقوة الجسم؛ مثل الكربوهيدرات والدهون. وذلك ضمن نظام غذائي صحي يشمل كافة العناصر الغذائية التي يحتاجها الجسم خلال فترة الصيام، كالمياه والأملاح والبروتين.

تعوَد الجسم على الصيام

هي المرحلة الثالثة والمُطمئنة التي يسعى إليها كل صائم، للاستمرار في الصيام دون معوقات؛ وهي المرحلة الممتدة من 8 – 15 يوم من الصيام. إذ أنه في هذه المرحلة، يعتاد الجسم على الصيام ويتكيف بشكل جيد.

وفي هذا الشأن، يقول رازين مهروف، استشاري التخدير وطب العناية المُركزَة في مستشفى أدينبروك في كامبريدج البريطانية، أن للصيام مزايا وفوائد عدة خصوصًا في هذه المرحلة. إذ أن الجسم يستهلك الكثير من السعرات الحرارية يوميًا، ما يعيق قدرته على القيام بوظائف عدة أساسية مثل الإصلاح الذاتي". ويضيف: "هذا ما يفعله الصيام، إذ أنه يُصحَح مسار الجسم بتوجيهه نحو التنبه لوظائف أخرى والاستفادة من عملية الصوم عن طريق تسهيل الشفاء وتجنب الالتهابات ومحاربتها."

النصف الأخير من الصيام

يمتد من اليوم 16 إلى 30 من شهر رمضان، وخلاله يكون الجسم قد تكيَف بشكل تام مع عملية الصيام. وبات كلٌ من القولون والكبد والكلى والجلد يقومون في هذه الفترة بعملية التخلص من السموم وتنظيف الجسم .

ويشرح مهروف هذه المرحلة قائلًا: "صحيًا في هذه المرحلة، يجب أن تعود وظيفة كل عضو في الجسم إلى أقصى أداء. وقد تتحسن الذاكرة والتركيز ويتوفر المزيد من الطاقة". مشيرًا إلى عدم حاجة الجسم للجوء إلى البروتين للحصول على الطاقة؛ إذ أن ذلك يحدث فقط عندما يدخل في حالة "الجوع الشديد" ويتم استخدام العضلات للحصول على الطاقة وذلك أثناء الصيام المتواصل من عدة أيام لأسابيع أي خلال فترة طويلة من الصوم.

ويقول مهروف: "فيما تمتد فترة الصيام في رمضان من الفجر حتى الغروب فقط، تتوافر فرصةٌ كافية لإعادة تزويد أجسامنا بالأطعمة والسوائل التي تُزودنا بالطاقة. ويحافظ ذلك على العضلات كما يساعد في إنقاص الوزن".

قد يساعد الصيام في رمضان على حرق الدهون وخسارة الوزن
قد يساعد الصيام في رمضان على حرق الدهون وخسارة الوزن

إذن، هل الصيام مفيد لصحة الإنسان

يجيب مهروف على هذا السؤال ب"نعم" مشروطة، إذ أن "الصيام يفيد الصحة كونه يساعدنا في التركيز على نوعية الطعام الذي نتناوله وموعده". ومع أن الصيام لمدة شهر تُعد فترةً جيدة لتعافي الجسم وإجراء عملية التعافي الذاتي، إلا أن مهروف لا ينصح بالصيام لفترات متواصلة.

ويقول في هذا الصدد: "الصيام ليس وسيلةً جيدة للتخلص من الوزن الزائد والتخسيس على المدى الطويل، لأن الجسم سيتوقف في النهاية عن تحويل الدهون إلى طاقة؛ وبدلًا من ذلك يتحول إلى العضلات، وهو أمرٌ غير صحي ويعني أن الجسم سيحس بالجوع الشديد".

ويقترح مهروف الصيام المتقطع أو اتباع نظام غذائي 5: 2 (أي الصيام ليومين في الأسبوع خلال أيام يتوافر فيها الغذاء الصحي)، كبديل صحي أفضل من الصيام المستمر لعدة أشهر في المرة الواحدة. قائلًا: "ينبغي أن يسمح لك صيام رمضان، إذا كان بالشكل الصحيح، بتجديد إمداد الجسم بالطاقة يوميًا، ما يعني أنك تنقصين وزنك دون حرق أنسجة العضلات القيَمة."

في الختام، يُعد الصيام من أفضل الوسائل الربانية التي يمكننا استخدامها لتحسين صحة الجسم وتعزيز قوته ومساعدته على خسارة الوزن الزائد. بشرط أن يكون الصيام صحيًا وضمن فترة زمنية محددة كما هو الحال مع صيام شهر رمضان لمدة 30 يومًا.