الموسيقى ذات أثر إيجابي كبير على جودة الحياة.. وهذه هي الدلائل
قيل عنها الكثير.. غذاءٌ لكلَ المحبين، تجعل العالم أفضل، ملهمة الشعراء والمغنين، هي الحياة.
بالطبع عرفت عما نتحدث.. إنها الموسيقى؛ الساحرة، الجميلة، التي لا تعرف وقتًا محددًا ولا تاريخ صلاحية، تدغدغ العقول والقلوب وتجعل كل شيء أجمل وأصفى وأسهل.
لقرون وعقود، كانت الموسيقى واحدةً من الوسائل التي اعتمدها الكثيرون للتعبير عن مشاعر الفرح والسعادة، ولقضاء أوقات جميلة. وتنوعت وسائل الموسيقى وآلاتها وعناوينها، حسب ذوق كل شخص وفكرته حول الأنغام الموسيقية.. لكن المتفق عليه من قبل الكل، أن للموسيقى تأثيرٌ إيجابي على الصحة النفسية والفكرية.
لهذا تم اعتماد "العلاج بالموسيقى" كواحدة من الطرق الفعالة في علاج الأمراض والمشاكل النفسية؛ وبات هناك العديد من طرق العلاج بالموسيقى المعتمدة حول العالم. حتى أنه تم اعتماد هذه الطريقة منذ آلاف السنين، بحسب ما أكدت الجمعية الأمريكية للعلاج بالموسيقى؛ مشيرةً إلى أن اليونان القديمة استخدمت الموسيقى كعلاج. واستمر هذا الاعتماد حتى وقتنا الحالي، تأكيدًا على مقال علمي نُشر في العام 1789 في مجلة "كولومبيان" بعنوان "الموسيقى فيزيائيًا"، والذي يُعد بداية نمو الأبحاث الطبية حول طبيعة الموسيقى العلاجية.
ويؤكد الخبراء أن الموسيقى تحسن الذاكرة، وتساعد على الشفاء، وتخفف من التوتر؛ كما تساعد على النوم الجيد والإنتاجية أكثر. فما هي تفاصيل هذه المقدرات الكبيرة للموسيقى؟ هذا ما نتعرف عليه في تقريرنا اليوم. إنما بدايةً، دعينا نطلعك على طريقة عمل العلاج بالموسيقى وتأثيره على الدماغ.
تشريح العلاج بالموسيقى وأثره على الدماغ
بحسب المصادر الطبية المختلفة، فإن تأثير الموسيقى على الدماغ مسألةٌ معقدةٌ جدًا؛ إذ تساعد الموسيقى في علاج مناطق مختلفة من الدماغ، من خلال قيام المخيخ بمعالجة الإيقاع، وقيام الفص الأمامي بفك شيفرة الإشارات العاطفية الناتجمة عن الموسيقى، فيما يساعد جزء صغير من الفص الصدغي الأيمن على فهم طبقة الصوت. من ناحيته، يقوم مركز المكافأة في الدماغ؛ بإنتاج علامات جسدية قوية للشعور بالمتعة.
لهذه الأسباب كلها، يتم اعتماد الموسيقى من قبل المعالجين كقوة إضافية في تعزيز وتحسين الصحة، بالإعتماد على استجابة المريض وعلاقته بالموسيقى، للمساعدة على إحدات تغييرات إيجابية في حالته المزاجية والعقلية بصورة عامة.
الموسيقى فعالة في تحسين الذاكرة والمساعدة على الشفاء
لا شك في أن الاستمتاع بسماع الموسيقى، ينعكس بشكل إيجابي وكبير على صحتنا الجسدية والنفسية. وهذا ما تؤكده الدراسات والأبحاث المختلفة، مشيرةً للعديد من الفوائد التي توفرها هذه الطريقة العلاجية البسيطة والرخيصة.
فالموسيقى فعالةٌ في تحسين الذاكرة، بحسب ما كشف باحثون من جامعة كانساس الأمريكية؛ مشيرين إلى أن الموسيقى والتدريب الموسيقي، يحمي الدماغ المتقدم بالسن من الخرف والزهايمر، كما يحافظ على صحته.
بدورها، أفضت نتائج دراسة أجريت حول مرضى السكتة الدماغية الذين استمعوا للموسيقى لبضع ساعات خلال اليوم الواحد؛ إلى تعافي الذاكرة اللفظية لهؤلاء المرضية بشكل كبير مقارنةً بأقرانهم ممن لم يستمعوا إلى أي شيء.
الموسيقى منفذٌ للإبداع وتوسيع المعرفة وتحسين المهارات؛ وهي أيضًا وسيلةٌ ناجعة للتعافي من المرض..
الموسيقى تساعد على الشفاء
هذا ما خلصت إليه دراسةٌ قام بها أطباء من مستشفى سالزبورغ في النمسا، مشيرةً إلى أن المرضى الذين تم دمج الموسيقى ضمن عملية إعادة تأهيلهم؛ شهدوا ارتفاعًا في معدلات الشفاء، وتسجيل مقدار أقل من الألم بعد الجراحة.
وبحسب فرانز فيندتنر، رئيس علم النفس السريري في النمسا:"تُعدَ الموسيقى جزءً مهمًا من صحتنا الجسدية والعاطفية، منذ أن كنا أطفالًا في رحم أمهاتنا نستمع إلى نبضات قلبها وإيقاعات تنفسها. وأضاف: "عندما تُعزف الموسيقى البطيئة، فإن ردة الفعل الجسدية تحذو حذوها؛ ويمكن أن يساعد الاستماع بانتظام إلى الموسيقى الهادئة أجسامنا على الاسترخاء، مما يعني بمرور الوقت، الشعور بألم أقل وتعافي أسرع".
شيءٌ جميل ونغماته رائعةٌ على السمح، لكن ماذا عن الفوائد الصحية الأخرى للموسيقى؟ هل من مزيد؟..
تحسين الحالة النفسية وجودة النوم والإنتاجية
عناوين ثلاث لمزيد من هذه الفوائد الجميلة التي تعكسها الموسيقى على صحتنا؛ مدموعةً بدلائل طبية وأبحاث خلصت إلى النتائج التالية:
-
الموسيقى فعالة في تخفيف القلق والاكتئاب
بحسب الدراسات، فإن العلاج بالموسيقى له أبلغ الأثر في خفض نسبة الاكتئاب وأعراضه؛ فهي تؤدي إلى زيادة الدوبامين والأندروفين، "هرمونات السعادة" كما يُطلق عليها والتي تساعد على تحفيز الحالة المزاجية الجيدة، زيادة الشعور بالرضا، وتخفيف القلق والتوتر.
-
تحسين جودة النوم
من منا لم يعاني أو ما زال يعاني، من قلة النوم؟ الحقيقة أن الأرق مشكلةٌ كبيرة ولها تداعيات خطيرة على الصحة. لكن العلاج بالموسيقى يسهم بشكل كبير في تحسين جودة النوم؛ بحسب نتائج دراسات أُجريت على أفراد يعانون من اضطرابات النوم المزمنة. وخلصت النتائج إلى أن سماع الموسيقى لمدة 45 دقيقة قبل النوم، يسهم في تحسين جودة النوم بصورة ملحوظة. كما ساعدت هذه الدقائق المعدودة في تخلص هؤلاء المشاركين من الأرق المزمن.
-
زيادة الإنتاجية
وجد الباحثون خلال أبحاثهم حول فوائد الموسيقى، أن هناك 3 أنواع من الموسيقى التحفيزية:
- ما قبل المهمة: وهي الموسيقى التي تضع الشخص في العقلية الصحيحة، قبل البدء بالمهمة.
- أثناء المهمة: موسيقى يتم الاستماع لها أثناء أداء العمل، للحفاظ على المسار الصحيح وتحسين الأداء.
- ما بعد المهمة: هي الموسيقى التي تساعد على الاسترخاء والتعافي بعد القيام بعمل أو مهمة شاقة.
بالتالي، يجب أن يتطابق إيقاع العمل مع إيقاع الموسيقى؛ بحيث أن المهمات التي تتطلب المزيد من الحركة أو المهمات السريعة، تتطلب الاستماع لموسيقى سريعة. في حين أن المهام الإبداعية كالكتابة كما في حالتي، بحاجة لموسيقى سلسة وناعمة لا تتخللها أية فواصل؛ مثل الموسيقى الكلاسيكية وأصوات الطبيعة.
إذن، لتزيدي من إنتاجيتك في العمل مهما كانت طبيعته؛ من الضروري اختيار الموسيقى التحفيزية والمساعدة على تحقيق ذلك.
-
تعزيز التركيز الإيجابي
فضلاً عن تحفيز الإنتاجية، فإن الموسيقى فعالةٌ أيضًا في تعزيز التركيز الإيجابي؛ بحيث تُبعد العقل عن الإرهاق وتُعزَز التفكير الإيجابي والمتفاءل. ويسهم سماع موسيقى تحوي كلمات تشجيعية أو تتناول أفكارًا إيجابية عن الحياة، في زيادة هذه الفائدة.
وكما أن إحاطة الذات بالناس الإيجابيين لتعزيز التفكير الإيجابي، كذلك فإن الاستماع لموسيقى إيجابية، ترفع من درجات تركيزك الإيجابي في محيط دراستك وعملك.
خلاصة القول، أن العلاج بالموسيقى يشبه فعالية الكثير من مسكنات الألم؛ كما يساعد في تحسين تدفق الدم بالجسم وخفض مستويات الكوليسترول بطريقة غير مباشرة. ولا ننسى بالطبع التأثير الإيجابي الكبير الذي تقدمه هذه التحفة الرائعة، على الصحة النفسية والعقلية وتعزيز التفكير الإيجابي وعلاج التوتر والاكتئاب وغيرها الكثير، على الصغار والكبار على حد سواء..
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل انتقاء نوع الموسيقى ضروري لإحداث كل هذه التغييرات والنتائج الإيجابية؟
نعم، وإلا جاءت بنتائج عكسية؛ كما تقول جوان لوي، مديرة مركز لويس أرمسترونغ للموسيقى والطب في نيويورك، مؤكدةً أن "الاستماع العشوائي للموسيقى، قد يتسبب في مشكلات نفسية وصحية للمرء. فعلى سبيل المثال، قد تؤدي الموسيقى المرعبة والصاخبة أو الموسيقى التي تُذكَر المرء بأحداث حزينة مرَ بها سابقًأ، إلى التوتر والضغط النفسي؛ بل والاكتئاب."
من ناحيته، يقول دانيا ليفتين، أستاذ علم النفس في جامعة ماكغيل الكندية، أن "الإيقاع والخصائص الأخرى للموسيقى التي نختارها، يمكن أن تتحكم في تأثيرها علينا وعلى معدلات ضربات القلب ونشاط الشبكات العصبية للدماغ. فالموسيقى ذاتك الإيقاع البطيئ، تُقلَل معدل ضربات القلب وتجعل الشخص يشعر بالهدوء بشكل كبير؛ فيما تميل الموسيقى الفوضوية وذات الإيقاع السريع، لإحداث تأثير معاكس."
لذا ينصحك الخبراء بوجوب اختيار الموسيقى التي تناسب مزاجك العام، وتتلاءم مع المهام أو الواقع الذي تعيشين؛ كي تتمكني من جني ثمارها وفوائدها على صحتك وجودة حياتك بصورة عامة.