إدراك قيمة الأشياء والامتنان: دروسٌ تعلمتها ديبورا ديون من تجربتها مع التصلب المتعدد
لكل منا قصةٌ وحكايةٌ تُروى، حتى وإن كانت حكاية لا تزال مستمرة ولم تنتهي.
هكذا هي قصة ديبورا ديون مع التصلب المتعدد، وهي تأبى أن تدع هذا الاضطراب يحرمها من الاستمتاع بحياتها مع زوجها وكلابها؛ تُظهر ديبورا قوةً وإيجابية كبيرة في التعايش مع التصلب المتعدد، وعدم السماح له بالسيطرة على حياتها. وهي تحظى بمجموعة دعم من زوجها والعائلة والأصدقاء، الذين يخططون جميع الأنشطة من أجلها؛في سبيل راحتها وسعادتها.
التصلب المتعدد هو اضطرابٌ مناعي يؤدي بالجهاز المناعي لمهاجمة غُمد الحماية (المايلين) الذي يغطي الألياف العصبية، ويُسبَب مشكلاتٍ في الاتصال بين الدماغ وبقية الجسم. سببالتصلب المتعدد ما زال غير معروف حتى الآن، ومع نعلمه عنه أنه حالةٌ فردية تختلف أعراضها من شخص لآخر. وبالرغم من عدم وجود علاجٍ تام ونهائي للتصلب المتعدد؛ إلا أن التشخيص المبكر ومعالجة الأعراض، يُسهمان بشكلٍ كبير في تحسين الصحة والعافية على المدى الطويل، مع إمكانية تقليل الانتكاسات التي قد تحدث لبعض المُشخصين بالتصلب المتعدد.
بمناسبة اليوم العالمي للتصلب المتعدد الذي يوافق 30 مايو، نتابعمعكِ عزيزتي سلسلةً تجارب بعض النساء المصابات به في دولة الإمارات، وكيف يتعاملنَ بشجاعةٍ وإصرار مع هذا الإضطراب. والحديث اليوم مع ديبورا، من أيرلندا..
أخبرينا بدايةً عن نفسك.
إسمي ديبورا؛ وُلدت في أيرلندا وانتقلتُ إلى دبي في عام 2016 مع زوجي آلان. هذا الانتقال سمح لي بمواصلة مهنتي كمعلمة في المدارس الابتدائية. قمنا بتبنَي كلبنا الأول أوسكار في عام 2018، وفي 2021، قمنا بتبنَي كلبنا الثاني ويلو. ولم نكتفِ بهما، لذا تبنَينا كلبنا الثالث والأخير، بوني.
متى وكيف تمَ تشخيصك بالتصلب المتعدد؟
في عام 2009، كنتُ أكمل دراستي العليا في تخصص التعليم في لندن لأتخرج كمعلمةٍ للمدارس الابتدائية، وهنا بدأت أول أعراضي (غير المعروفة(للتصلب المتعدد في الظهور؛ حيث بدأت بخدرٍ في ساقي اليسرى (بدءًا من أصابعي اليسرى وتوقفًا تحت الضلع الأيسر)، اعتقدتُ أنني كنتُ أشعر بالبرد بسبب الطقس الشتوي، حيث تلاشى الخدر بعد بضعة أسابيع. في ديسمبر 2010، واجهتُ أعراض التصلب المتعدد الأخرى "غير المعروفة"، وكانت نقطةً مشوشة في عيني اليسرى، ولم يتمكن أخصائي العيون أو وحدة الطوارئ في أيرلندا من تحديد ماذا ألمَ بي وقتها؛ لذا عدتُ إلى المنزل، ومرةً أخرى اختفت بعد بضعة أسابيع، لذا اعتقدتُ أنني "شُفيت".
بعد تخرجي بعام عدتُ إلى أيرلندا وبدأت مهنة التدريس كمُدَرسة بديلة. وفي فبراير من ذلك العام، شعرتُ بالخدر مرة أخرى في ساقي اليسرى، فقد كنت أتنزه مع أختي وأخبرتُها عن الخدر واعتقدت أيضًا أنه بسبب الطقس البارد. حثتني أختي على الذهاب إلى طبيب العائلة على الفور؛ وبالفعل استمعتُ إلى نصيحتها وبعد التحدث مع الطبيب، كان لديه بعض القلق وأرسلني إلى وحدة الطوارئ بتشخيص مبدأي "احتمالية الإصابة بالتصلب المتعدد".
صاحبتني أمي وأخواتي الثلاث إلى وحدة الطوارئ، وكان لدينا بعض التخوف لأننا لم نكن نعرف حينها ما هو التصلب المتعدد بعد. خضعت للبزل/الثقب القطني والرنين المغناطيسي، وتبينَأنني أعاني من التصلب المتعدد.
حتى بعد التشخيص، لم أكن أعلمُ عنه الكثير. واصلتُ حياتي كمعلمة، ثم أصبتُ بنوبة/انتكاسة، و كنتُ أذهبُ إلى المستشفى بعد ساعات الدراسة لتلقي الستيرويد عبر الوريد، وأواصلُ حياتي بعدها. وكنتُ قد أخذتُالقرار بأني لن أسمح لهذا الضيف غير المرغوب فيه بالتحكم في حياتي.
كيف كانت تجربتكِ الأولى عند التشخيص بالتصلب المتعدد؟
لأني لم أكن أعرفُ الكثير عن التصلب المتعدد وقتها، جاء في ذهني أنه سوف ينتهي بي الأمر على كرسي متحرك، ولن أتمكن من عيش حياة طبيعية. كما كنتُ أعتقد أن كل سنوات دراستي ستضيع هباءً، ولم أرغب في أن أمثلَ أي عبء على أسرتي؛ لكني عرفتُ عنه الكثير من المعلومات وتمكنتُ من إدارته والتعامل مع أعراضه، ومضيتُ قدمًا في حياتي.
كيف كانت رحلتكِ مع التصلب المتعدد حتى الآن؟
أعتقد أني قوية وإيجابية جدًا (والحقيقة أني ورثتُ هذا عن والدي) وكنتُ أعلم أنني لن أسمح للتصلب المتعدد أن يسيطر على حياتي. لذا منذ الانتقال إلى دبي، لم أواجه أي أعراضٍ جسدية له؛ ومع ذلك، أظهرت فحوصات الرنين المغناطيسي الخاصة بي ظهور مناطق متأثرة جديدة. لكني واصلتُ حياتي كالمعتاد مع إدخال بعض التعديلات عليها، كالحصول على القيلولة اليومية. أنا محظوظة لأن جسدي يسمح لي بالنشاط، فأذهبُ إلى فصل دراجات ثلاث مرات أسبوعيًا، وأمشي مع كلابي يوميًا أيضًا. كما أنني أطلبُ من زوجي أن يرافقني في المشي لمسافة 5 كيلومترات في الإجازة الأسبوعية.
كيف يؤثر التصلب المتعدد في حياة أي شخص، وفي حياتكِ أنت بالذات؟
إن للتصلب المتعدد عددًا من الآثار أشهرها الشعور بالتعب في نهاية يوم العمل، وفي بعض الأحيان يصعب عليّ أن أتجاوب مع من حولي وأشارك في الحديث أو أفكر في الأمور بسبب التعب الشديد. كما يؤثر التصلب المتعدد على التواصل الاجتماعي مع من حولي، خاصةً في الأوقات المتأخرة من اليوم. لكن من الإيجابيات أن لديَ مجموعةً داعمة من الأصدقاء والعائلة، خاصة زوجي، يعلمون جيدًا متى يخططون الأنشطة من أجلي ومتى أحتاجُ إلى قيلولة.
في رأيكِ، هل هناك جانبٌ إيجابي للتصلب المتعدد؟
أنا سعيدة لأن بإمكان جسدي الحركة بحرية، وأيضًا لأنَ لدى الفرصة لأعتني بصحتي بشكل أكثر انتظامًا. فقد أصبحتُ أكثر إدراكًا لقيمة الأشياء في الحياة، وأصبحتُ ممتنةً أكثر لكل شيء أحظى به في حياتي.
كيف تتعاملين مع التصلب المتعدد في حياتكِ المهنية والشخصية؟
عملتُ كمعلمة لمدة 5 سنوات في المدرسة الابتدائية، والعام الماضي سمحت لي إدارة المدرسة بالعمل بدوام جزئي، حيث عملتُ ثلاثة أيام في الأسبوع. وهذا العام قررتُ أن أخصصه للتركيز على نفسي، وصحتي و عافيتي. وعلى المستوى الشخصي لا أسمحُ للتصلب المتعدد بالعيش معي.
كيف تتابعين التقنيات الجديدة والتطورات في علاج التصلب المتعدد؟
يختلف التصلب المتعدد من شخصٍ لآخر.وفي حالتي، ولأنه قد تمَ تشخيصي في أيرلندا، فأنا أحصلُ على خدماتي الصحية من هناك.جربتُ بعض العلاجات مع طبيبي المختص حتى وجدتُ العلاج المناسب لي، وأواظبُ على تناوله منذ ثلاث سنوات.
أخبرينا المزيد عن نمطِ حياتك، هل هو مثل الآخرين، أم تتبَعين ظروفًا ونمطًا معينًا في الأكل والعيش؟
أعيشُ حياةً طبيعية (إلى حدٍكبير) مع بعض التكيَفات اليومية مثل ممارسة الرياضة في الصباح والتعامل مع التعب بأخذ القيلولة. وطبيعة حياتي أني نشطة للغاية، أحبُ الموضة وأستمتعُ بالسفر. وبالنسبة للطعام، ففي معظم الأيام أتبَع نظامًا غذائيًا صحيًا، ومع ذلك، أحبُالحلويات وأتناولها.
ماذا غيَر فيكِ التصلب المتعدد على المدى القصير والبعيد؟
غيَّر التصلب المتعدد تصوري للحياة كثيرًا، فأصبحتُ أُقَدِّر اللحظات التي أقضيها مع عائلتي عندما أسافرُ إلى أيرلندا. وأشعرُ بالامتنان أن لي زوجًا محبًا وداعمًا للغاية، بالإضافة إلى أن لي دائرة محبة من الأصدقاء الداعمين. في الماضي، كنت لا أحبُالنشاط والحركة، ولكن الآن أصبح النشاط جزءًا من روتيني اليومي. عندما أكملُ تمرينًا صعبًا، أذكِّرُ نفسي بأنني محظوظة لأنني أستخدم جسدي بشكلٍ كامل.
هل تشعرين ببعض القلق من التصلب المتعدد على حياتكِ في السنوات القادمة، وكيف تتغلبين عليه؟
بالطبع أشعرُ ببعض القلق، وفي العادي يقلقُالجميع من المستقبل، سواء متعايشين مع التصلب المتعدد أو لا. لذا أحاولُ ألا أفكرُ في المستقبل بشكلٍ سلبي، وأنا متفائلة بأنني سأظلُ كما أنا اليوم، نشيطة وصحية.
هل تشاركين في أي أنشطة أو فعاليات لتوعية المجتمع بشأن التصلب المتعدد في الإمارات؟ إذا كان الأمر كذلك، فأخبرينا المزيد عن ذلك.
أحبُأن أصوَر مقاطع فيديو توعوية عن التصلب المتعدد تُركَز على حياة المتعايشين معه في دولة الإمارات، وكان من الجميل أن أرى أنني لستُ وحدي؛ ففي شهر يناير الماضي كنت أبحثُ عما يمكنني القيام به داخل الإمارات للمساعدة في التوعية بالتصلب المتعدد، وعندها عثرتُ على صفحة الجمعية الوطنية للتصلب المتعدد، والتي تعمل على العديد من البرامج الداعمة للمتعايشين، وتُوفر خدمات الرعاية، وتقومُ ببناء منظومةٍ متكاملة للمتعايشين مع التصلب المتعدد في الدولة. وقد بدأت الجمعية بإطلاق مبادراتٍ جديدة مثلتحرك للتصلب المتعدد. لذا أرسلتُ لهم قصتي عبر البريد الإلكتروني، وبعد وقتٍ قصير تلقيتُ اتصالًا من فريق الجمعية الذي استمع إلى قصتي وأشعرني بأن هناك كمن يسمعُ صوتي ويعلمُ طبيعة حالتي.وبعد بضعة أسابيع، طُلب مني المشاركة في حملتهم المصورة،حيث شعرتُ بالراحة للتحدث عن تجربتي مع التصلب المتعدد.
على صعيدٍ آخر، أشاركُ حاليًا في تحدي50k Global/Ireland الذي يُعدَ تحديًا عالميًا للياقة البدنية؛ يقوم المشاركون فيه بقطع مسافة 50 كيلومتر لدعم مجتمع التصلب المتعدد، وجمع التبرعات لدعم أبحاث التصلب المتعدد.وقد تعهدتُ لنفسي بممارسة المشي أو ركوب الدراجة خلال شهر مايو، الذي يحلَ فيه يوم التوعية بالتصلب المتعدد في الـ 30 منه؛وبسبب طبيعتي العنيدة، حددتُ لنفسي هدف قطع 150 كيلومترًا في مايو.
ما النصيحة التي تقدمينها للمُشخصَين حديثًا بالتصلب المتعدد؟
عندما يتمَ تشخيصكِ، خذي نفس عميق، وتحدثي مع شخصٍ من الجمعية الوطنية للتصلب المتعدد؛ لديهم برنامج رائع إسمه رحلتك مع التصلب المتعدد، وهو عبارة عن سلسلةٍ من الندوات المعرفيةتُبث علىالإنترنت للأشخاص الذين يتمَ تشخيصهم بالتصلب المتعدد حديثًا. ويدير هذه الندوات أطباء مختصين من اللجنة الطبية الاستشارية لدى الجمعية.
كما أنصحُ بقضاء وقتٍ مع أحبائكِ لدعمكِ، وتذكَري أن لدى كل شخصٍ تجربة مختلفة مع التصلب المتعدد. كما أن التفكير الإيجابي أيضًا سيساعدكِ.
كلمة أخيرة لقارئات"هي".
قالُ لي صديق عزيز أن "الحياة هي عبارة عن 10% مما يحدث لنا و90% كيف نتفاعل معه"، وهي مقولةٌ شهيرة لتشارلز ر. سويندول، لذا يجب أن نتحلى بالأمل وأن نكون إيجابيين.
أخيرًا هناك ثلاثُ كلمات أستخدمُها لوصف نفسي: ملهمة، قوية، إيجابية(وأمتلك روح الدعابة أيضًا)؛آمل أن تساعد كلماتي وقصتي أولئك الذين تمَ تشخيصهم حديثًا، والمتعايشين بالفعل مع التصلب المتعدد وأولئك الذين يحتاجون إلى تثقيف أنفسهم حوله من واقعي كشخص متعايش معهُ منذ سنوات.