مع تزايد تحديات الصحة النفسية: دراسة تكشف الحاجة للطب النفسي العصبي في السعودية
في خضم الحديث عن رفاهية وجودة الحياة، التي تأتي في المقام الأول من الصحة الجيدة والمستدامة؛ لا يمكن للمرء أن يغفل عن ناحيةٍ مهمة من هذا الرفاه، ألا وهي الصحة النفسية والعقلية.
للصحة النفسية قيمةٌ جوهرية وأساسية وهي جزءٌ لا يتجزأ من رفاهنا العام؛ وتتأثّر الصحة النفسية بتفاعلٍ معقد بين الضغوط ومواطن الضعف الفردية والاجتماعية والهيكلية، بحسب ما جاء على موقع منظمة الصحة العالمية الذي يُعرَف الصحة النفسية على أنها حالةٌ من الرفاه النفسي، تمكّن الشخص من مواجهة ضغوط الحياة، وتحقيق إمكاناته، والتعلّم والعمل بشكل جيد، والمساهمة في مجتمعه المحلي.
وتسعى الحكومات والمنظمات الصحية والطبية مجتمعةً، للإرتقاء بالصحة النفسية والعقلية من خلال العديد من الخطط والممارسات التي تنطلق من المتوفر من العلاجات والتطبيقات، مع الدأب على تطوير تقنياتٍ جديدة في هذا الخصوص. والحقيقة أن التطورات التقنية هذه، مهدت الطريق أمام إمكاناتٍ جديدة بالنسبة للتحقق من وظائف المخ لدى الإنسان؛ ويعتبر الطب النفسي العصبي تخصصًا طبيًا تكامليًا يجمع بين عناصر الطب النفسي وعلم الأعصاب وعلم النفس العصبي، مع التركيز على العلاقة بين الدماغ والسلوك.
إحصائياتٌ مقلقة للصحة النفسية في السعودية
لا شك في أن إحصاء حالات الإكتئاب والقلق والتوتر وغيرها من الإضطرابات النفسية التي يمرَ بها الإنسان في مراحل مختلفة من حياته، تساعد في الكشف عن طبيعة الحالة النفسية لأفراد المجتمع والحاجة لعلاجها في حال كانت الأرقام مرتفعةً. وهو ما يجري في العديد من الدول، خصوصًا المنطقة العربية.
فقد أظهرت نتائج دراسة الفحص الوطني للقلق والاكتئاب التي أُجريت خلال عام 2022 في المملكة العربية السعودية، معدلاتٍ كبيرة لاضطراب الاكتئاب الشديد (MDD) واضطراب القلق العام (GAD)، والتي بلغت نسبة 12.7% و12.4% على التوالي. وعلى الرغم من هذه المعدلات المرتفعة، يظل التشخيص والعلاج مُنخفضين بشكلٍ ملحوظ، حيث يتلقى قرابة 1.5% و0.5% فقط من الأفراد الرعاية لعلاج الاكتئاب والقلق على الترتيب. وتؤكد هذه الفجوة الضرورة الملحة لزيادة عدد المتخصصين في مجال الصحة العقلية والنفسية، وخاصةً أخصائيي الطب النفسي العصبي، وذلك لمعالجة هذه الحالات بشكل فعال. كما تدعو الدراسة إلى تعزيز الصحة العقلية، والكشف المبكر عن حالات الاضطراب، بالإضافة إلى ضرورة توفير الوصول إلى العلاج لتحسين نتائج الصحة العقلية في المملكة العربية السعودية.
في هذا الخصوص، وللمساعدة في رفع مستوى الوعي بأهمية تعزيز إطار الصحة العقلية في المملكة؛نطَلع من كلية الطب بجامعة سانت جورج في غرينادا، على نظرةٍ عامة حول مجال الطب النفسي العصبي والتخصصات المختلفة المُتاحة في هذا الفرع الطبي المبتكر.
إنما البداية تكون مع تعريف الطب النفسي العصبي الذي يتمحور حوله موضوع مقالتنا اليوم..
ما هو الطب النفسي العصبي؟
يُعرف الطب النفسي العصبي، وفقًا للجمعية الدولية للطب النفسي العصبي، على أنه مجالٌ من الطب العلمي الذي يهتم بالعلاقة المُعقدة بين السلوك البشري ووظائف الدماغ؛ ويسعى إلى فهم السلوك غير الطبيعي والاضطرابات السلوكية على أساس التفاعل بين العوامل العصبية والنفسية والاجتماعية.
وبصياغةٍ أبسط، يهدف الطب النفسي العصبي إلى سدَ الفجوة بين طب الأعصاب والطب النفسي بالنسبة لتقييم وعلاج الاضطرابات المتعلقة بالدماغ والجهاز العصبي. وينظر متخصصو الطب النفسي العصبي إلى الدماغ باعتباره العضو الذي يخرج منه كل السلوك، وهدفهم الأساسي هو زيادة المعرفة وفهم العلاقات بين سلوك الدماغ وتوسيع التدخلات العلاجية.
ما الذي يقدمه الطبيب النفسي العصبي؟
يقدم هؤلاء المتخصصون التقييم والعلاج للصعوبات العاطفية والسلوكية والمعرفية والإدراكية، في سياق المرض العصبي. وتشمل الحالات العصبية النفسية الاضطرابات المعرفية والأعراض النفسية مثل اضطرابات الحركة، واضطرابات النوبات، وإصابات الدماغ المؤلمة، والاضطرابات الناجمة عن تعاطي المواد، والأمراض الدماغية الوعائية.
ومع ذلك، لن يكون جميع المرضى الذين يتم إحالتهم إلى طبيبٍ نفسي عصبي، قد تلَقوا تشخيصًا بالفعل. وفي مثل هذه الحالات، يمكن للأطباء أيضًا المساعدة في تحديد السبب الكامن وراء الأعراض المُثيرة للقلق، من خلال استكمال التقييم العصبي النفسي. كما يمكن أن يشمل ذلك إجراء فحوصاتٍ عصبية، ودراسة الوظائف الحركية للمريض، والتنسيق، وردود الفعل، والأعصاب القحفية، والوضعية، بالإضافة إلى إجراء مقابلةٍ مع المريض لتحديد حالته المعرفية.
ما هي الأعراض التي تستدعي مراجعة الطبيب النفسي العصبي؟
تشمل الأعراض المحتملة التي قد تدفع المريض إلى طلب تقييمٍ نفسي عصبي كلًا من:
- الاكتئاب.
- الهوس.
- التحديات المتعلقة بالتركيز والتعلم.
- الأرق أو اضطرابات النوم الأخرى.
- صعوباتٌ في التعامل مع الآخرين مثل المزاج والسلوكيات التي لا يمكن التنبؤ بها.
أما المُكوَن الرئيسي للاضطراب العصبي النفسي، هو أن الأعراض تميل للتأثير على وظائف المخ والعاطفة والمزاج؛ ويمكن أن تتراوح الأسباب من القابلية الوراثية للإصابة بالمرض إلى الإصابات الدماغية، أو العدوى، أو الآثار الجانبية للأدوية، أو حتى العوامل البيئية.
وبحكم وجود العديد من أسباب الاضطرابات النفسية العصبية، فهناك أنواعٌ مختلفة من العلاج التي قد يصفها الأطباء لهذه الحالات المختلفة؛ إذ تُعتبر الأنظمة الدوائية والاستشارة النفسية و/أو العلاج النفسي من العلاجات الشائعة، ويتم تحديد خطط العلاج المناسبة بناءً على السبب الدقيق والعرض السريري وشدة الاضطراب العصبي النفسي.
وبغض النظر عن طرق العلاج، يهدف الأطباء النفسيون العصبيون دائمًا إلى مساعدة المرضى وعائلاتهم على فهم الآثار النفسية لاضطراباتهم والتعامل معها بشكلٍ أفضل.
ما هو تأثير الطبيب النفسي العصبي؟
قد يخجل البعض من استشارة الطبيب النفسي ويجدون في طلب هذا النوع من المساعدة، نوعًا من الحرج الإجتماعي. لكن الوعي بأهمية الحالة النفسية للأفراد، بات يفرض واقعً مختلفًا، يتمثل في طلب مساعدة الأطباء المتخصصين في الطب النفسي العصبي؛ وذلكلفهم الأسس العصبية للاضطرابات النفسية والعصبية بشكلٍ أفضل، حتى يتمكن المرضى الذين يعانون من هذه الاضطرابات وانعكاساتها على حياتهم، من الحصول على علاجٍ عالي الجودة وأكثر فعالية.
ما هي أفضل السُبل للحفاظ على الصحة النفسية؟
يمكن القول، بناءً على ما تقدم؛ أن للصحة النفسية والعقلية تأثيرٌ كبير على الحياة اليومية للبشر، لأنها تنعكس على علاقاتهم وصحتهم الجسدية.وعندما يتعلق الأمر بكيفية تفكير الناس وتصرفاتهم ومشاعرهم، يُستخدم مصطلح السلامة العقلية للإشارة إلى عدم وجود اضطراباتٍ نفسية لديهم. كما يمكن أن تنعكس الأدوار؛ حيث تكون علاقات البشر والعوامل المحيطة بهم، بالإضافة إلى مدى صحتهم الجسدية والروابط الشخصية، سببًا في وجود اضطراباتٍ في الصحة العقلية أو زيادة تأثير المشاكل النفسية في حال وجودها مسبقًا.
بالإمكان الاهتمام بالصحة النفسية والحفاظ على سلامتها، والوصول الى التوازن، من خلال التنسيق بين فعل الأمور التي نُفضَلها وبين المسؤوليات المترتبة علينا لتحقيق المرونة النفسية للتمكن من الاستمتاع في الحياة؛ لذلك يجب علينا تجنب بعض الأمور السلبية مثل التوتر والضغط لأنها تؤثر سلبًا على الصحة النفسية، كما أن معظم الاضطرابات النفسية يكون لها ارتباطٌ مع مشاكل جسدية.
يشير موقع "الطبي" المختص إلى 5 أفضل طرق رئيسية لتعزيز الصحة النفسية، تتمثل في النقاط التالية:
- التواصل الدائم مع الآخرين: والذي يساعد في بناء الشعور بالانتماء ويُعزَز من تقدير الذات؛ كما يتيح الفرصة لتبادل الخبرات الإيجابية وتطويرها، ويقدم الدعم العاطفي ويُحسَن الصحة النفسية، فضلًا عن تقوية الروابط الإجتماعية.
- ممارسة الرياضة: وتُعدَ ممارسة النشاطات البدنية من أهم الطرق لتحسين الصحة النفسية؛فهي مفيدةٌ جدًا للصحة بشكلٍ عام، وتلعب دورًا مهمًا في تحسين الحالة النفسية من خلال المساعدة في التخلص من المشاعر السلبية.
- تعلم مهارات جديدة: إذ يحتاج المرء مناللعديد من الطرق لتحسين الصحة النفسية، وتطوير المهارات له دورٌ كبير في حدوث ذلك؛ حتى وإن كان الوقت الذي نمتلكه غير كافٍ، كونه مهمٌ في تحسين الحالة النفسية، وتقليل احتمال الإصابة بالمرض النفسي.
- تقديم المساعدة وبذل العطاء: ليس أفضل من العطاء في تحسين الصحة النفسية وزيادة الشعور بالامتنان والقيمة الشخصية. ويُسهم البذل والعطاء في خلق مشاعر إيجابية مع الإحساس بالرضا؛ تعزيز القدرة على العطاء وإظهار الاحترام للغير؛ والمساعدة في تكوين علاقاتٍ جيدة وقوية.
- الاهتمام بالوقت الحالي: من الطبيعي أن يفكر الإنسان بالمستقبل؛ لكن في بعض الأحيان يمكن أن يُسبَب ذلك التوتر الزائد، وربما يصل إلى مراحل أكثر تعقيدًا. لذلك يُنصح بعدة طرقٍ لتحسين الصحة النفسية، منها إعطاء اهتمامٍ أكثر بالوقت الحالي الذي يعيشه الإنسان سواء كان متعلقًا بمشاعره، أو الأحداث التي تحصل معه، أو العالم من حوله. إن عيش اللحظة الحالية والاهتمام بها، يمكن أن يُفضي إلى تحسين الصحة النفسية؛ ويسمى هذا التصرف بالوعي أو اليقظة، وهو ذو دورٍ مهم في الاستمتاع بالحياة، وفهم الإنسان لنفسه بشكلٍ أدق، بموازاة التعامل مع التحديات التي تواجهه بصورةٍ إيجابية وتجعله يدرك الأحداث التي تجري من حوله بشكل أفضل.
في الخلاصة؛ فإن العناية بصحة أجسامنا وشباب وجوهنا، لا يجب أن يجعلنا نغفل عن العناية بصحتنا النفسية والعقلية. فالأخيرة لها انعكاسٌ قوي على رفاهنا الجسدي، وكلما كانت صحتنا النفسية أفضل كلما استطعنا الاستمتاع بهذا الرفاه وتعزيزه.
الطب النفسي العصبي يقدم الكثير من العون والمساعدة فيما يخص حالتكِ النفسية؛ فلا تتواني عن طلب هذه المساعدة في حال الحاجة الضرورية، واعلمي أن تعني الحياة التي تتضمن الرفاهية والاستقلال والجدارة والكفاءة الذاتية بين الأجيال وإمكانات الفرد الفكرية والعاطفية.