
للصيام تأثيراتٌ إيجابية على المناعة والساعة البيولوجية للجسم.. تعرفي عليها
الصيام هو أحد أركان الإسلام الخمسة؛ والغاية منه، تعلَم الالتزام وضبط النفس والتضحية والتفكير في الفقراء والمحتاجين. هذا من الناحية الدينية والروحية؛ إما إذا ما أردنا البحث في فوائد الشهر الفضيل على الجانب الصحي، فهناك العديد من الفوائد الصحية التي يمكن للصائم التمتع بها، شريطة الحرص على تناول الأطعمة الصحية خلال ساعات الإفطار والسحور، واتباع نمط حياة صحي يشمل الحركة الدائمة والنوم الجيد.
يجب أن يحرص الصائمون على تناول وجبة إفطار تتميز بتنَوع العناصر الغذائية؛ فذلك يسمح للجسم بالانتقال إلى حرق الدهون، بدلًا من الغلوكوز، للحصول على الطاقة، مما يُسهم في الحفاظ على الكتلة العضلية وثبات الوزن. كما يفيد النظام الغذائي المتوازن في السيطرة على مستويات السكر والكوليسترول في الدم، ما ينعكس بالفائدة أيضًا في قدرة الجسم على التعامل مع مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. إضافةً إلى ذلك، يجب الإكثار من شرب الماء للحفاظ على نسبة السوائل في الجسم والحد من الإفراط في تناول الطعام، وفق ما يفيد موقع مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي.
ويؤكد الموقع المختص أن الصيام قد يساعد أيضًا على تحسين المزاج. فعلى الرغم من الصعوبة التي يعانيها الصائمون لتعويد الجسم على الروتين الجديد في البداية، لكن سرعان ما تبدأ النفسية بالتحسن بعد بضعة أيام، عندما يتكيف الجسم مع نمط الأكل والشرب، ويبدأ بإنتاج كمياتٍ أكبر من الإندورفين.
ليس ذلك فحسب؛ فللصيام تأثيراتٌ إيجابية كبيرة ومهمة لجهة تحسين المناعة وضبط ساعة الجسم البيولوجية. فما رأيكِ عزيزتي لو نخوض أكثر في تفاصيل هاتين الميزتين، ونطَلع عليها من "كليفلاند كلينك أبوظبي" واستشاري مختص في اضطرابات النوم من جامعة الملك سعود؟
الصيام والمناعة

بيَنت دراسةٌ أجراها باحثون في جامعة ساوثرن كاليفورنيا، أن الصيام لساعاتٍ طويلة يُجدَد نشاط جهاز المناعة من خلال تحفيزه لإنتاج خلايا جديدة. فعندما يبدأ المرء بالصيام، يعمد الجسم مبدئيًا إلى تدمير عددٍ من خلايا الدم البيضاء؛ كما يبدأ بشكلٍ طبيعي، في توفير الطاقة بعدة وسائل، ومنها التخلص من الخلايا الميتة أو التالفة التي لا يحتاجها الجسم. لكنه سرعان ما يعود لتحفيز إنتاج خلايا جديدة، مما يؤدي إلى تعزيز كفاءة الجهاز المناعي وتقويته.
بعد نتائج هذه الدراسة، أُجريت المزيد من الأبحاث حول تأثير الصيام المتقطع، أي الصيام الذي يستمر لمدة 16 ساعة في اليوم أو أكثر؛ وأظهرت تلك الأبحاث أن خلايا الجسم التي تدعم الاستجابة المناعية وتهاجم الكائنات الدقيقة المُسببة للأمراض، تغادر مجرى الدم عندما يتوقف الإنسان عن تناول الطعام وينخفض فيه مستوى المواد الغذائية، وتلجأ إلى نخاع العظم، المعروف بغناه بالمواد الغذائية، لتبدأ بالتكاثر وتعزيز طاقتها ونشاطها وقدرتها على حماية الجسم من العدوى.
تستمر ساعات الإفطار التي يُسمح فيها للصائمون بتناول الطعام هذا العام لعدة ساعات، وهي فترةٌ يمكنكِ خلالها القيام بالكثير من الأمور لتعزيز كفاءة جهازكِ المناعي. إنما من المهم الحرص على اختيار الأطعمة المناسبة لوجبة الإفطار (وكذلك السحور) التي تحتوي على الفيتامينات والعناصر الغذائية الرئيسية، لأنها تؤثر بشكلٍ مباشر على المناعة وتساعد في محاربة بعض الأمراض. بالمقابل، فإن تناول الأطعمة غير الصحية يُضعف مناعتكِ ويجعلكِ عرضةً لهجوم الفيروسات والجراثيم.
لنبدأ بفيتامين "سي"، وهو من أهم العناصر الغذائية التي تفيد في تعزيز المناعة؛ يمكنكِ الحصول عليه من الحمضيات والفراولة والفليفلة الملونة والبقدونس والبروكولي. ومن المهم الحصول على الكميات اللازمة منه يوميًا لأن الجسم لا يستطيع تخزينه أو إنتاجه.
أما فيتامين "ب6" الذي يُعزَز التفاعلات الكيميائية الحيوية الموجودة في الجهاز المناعي، فيوجد في الموز والخضار الورقية والحمّص؛ فيما يتوفر فيتامين "إي" في المكسرات والبذور وهو مضاد أكسدة قوي ويُعزَز قدرة الجسم على محاربة العدوى. كذلك تُعدَ الأحماض الدهنية "أوميغا 3" (السمك الدهني) ومضادات الأكسدة (المكسرات والبذور) والحديد (اللحوم والبروكولي) أيضًا من العناصر الغذائية الرئيسية التي يجب أن تتضمنها حميتكِ الغذائية خلال شهر رمضان، للمساعدة على محاربة المرض.
بالمقابل ينصحكِ الخبراء بوجوب الامتناع عن تناول الأطعمة الغنية بالسكر والدسم على الإفطار، كونها ترفع من نسب السكر والكوليسترول في الدم، كما أن لها تأثيرًا سلبيًا على المناعة. فقد يُثبَط ارتفاع السكر في الدم عمل الجهاز المناعي، من خلال التأثير على الخلايا التي تحارب البكتيريا؛ كما تبيَن أن الأطعمة المقلية والغنية بالملح تُسبَب الإنتانات في الأمعاء وتؤثر على عمل الجهاز المناعي.
التحذير ذاته يتعلق بضرورة تقليل استهلاك الأطعمة المُصنعة، مهما كانت مغرية وشهية؛ لأن لها تأثيرٌ سلبي على المناعة، واللحوم الحمراء لأنها تزيد من خطر الإنتانات. إسعِ لنظامٍ غذائي صحي ومتوازن في رمضان، لضمان تعزيز مناعتكِ ومناعة من تحبين.
الصيام والساعة البيولوجية للجسم

يؤكد الدكتور أحمد سالم باهمام؛ أستاذ واستشاري أمراض الصدر واضطرابات النوم، ومدير المركز الجامعي لطب وأبحاث النوم في جامعة الملك سعود على الفوائد المتعددة التي يمكن أن نجنيها من أداء فريضة الصيام في رمضان. منها الفائدة الخاصة بساعة الجسم البيولوجية، والتي على غرار ما يُشاع، فإنها تنتظم بشكلٍ جيد خلال الشهر الفضيل.
متى يحدث خللٌ في الساعة البيولوجية للجسم؟ عندما نقوم باتباع بعض السلوكيات الخاطئة وتغيير نمط الحياة الذي يصاحب شهر الصيام، ما يؤثر على الساعة البيولوجية والنوم أيضًا، والإخلال ببعض وظائف الجسم المهمة. لذلك يستعرض الدكتور باهمام لبعض الأبحاث الطبية، التي تتطرق لتأثير تغيير نظام الأكل من النهار إلى الليل على الساعة البيولوجية والإيقاع اليومي.
يوجد في كل عضو، بل في كل خلية من خلايا الجسم، ما يُعرف بالساعة البيولوجية أو ساعة الإيقاع اليومي؛ تُقسَم الساعة البيولوجية في الجسم إلى نوعين، ساعة فرعية توجد في مختلف أعضاء الجسم، وساعة مركزية وهي مركز الساعة البيولوجية في الدماغ، أو ما يُعرف بالنواة فوق المتصالبة، تُنظَم عمل جميع الساعات الفرعية. إن تناغم وانتظام هذه المراكز البيولوجية أساسيٌ وضروري لعمل وظائف أعضاء الجسم المختلفة بإيقاعٍ يومي منتظم ومنسجم، وذلك عن طريق ضبط التعبير الجيني لجينات النهار وجينات الليل في مختلف أعضاء الجسم.
لضمان وظائف سليمة للجسم، لابد أن تتناغم الساعة البيولوجية المركزية مع الساعات البيولوجية الفرعية، وكذلك لابد أن تتناغم ساعات الجسم مع التوقيت الخارجي من ليلٍ أو نهار. هناك عدة عوامل تؤثر في الساعة البيولوجية أهمها التعرض للضوء، ولكن ما يهمنا في موضوع الصيام، هو أن الطعام وتوقيت تناوله يؤثر في الساعة البيولوجية خصوصًا الساعة الفرعية، وقد يؤدي إلى عدم تناغمها مع الساعة الخارجية.
إن عدم تناغم أو تطابق ساعة الجسم الداخلية مع التوقيت الخارجي، قد يؤدي لحدوث خللٍ في عددٍ كبير من وظائف الجسم، أهمها الوظائف القلبية ووظائف الاستقلاب (الأيض). وقد يتسبب هذا الخلل في ارتفاع مستوى الجلوكوز في الدم، وزيادة مقاومة الجسم للأنسولين، وارتفاع ضغط الدم الشرياني، ونقص حرق السعرات الحرارية؛ وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة الوزن.
ما سبق يدعمه العديد من الأبحاث التي توضح تأثير انقلاب نظام الأكل من النهار إلى الليل على صحة الجسم. بل إن بعض الأبحاث على فئران التجارب، قارنت بين تناول الحيوان نفس السعرات في فترة النشاط فقط (الليل للفئران)، أو على مدى 24 ساعة؛ وأظهرت أن تناول الطعام في فترة النشاط فقط (يقابل النهار عند الإنسان) لم يُسبَب زيادة الوزن، في حين أن تناول نفس كمية السعرات في فترتي النشاط والخمول أو في فترة الخمول (النهار عند الفئران) نتج عنه زيادة الوزن واختلال عمليات الاستقلاب.
ماذا نفهم من هذه النتائج؟ إن تناول كمياتٍ كبيرة من الطعام في فترة الليل عند الإنسان (فترة الخمول) يُسبَب خللًا في نظام الاستقلاب وحرق السعرات الحرارية. كما أن المعطيات الوبائية من خلال الدراسات على موظفي نظام الشفت (الورديات) الليلي، أوضحت أنهم أكثر عرضةً للسمنة، والسكر وارتفاع الضغط وأمراض القلب. كذلك فإن التجارب التي أُجريت على متطوعين بتغيير نظام نومهم وأكلهم بصورةٍ حادة كما يحدث خلال شهر رمضان، بيَنت حدوث ارتفاعٍ في مستوى السكر في الدم، ومقاومة الجسم للأنسولين، ونقص هرمون الشبع، وارتفاع ضغط الدم، ونقص حرق السعرات الحرارية.
ما سبق، هو محاولةٌ من استشاري أمراض الصدر واضطرابات النوم الدكتور باهمام، لإيضاح تأثير بعض الممارسات الخاطئة التي يمارسها الكثير منا في رمضان فيما يتعلق بالنوم والطعام. ففي رمضان يُكثر البعض من تناول مختلف الأطعمة طوال فترة الليل (من وقت الإفطار وحتى وقت الإمساك)، وهو وقتٌ لا يتقبل فيه الجسم تناول كمياتٍ كبيرة من الطعام؛ ما يتسبب في اختلالٍ حاد بالساعة البيولوجية كما شرحنا أعلاه. يُضاف إلى ذلك السهر (عدم النوم) طوال الليل، لمشاهدة البرامج الرمضانية والسهر في المقاهي والمطاعم وعدم الخلود للنوم في وقتٍ مبكر؛ كل هذا قد يتسبب في تغيَراتٍ فيزيولوجية عدة تشبه التغيَرات التي تصاحب اختلال الساعة البيولوجية.
كيفية الاستفادة من الصيام لتحسين الصحة

يؤكد الدكتور باهمام أن الصيام النهاري في رمضان، له فوائد صحية كثيرة أظهرها الكثير من الأبحاث. بشرط أن نلتزم بنمطٍ حياتي وغذائي صحي، ونتجنب تغيَرات نمط الحياة والعادات السلوكية الخاطئة والتي تُفقد الصيام فوائده القيَمة. ليس ذلك فحسب، بل وتُعرَض أجسامنا لمختلف الاعتلالات الوظيفية في الجسم.
لضمان الحصول على فوائد الصوم، ينصحك الدكتور باهمام باتباع التالي:
- أن يقتصر تناول الطعام خلال الليل على وجبتين رئيسيتين: وجبة الإفطار، ويُفضَل أن تفطري على أكلٍ خفيف، وتتناولي الوجبة الرئيسية بعد صلاة المغرب وقبل صلاة العشاء؛ الوجبة الرئيسية الثانية هي وجبة السحور قبل صلاة الفجر، ويمكن أن تتناولي وجبة خفيفة قليلة السعرات قبل النوم في الليل.
2. الحصول على نومٍ كاف بالليل، وهذا أمرٌ أساسي؛ لأن النقص الحاد في النوم يُسبَب خللًا شديدًا في جينات الساعة البيولوجية، ويتسبب باختلالٍ في الوظائف القلبية ووظائف الاستقلاب. ويُنصح بأن يسعى الإنسان البالغ للحصول على 6 ساعات نوم خلال الليل خلال شهر رمضان.
3. تأخير نظام العمل في رمضان لا يوافق فيزيولوجية الجسم ويؤدي إلى اختلالها، حيث أن النوم بعد صلاة الفجر وبعد تناول وجبة سحورٍ ثقيلة أمرٌ غير صحي. الأمر المناسب لوظائف الجسم هو بدء العمل مُبكرًا في رمضان وعدم النوم بعد صلاة الفجر. سيتيح لكِ هذا النظام الانتهاء من عملكِ مبكرا، مما يؤهلكِ للحصول على قيلولةٍ قصيرة بعد صلاة الظهر.
في الختام؛ فإن للصيام فوائد صحية ونفسية عديدة، شريطة أن نعرف الكيفية الصحيحة لإتمام هذه الفريضة. وتتمثل تحديدًا في اتباع نظامٍ غذائي صحي، تجنب الأطعمة الدسمة والثقيلة خاصةً في وجبة السحور، الحصول على ساعات نومٍ كافية، وعدم تغيير نظامنا اليومي بشكلٍ كبير كي لا تتأثر مناعتنا وساعتنا البيولوجية جراء هذا التغيير المفاجئ.
الصيام في رمضان عزيزتي، هو فرصتكِ الذهبية لتحسين صحتكِ وليس الإضرار بها؛ لذا تعلَمي بعض القواعد الأساسية لصيامٍ آمن وواظبي عليها طيلة الشهر الفضيل، وستجدين نفسكِ في نهاية الشهر تتمتعين بصحةٍ ورفاهٍ عاليين.