
اضطراب ثنائي القطب: مشكلةٌ نفسية ينبغي حلها بالطرق العلاجية المناسبة
من بين المسلسلات والأفلام العديدة التي تطرقت لموضوع اضطراب ثنائي القطب Bipolar Disorder؛ ما زالت كلير دانز Claire Danes بالنسبة لي، تُمثَل ذروة تجسيد هذه الشخصية على الشاشة الصغيرة.
ففي مسلسل Homeland، تُجسَد دانز شخصية كاري ماثيسون، ضابطة في وكالة المخابرات المركزية، وتعاني من اضطراب ثنائي القطب. لا أنسى أبدًا كيف حوَلت دانز تلك الشخصية المضطربة والمتعبة، إلى شخصٍ قادرٍ من خلال مشكلته الصحية، فكَ الألغاز وملاحقة المجرمين حول العالم.
بالطبع؛ كلنا يعلم أن اضطراب ثنائي القطب هو مرضٌ نفسي مزمن، يُسبَب تقلباتٍ شديدة في المزاج. ففي بعض الفترات، قد يكون الشخص نشيطًا جدًا، يتكلم كثيرًا، يخطط كثيرًا، وقد لا ينام. وفي فتراتٍ أخرى، يشعر بحزنٍ شديد، تعب، قلة في النشاط، ويبتعد عن الناس.
هذا الاضطراب لا علاقة له بضعف الشخصية أو قلة الإرادة، بل هو حالةٌ طبية تحتاج إلى علاجٍ مستمر، وبالتأكيد، إلى دعمٍ عائلي وصحي دائم؛ كي ينجح مرضى اضطراب ثنائي القطب في التعايش مع محيطهم والاستمرار بحياتهم على نحوٍ جيد.
عند الحديث عن المشاهير أو الشخصيات المعروفة بإصابتها بهذا الاضطراب، نتذكر سيلينا غوميز؛ والتي أطلقت منذ عدة سنوات، منصة إلكترونية جديدة على الإنترنت تحت اسم "Wondermind". وتأتي تلك الخطوة من سيلينا في أعقاب معاناتها طويلًا من مرض اضطراب ثنائي القطب، موضحةً أن الهدف من المنصة هو محاولة مساعدة الناس على التخلص من مشاكل الصحة العقلية والأزمات النفسية.
يقدم لنا الدكتور منصور عساف، استشاري الطب النفسي في مستشفى فقيه الجامعي؛ معلوماتٍ وافية ومفصلة عن اضطراب ثنائي القطب في مقالة اليوم. فإذا كنتِ مهتمةً عزيزتي بمعرفة المزيد عن هذا الاضطراب، ما عليكِ سوى متابعة القراءة هنا.
ما هو اضطراب ثنائي القطب؟

المعروف سابقًا باسم الاكتئاب الهوسي، هو حالةٌ صحية نفسية تتسبب بتقلباتٍ مزاجية حادة. وتشمل هذه التقلبات ارتفاعاتٌ عاطفية، تُعرف أيضًا بالهوس أو الهوس الخفيف، وانخفاضاتٍ عاطفية تُعرف بالاكتئاب. الهوس الخفيف يُعدَ أقل حدةً من الهوس الشديد.
عندما تُصابين بالاكتئاب، قد تشعرين بالحزن أو اليأس؛ وتفقدين الاهتمام أو المتعة في معظم الأنشطة. إنما عندما يتحول مزاجكِ إلى الهوس الشديدة أو الخفيف، فإنكِ قد تشعرين بحماسٍ وسعادة شديدين (نشوة)، أو طاقةٍ كبيرة، أو انفعالٍ غير عادي. ويمكن أن تؤثر هذه التقلبات المزاجية على النوم، والطاقة، والنشاط، والقدرة على الحكم على الأمور، والسلوك، والقدرة على التفكير بوضوح.
قد تحدث نوبات تقلَب المزاج من الاكتئاب إلى الهوس، بشكلٍ نادر أو عدة مرات في السنة، وعادةً ما تستمر كل نوبةٍ عدة أيام. بين النوبات، يتمتع بعض الأشخاص بفتراتٍ طويلة من الاستقرار العاطفي؛ فيما قد يعاني آخرون من تقلباتٍ مزاجية متكررة من الاكتئاب إلى الهوس، أو من الاكتئاب والهوس معًا.
على الرغم من أن الاضطراب ثنائي القطب حالةٌ تستمر مدى الحياة، إلا أنه بالإمكان التحكم في تقلبات مزاجكِ وأعراضكِ الأخرى باتباع خطةٍ علاجية. وفي معظم الحالات، يستخدم المتخصصون في الرعاية الصحية الأدوية والعلاج بالكلام، المعروف أيضًا باسم العلاج النفسي، لعلاج اضطراب ثنائي القطب.
ما هي أنواع اضطراب ثنائي القطب؟
بحسب الدكتور عساف، هناك عدة أنواع اضطراب ثنائي القطب؛ يمكن تلخيصها كالآتي:
• النوع الأول: تظهر فيه نوباتٌ من النشاط الزائد الشديد، وقد تترافق مع تصرفاتٍ غير معتادة، يليها اكتئابٌ حاد.
• النوع الثاني: يكون النشاط الزائد أقل شدةً، لكن يرافقه أيضًا اكتئابٌ واضح.
• النوع الخفيف: يأتي على شكل تقلباتٍ مزاجية مستمرة ولكنها غير شديدة، لكنها تؤثر على الحياة اليومية بشكلٍ مزعج.
ما هي أعراض اضطراب ثنائي القطب لدى الأطفال والمراهقين؟

من المؤكد أن اكتشاف الإصابة بهذا الاضطراب، وفي عمر صغير (الطفولة والمراهقة)، يساعد كثيرًا في سرعة التشخيص والعلاج النافع.
إنما قد يصعب تحديد أعراض اضطراب ثنائي القطب لدى الأطفال والمراهقين. وغالبًا ما يصعب تحديد ما إذا كانت هذه الأعراض مجرد تقلباتٍ مزاجية عادية، أو ناتجة عن ضغوطٍ نفسية أو صدمة، أو ما إذا كانت علاماتٍ على مشكلة صحية نفسية أخرى غير هذا الاضطراب.
قد يعاني الأطفال والمراهقون من نوباتٍ اكتئابية حادة أو هوسٍ خفيف، مميزة، ولكن قد يختلف النمط بين البالغين المصابين بالاضطراب ثنائي القطب. إذ قد تتغير الحالة المزاجية بسرعة خلال النوبات، وقد يمر بعض الأطفال بفتراتٍ دون ظهور أعراضٍ مزاجية بين النوبات. وقد تكون أبرز علامات اضطراب ثنائي القطب لدى الأطفال والمراهقين، هي تقلباتٌ مزاجية حادة تختلف عن تقلباتهم المزاجية المعتادة.
في مثل هذه الحالات، تكون استشارة الطبيب والمعالج النفسي أفضل طريقةٍ لتحديد الإصابة بهذا الاضطراب، والبدء بالعلاجات المناسبة.
كيف يُعالج اضطراب ثنائي القطب؟
يعتمد العلاج على خطتين، يؤكد الدكتور عساف؛ هما:
1. العلاج بالأدوية
هناك أدويةٌ يصفها الطبيب النفسي، تساعد على تثبيت المزاج وتخفيف النوبات؛ سواء كانت نوبات نشاطٍ زائد أو اكتئاب. ويجب الاستمرار عليها بانتظام حتى لو شعر المريض بتحسن.
2. العلاج بالكلام (النفسي)
يتحدث المريض مع الطبيب النفسي أو المعالج النفسي، لتعلَم كيف يتعامل مع تقلَبات مزاجه، وكيف يتحكم في تصرفاته. وأحيانًا يتم إشراك أفرادٍ من العائلة، لتعلَم كيفية التعامل مع هذا الاضطراب أيضًا.
ما هي أحدث الطرق في علاج اضطراب ثنائي القطب؟

وفقًا لاستشاري الطب النفسي في مستشفى فقيه الجامعي الدكتور منصور عساف، هناك أجهزةٌ حديثة تُستخدم أحيانًا في المستشفيات؛ تساعد في تنشيط مناطق معينة من الدماغ لتحسين المزاج، لكنها لا تُستخدم إلا في الحالات الخاصة.
كما ظهرت تطبيقاتٌ على الهاتف تساعد المريض على متابعة حالته وتذكيره بالأدوية والمواعيد، وهذا يساعد على تحسين الالتزام.
كيف يقنع الطبيب مريض اضطراب ثنائي القطب بأخذ العلاج؟
أوّل خطوة هي الاستماع للمريض وتفهم مشاعره، يشرح الدكتور عساف؛ فالكثير من مرضى اضطراب ثنائي القطب، يخاف من فكرة العلاج أو ينكر وجود المشكلة. وهنا يأتي دور الطبيب، الذي يشرح بطريقةٍ بسيطة أن هذه الحالة مثل مرض الضغط أو السكري، تحتاج لدواءٍ يومي للمحافظة على التوازن.
وعليه؛ يتم الاتفاق على خطةٍ علاجية واضحة، مع مراقبة التحسن خطوة بخطوة. من المهم هناك أن يشعر المريض أنه شريكٌ في العلاج وليس مُجبرًا عليه، كي يشهد تحسنًا لجهة العلاج.
ما هي التوصيات المهمة للأهل فيما يخص مرضى اضطراب ثنائي القطب؟
خاصةً الأمهات والأخوات، يرى الدكتور عساف أنهم بحاجة لما يلي:
1. تعلموا عن المرض: كي تتعرفوا على كيفية التصرف وقت نوبة الهوس أو الاكتئاب.
2. لا تلوموا المريض: فتقلباته ليست مُتعمدة، بل هي جزءٌ من المرض.
3. كونوا داعمين لا مُتسلطين: وشجعوه على الالتزام بالعلاج بلطفٍ ودون ضغط.
4. تابعوا إشارات الخطر: مثل قلة النوم، الكلام بسرعة، الانعزال، أو الحزن الشديد.
5. اعتنوا بأنفسكم أيضاً: فأنتم عمود الدعم للمريض، وصحتكم النفسية مهمةٌ بذات القدر.
خلاصة القول؛ اضطراب ثنائي القطب قد يكون صعبًا، لكنه ليس مستحيلاً. وبالعلاج والاهتمام والدعم من العائلة، يمكن للمريض أن يعيش حياةً مستقرة ومنتجة. لذا لا تخجلي من طلب المساعدة في هذه المسألة، فالصحة النفسية لا تقل أهميةً عن الصحة الجسدية؛ بل إن تعزيزها يُثمر ازدهارًا وصحةً لجسدكِ أيضًا.