لماذا الحركة رائعة؟

تُعزَز الصحة بكافة أشكالها: أخصائية تغذية علاجية تُحَدثنا عن أهمية الحركة المنتظمة

جمانة الصباغ

بالطبع عندما كان أجدادنا وآباء وأمهات أجدادنا، يعملون بالمقولة الشائعة "في الحركة بركة"؛ لم يكونوا يدركون أننا سنحتاج لإقناعٍ شديد في يومنا هذا، للقيام بهذا الفعل البسيط جدًا.

في الماضي؛ كان الجميع يتحرك دون حاجةٍ لإقناع، يتحركون داخل المنزل وخارجه لإنجاز كافة الأعمال اليومية. يتحركون بخفةٍ وقوةٍ، حتى البدناء منهم وكبار السن، لا شيء يمنعهم أو يحول بينهم وبين الحركة المستمرة؛ فهم مجبرون على ذلك، هناك الكثير من الأشياء الواجب القيام بها، ولا مجال للتكاسل أو الاعتماد على المساعدين كما هي الحال اليوم.

حتى الأطفال الصغار، كانوا في حركةٍ دائمة؛ ما زلتُ أذكرُ تلك الأيام التي نقضيها في إجازة الصيف في ضيعتنا، حيث كنا نستيقظ صباحًا، نتناول فطورنا على عجل، نرتدي ثيابنا ونخرج للعب. لا نعود إلى المنزل إلا عند الحاجة لدخول الحمام أو شرب الماء أو الأكل؛ ومساءً، ما أن تغرب الشمس، نتوجه سريعًا إلى البيت للأكل والاستحمام والنوم باكرًا، لا ستئناف اللعب والاستمتاع بالوقت.

كيف هي الصورة اليوم؟ قليلٌ منا يتحرك كما هو المطلوب، هناك من يقوم بالأعمال عنا فلا نجد حاجةً للحركة؛ نجلس معظم الوقت خلف شاشاتنا وهواتفنا الذكية، نتصفح بلا كلل لساعاتٍ طويلة. من يتحرك منا هذه الأيام، فهو مجبر للتخلص من الوزن الزائد بناءً على توصيات الطبيب. للأسف، باتت الحركة اليوم مُقيَدة بالحاجة إلى التخسيس، بعدما كانت في الماضي أساسًا للقيام بكافة المهام.

ورود شاكر أخصائية التغذية العلاجية في المستشفى السعودي الألماني
ورود شاكر أخصائية التغذية العلاجية في المستشفى السعودي الألماني

لكن الحركة رائعة ومهمة؛ هذا ما يقوله لنا خبراء الصحة، منهم أحد الخبراء الذي يؤكد أن الأشخاص البدناء الذين يتحركون بانتظام، سيعيشون شيخوخةً صحية أكثر وعمرًا أطول من الأشخاص النحفاء لكن قليلًا ما يتحركون. الحقيقة أن الحركة، بمختلف أنواعها ودرجاتها ومدتها، ضروريةً لتعزيز وتحسين الصحة في مختلف الأعمار وللجنسين على حد سواء. وبعدما كنا نطلب من الصغار في السابق الجلوس هادئين والتوقف عن الحركة والمشاغبة، فإننا نرجوهم اليوم للقيام عن الكنبة، ترك الهواتف والأجهزة الذكية جانبًا، والعودة للعب كما في السابق.

ومن كان يتجه للنادي الرياضي أو يمارس المشي كل يوم لتحسين صحته ومزاجه، بات يُجبر نفسه اليوم على القيام بهذه الأنشطة بهدف إنقاص الوزن والتمتع بالرشاقة والعضلات المفتولة. واقعٌ تغيَر بشكلٍ دراماتيكي ومُخزي، إذا صح القول؛ وهو ما يستدعي معالجةً كبيرة ومهمة للعودة إلى الصواب من جديد. صواب أن الحركة ضروريةٌ للبقاء على قيد الحياة، نشطين ومُفعمين بالصحة والخلو من الأمراض، ومتنعمين بالحياة كما فعلت الأجيال السابقة منذ عقودٍ مضت، وقبل أن تغزو التكنولوجيا حياتنا بشكلٍ كبير.

لماذا الحركة رائعة؟ هذا ما تجيبنا عليه ورود شاكر، أخصائية التغذية العلاجية في المستشفى السعودي الألماني، من خلال عدة نقاطِ تتعلق بفوائد الحركة على الصحة الجسدية والنفسية؛ تأثير الحركة على التعافي من المرض والجراحات؛ الحماية من الأمراض المزمنة من خلال المواظبة على الحركة؛ وأنواع الحركة التي يمكننا القيام بها حسب وقتنا وإمكانياتنا.

فوائد الحركة على الصحة بالعموم

تُعدَ الأنشطة الرياضية من أهم الطرق التي يتَبعها العديد من الأشخاص، للحفاظ على صحتهم الجسدية والنفسية والعقلية. الحركة اليومية ليست فقط وسيلةً لحرق السعرات الحرارية والدهون في الجسم، بل هي دواءٌ طبيعي شامل، ووقاية من الكثير من الأمراض.

فوائد المواظبة على النشاط البدني

يمكنكِ عزيزتي الاستفادة من النشاط البدني والحركة طيلة اليوم، على مرافق عدة وليس فقط على صحة جسمكِ. فالحركة الدائمة، تؤكد شاكر، تعود عليكِ بالمنافع الآتية:

1.     صحياً: تُحسّن الدورة الدموية، تُقوَي القلب، وتُخفَض مستويات السكر والكوليسترول.

2.     نفسياً: تُخفَف القلق والاكتئاب، تُعزَز هرمونات السعادة مثل الإندورفين، وتُساهم في تحسين المزاج.

3.     عقلياً: تُنشّط الذاكرة والتركيز، وتُقلَل من خطر الإصابة بالخرف مع التقدم في السن.

آثار الحركة على التعافي بعد المرض والعلاجات والعمليات الجراحية

ليست الحركة رائعةٌ في حال العافية فقط، بل هي مهمةٌ وضرورية للمساعدة في الحالات المرضية.

هذا ما تؤكده شاكر، مشيرةً إلى أن الحركة المنتظمة تساعد في تحسين تدفق الدم وتسريع التئام الجروح؛ كما أنها تُقلَل من احتمالية حدوث الجلطات الدموية بعد العمليات، وأيضًا تُساهم في تقوية العضلات وأجزاء الجسم التي قد تضعف نتيجة الالتزام بالفراش لمدةٍ طويلة.

كما تزيد الحركة من طاقة الجسم، وتُقلَل من آثار التعب العام المرتبط بالعلاج الكيميائي أو الإشعاعي لبعض الحالات المرضية مثل السرطان.

البدناء النشيطون مقابل النحيلون الخاملون

الحركة المنتظمة تحمي من الأمراض وتُطيل العمر فلا تتوقفي عن الحركة
الحركة المنتظمة تحمي من الأمراض وتُطيل العمر فلا تتوقفي عن الحركة

بحسب بعض الدراسات الطبية؛ فإن الأشخاص البدناء الذين يتحركون بانتظام، يتمتعون بفرصةٍ أكبر للعيش حياةً أطول مقارنةً بالأشخاص النحيلين الذي يعيشون حياةً خاملة.

فالنشاط البدني يساعد على تحسين المؤشرات الحيوية (مثل ضغط الدم والسكر) حتى لو كان الوزن زائداً؛ في حين أن الخمول وقلة الحركة بحد ذاتهما، عامل خطرٍ قاتل ولكنه صامت، بغض النظر عن الوزن.

فإذا كنتِ عزيزتي تطمحين للتمتع بسنواتٍ إضافية في الحياة، ما عليكِ سوى المواظبة على الحركة؛ هذا ما نفهمه من أخصائية التغذية العلاجية ورود شاكر ومن غيرها من المختصين.

كيف تحمي الحركة من الأمراض المزمنة؟

يُقلَل النشاط البدني المنتظم من خطر الإصابة بالكثير من الأمراض المزمنة، والتي يمكن أن تُشكَل تهديدًا على حياة الإنسان. وتتمثل هذه الأمراض في القائمة الآتية:

•       أمراض القلب والسكتات الدماغية.

•       السكري من النوع الثاني.

•       بعض أنواع السرطان (مثل القولون والثدي).

•       هشاشة العظام.

•       السُمنة.

•       اضطرابات النوم والقلق والاكتئاب.

بعض هذه الأمراض قد تكون وراثية، لا شك في ذلك؛ لكن قلة الحركة قد تلعب دورًا بارزًا في زيادة خطر تعرَضكِ لتلك الأمراض، حتى وإن لم يكن لديكِ تاريخٌ عائلي للإصابة بها.

أنواع الحركة اليومية (غير الرياضة) ومدتها وشدتها

جميع أنواع الحركة رائعة ومهمة حتى صعود الدرج عوضًا عن استخدام المصاعد
جميع أنواع الحركة رائعة ومهمة حتى صعود الدرج عوضًا عن استخدام المصاعد

حتى دون ممارسة "الرياضة"، يمكنكِ دومًا دمج النشاط في الحياة اليومية بطرقٍ سهلة، تقدمها لكِ شاكر على الشكل التالي:

•       استخدام الدرج بدلًا من السلالم، عند الصعود للمنزل أو العمل أو حتى أثناء التواجد في المركز التجاري للتسوق.

•       استخدام الدراجة الهوائية بدلًا من السيارات، أو المشي، للذهاب الى الأماكن المجاورة مثل البقالة والصيدلية وغيرها.

•       الاستغناء عن الجلوس في السيارات والمنزل لوقتٍ طويل.

كل هذه الممارسات، على بساطتها، تزيد من معدل حركتكِ اليومية، حتى من دون تخصيص وقتٍ لممارسة التمارين الرياضية. إنما يجب التنويه إلى توصيات منظمة الصحة العالمية، التي تنصح بممارسة 150 دقيقة من النشاط المعتدل أسبوعيًا للبالغين و60 دقيقة يومياً للأطفال، للتمتع بصحةٍ جيدة ومستدامة.

في الختام؛ فإن الحركة رائعةٌ لا شك في ذلك، وتُثبت لنا الدراسات أهميتها في تحسين حياتنا الصحية والنفسية والعقلية. كما يؤكد الخبراء ومنهم أخصائية التغذية العلاجية ورود شاكر، على أهمية مزاولة أي نوعٍ من الحركة يوميًا، لتحسين فرصهم في العمر الطويل والجسد الخالي من الأمراض.