الكاتبة والناشطة نجوى ذبيان لـ"هي": العمل على الذات هو تحدّ كبير ولا سيما حين يتعارض مع ما كان يعرفه الفرد طوال حياته
"للكلمات القدرة على منح الروح صوتا، بكل عواطفها وأفكارها". بهذه الكلمات تصف الكاتبة والشاعرة نجوى ذبيان أثر الكلمات على حياة الإنسان. استطاعت أن تصل إلى قلوب وعقول الكثيرين من مختلف أنحاء العالم، بفضل كتاباتها المؤثرة، المحفّزة على حبّ الذات، إضافة إلى التكيّف مع التغيير ات التي تمرّ في حياة المرء. غادرت ذبيان لبنان في العام 2006، واضطرت أن تبقى في كندا، لتبدأ رحلة التغيير الذاتي في حياتها، لاسيما عندما بدأت التدريس، وأصبحت قصص طلّابها مصدر إلهام لها، ما دفعها إلى البدء بالكتابة. تشارك ذبيان الكثير من تجاربها الشخصية، ومن مشاعرها، سواء في كتبها أو مع متابعيها على مواقع التواصل الاجتماعي. معها كان هذا اللقاء..
قصّتك المؤثرة ألهمت آلاف الأشخاص في كل أنحاء العالم.. هلا أخبرتنا قليلا عن رحلتك من بيروت إلى كندا، وكيف أصبحت مناصرة لحب الذات وتمكينها؟
حين انتقلت إلى كندا، كنت في السادسة عشرة من عمري. ولم أكن حتى تلك اللحظة من حياتي قد شعرت يوما بأنني أستحق الحب أو أنني أستحق أن أكون أولوية. شعرت كأنني مشرّدة، ليس بالمعنى المادّي، ولكن بالمعنى العاطفي. لم يكن هناك مكان في العالم أستطيع الذهاب إليه وأحس فيه بأن روحي محضونة ومحتفى بها فقط لأجل من أنا. وأتذكّر أنني منذ سن صغيرة شعرت بأن هناك شيئا ناقصا دائما. وذلك الشيء الناقص كان الشعور بالحب والاهتمام. لذلك، عندما انتقلت إلى كندا، أصبح ذلك الإحساس أسوأ، لأن كل ما كان مألوفا بالنسبة إلي لم يعد موجودا. فاشتدّ الشعور بالتشرّد إلى درجة أنني لم أعد أرغب بعد ذلك في أن أشعر بأي شيء. وبعد بضع سنوات، حين بدأتُ التدريس، وجدت في تجارب طلّابي (كانوا لاجئين من ليبيا التي دمّرتها الحرب) مصدر إلهام دفعني إلى البدء بالكتابة من أجل تمكينهم. وفي هذه العملية، أعتقد أنني بدأت أشفي نفسي المراهقة التي أغلقت الباب حين كانت بعمر 16 سنة أمام كل أحاسيسها ومشاعرها لسنوات وسنوات.
في وصفك الذاتي، تشددين على القوة التحويلية للكلمة. كيف يمكن للكلمات أن تسهم في الشفاء الشخصي واكتشاف الذات وتمكينها؟
إن الكلمات ليست مجرد أحرف تربطينها معا لتتحدثي بها أو تكتبيها على ورق. للكلمات القدرة على منح الروح صوتا، بكل عواطفها وأفكارها. لها القدرة على تحرير الأسى الموجود في الداخل وإعطاء الحزن تلك الصرخة التي يحتاجها. أبذل قصارى جهدي حتى أسمح لكلماتي بأن تتدفق بأكثر أسلوب حقيقي وخام ممكن. وبهذه الطريقة، يشعر أي شخص يقرأ كلماتي أو يصغي إليها بأن هناك من يراه ويسمعه في أي صراع أو انتصار يمرّ به. وعندما يشعر أي شخص بأن هناك من يراه ويسمعه في كفاحه، يصبح متمكّنا أكثر، ويحس بأنه قادر على أن يصبح أقرب إلى هويته الحقيقية ويتعافى في النهاية.
لدى تنـــاول موضوعات محددة، تميلين إلى إثارة ردّ فعل عاطفي. هل تعتقدين أن هذه التفاعلات العاطفية الصادقة تؤثر في إحساس الجمهور بالرابط الذي يجمعه بك؟
أعتقد ذلك، نعم. إن أقوى طاقة يصدرها الإنسان ويشع بها هي قوة الأصالة. في عدم حراسة أنفسنا، شيء ما يجعل التواصل أجمل بكثير. لدى كل منّا ما يفضّل إخفاءه، لأننا نظن أننا إذا أظهرناه، سيتم الحكم علينا أو نبذنا. لذلك نشعر بالراحة وبنسمة منعشة حين نجد شخصا لا يخشى أن يشارك نفسه الكاملة والخام. هكذا يترابط الناس، عبر الأصالة والصدق والتعرّضية.
هل يمكنك أن تشاركينا بعض التقنيات أو العادات التي تساعد الفرد على حب نفسه، رغم الصدمات وبعد سنين قسا فيها على ذاته؟
في الواقع، إن القول بسيط، لكن التطبيق صعب مهما حاولنا تبسيطه. العمل على الذات هو تحدّ كبير، ولا سيما حين يتعارض مع ما كان يعرفه الفرد طوال حياته. إن كانت اللغة التي لطالما استعملتها للتحدث إلى نفسك لغة مبغضة للذات، من الصعب تعلّم لغة حب الذات، لأنك ستشعرين بأنك تناقضين كل ما عرفته من قبل.
من المهم إتمام هذا النشاط الذي سأذكره، بالدور، سؤالا تلو الآخر. لا تقرئيها كلها قبل أن تبدئي.
1. اكتبي قائمة مرقمة بأكثر الأشخاص الذين تحبّينهم.
2. هل اسـمك موجود على هذه القائمة؟ وفي حال كان هناك، أي رقـــــــم أنــت؟
3. خصصي لحظة لتشعري بما يعنيه لك جوابك.
4. اكتبي اسمك مباشرة في أعلى اللائحة.
تسلّطين الضوء على أهمية تقبّل التغيير واحتضانه في سبيل عيش حياة أصيلة وصادقة. ما تعريفك للأصالة، وما مدى صعوبة أن يعيش الإنسان حياة أصيلة، على الرغم من التحديات الاقتصادية والاجتماعية اليومية؟
أن تكوني أصيلة يعني أن تكوني وفية لنفسك. في عالم يحددك ويكيّفك بطريقة معينة منذ ولادتك، من غير السهل أن نغيّر تلك التهيئة وذلك التكييف، ومن الصعب حتى أن تتأمّلي في فكرة وجود طريقة أخرى لعيش حياتك. إن السير في الاتجاه المعاكس لما تعلّمته قد يبدو لك وكأنك تتمرّدين أو تقومين بشيء خاطئ. تحتاجين إلى قدر كبير من الاقتناع والإرادة كي تقودي نفسك نحو إجراء التغييرات التي تريدينها أو تحتاجين إليها من أجل أن تعيشي حياة تعكس صدقك مع نفسك.
تلــقـيـــن متــابــعـــة واسـعــــة وقـويــــة على وســـائل التــواصـــل الاجــتـمــاعي، وتـقـــدّمــيــــن الكثـيــــر مـن الـمـحـتـــوى الأصـــلي والأصيل إلى جانب بودكاست ناجح للغاية. برأيك ما هي منصة التواصل الاجتماعي الأكثر تأثيرا اليوم؟ ولماذا؟
إن كل منصة تواصل اجتماعي مؤثرة بطريقتها الخاصة والفريدة، بحسب ديموغرافيات مستخدميها وزوارها.
ازداد الوعي بالصحة النفسية منذ جائحة كوفيد حتى اليوم، وأصبح متاحا أمام الجمهور محتوى لامحدود يتعلق بالتوعية بالصحة العقلية، من منصات التواصل الاجتماعي إلى برامج البودكاست والتطبيقات وغيرها. قد يكون كل ذلك كثيرا ومربكا، فكيف يمكننا أن نبقي تركيزنا في المكان الصحيح، ونكون انتقائيين باختيار المحتوى الملائم الذي نحتاجه من المصدر الصحيح؟
عليك دائما أن تبدئي بسؤال نفسك عما أنت بحاجة إليه. عندما تأتيك المعلومات من كل حدب وصوب، قد تغرّك فكرة استهلاكها كلها، لأنها تبدو مفيدة. والسؤال الذي يجب أن تطرحيه على نفسك هو: هل هذا مفيد لي أنا؟ هل هو مفيد لما أمرّ به أنا؟ وهناك أيضا معيار آخر يجب أخذه بعين الاعتبار عند استهلاك المحتوى الرقمي، وهو يجيب عن هذا السؤال: هل هو محتوى مدفوع بالغرور أم أنه راسخ في الشفاء الأصيل والذي لا يخشى التعرّض والضعف؟ إن هدف المحتوى الموجّه للغرور والأنا، هو أن يُشعرك برضى أكبر نحو ذاتك من خلال تغيير الطريقة التي يراك بها الآخرون، أو من خلال منحك نظرة مغرورة إلى هويتك. إلى حد ما، يمكن أن يكون ذلك صحيا، فلدى كلّ منّا إحساس بالأنا. لكن عيش حياة أصيلة لا تشمل التركيز على الشعور برضى أكبر تجاه نفسك، بل تنطوي على اتباع مشاعرك في اجتياز كل ما تمرّين به، وبقائك حقيقية وصادقة مع نفسك بهذا الشأن، واللجوء إلى قيادتك الداخلية لتتحوّلي خلال الرحلة.
أنا متــأكّــدة من أن آلاف النـــاس شــــاركـــــوك صــراعـــاتــــهــــم وقصصهم الشخصية المرتبطة بحب الذات. هل يمكنك أن تشاركينا قصّة منها تركت وقعا كبيرا في نفسك وقد تلهم قارئاتنا؟
كتبـت عــن هــذه الـقــصــــة في كتـــــاب "الثــابـــت الـوحـيـــد" THE ONLY CONSTANT (سيصدر في 5 مارس). تواصلت معي امرأة، وقالت إنها أخبرت زوجها بأنها ترغب في الطلاق بعد زواج استمر لسنين، وذلك لأنها فقدت هويتها تماما في هذا الزواج. لم تعد تعرف أي طعام أو موسيقى تحب. والتأييد الوحيد الذي كانت تطلبه كان تأييد زوجها، لكنها لم تحصل يوما عليه. وشعرت دائما بأنها "أقل" منه. وحين قالت لزوجها إنها تريد الطلاق، أجابها بأنها تمرّ بانهيار عصبي. وقالت في حديثها لي: "لم يكن انهيارا. لقد كان ارتقاء!".
نشرت العديد من الكتب الناجحة والتي كان لها تأثير كبير على مستوى العالم. ما الإصدار الأحدث من "نجوى ذبيان"؟ وما المشروع الذي تعملين عليه اليوم؟
كتابي الأحدث يحمل عنوان "الثابت الوحيد" THE ONLY CONSTANT. قال الفيلسوف الإغريقي هيراقليطس يوما إنّ: "الشيء الوحيد الثابت في الحياة هو التغيير". ألّفت هذا الكتاب لدعم كل شخص يمرّ بأي نوع من التغيير، ومساعدته على اجتياز هذه المرحلة التحولية بصدق وأصالة، وبرحمة وقيادة ذاتيتين. إنّ التغيير مخيف. وقد نرغب في الاختباء منه عبر التمسّك بالماضي. لكن احتضان التغيير هو السبيل إلى نفض الأفكار القديمة حول هويتك، وعيش حياتك على طبيعتك، على حقيقتك.
ما رســالتك إلى المرأة الشرق أوسطية الطموحة التي تطارد أحلامها؟
سؤال بسيط: إذا كانت لديك إمكانية الاختيار في كل طريقة تعيشين بها حياتك، هل الحياة التي تعيشينها اليوم ستكون إحدى الطرق التي تختارينها؟ ابدئي إحداث التغييرات التي تعرفين أنك بحاجة إلى إجرائها، لتبدئي عيش الحياة التي تريدينها.