الدكتورة نَد قطان Nad Kattan

خاص بـ "هي": الدكتورة السعودية نَد قطّان.. شخصية ملهمة بمجهودات ريادية تدمج بين الصحة والاستدامة البيئية

شروق هشام

تعد الدكتورة السعودية أخصائية السمعيات "نَد قطّان" نموذجا ملهما للسعوديات الطموحات، حيث نجحت بتسجيل اسمها كأوائل السعوديات المتميزات في مجال السمعيات بالمملكة، بل واهتمت بصحة الإنسان من منظور شامل فقامت بمجهودات ريادية في مجال الاستدامة البيئية على مستوى عالمي، لتشارك مؤخرا في رحلة إلى القارة القطبية الجنوبية ضمن مبادرة "هومْوُرد باوند" كواحدة من أوائل السعوديات في هذه المبادرة.. لنتعرف على هذه الشخصية الملهمة وأبرز مجهوداتها الريادية التي دمجت بين الصحة والاستدامة البيئية في حوارها الخاص مع "هي":

عرفينا عن نفسكِ.

الدكتورة نَد قطان ترفع علم المملكة في رحلة القارة القطبية الجنوبية
الدكتورة نَد قطان ترفع علم المملكة في رحلة القارة القطبية الجنوبية

الدكتورة نَد قطّان، أخصائية سمعيات من الرياض، المملكة العربية السعودية، أؤمن بأن جودة الحياة تبدأ من القدرة على الاستماع والتواصل بوضوح.. أسعى من خلال عملي إلى تحسين حياة الأفراد عبر تقديم رعاية سمعية متقدّمة، مرتكزة على الإخلاص، والإتقان، والالتزام بأعلى المعايير الأخلاقية.

على الصعيد الشخصي، أجد توازني بين الانفتاح والانطواء، حيث أستلهم طاقتي من العلاقات العميقة والتجارب الجديدة.. السفر واستكشاف الثقافات المختلفة يثري رؤيتي للعالم، وقد كان لي شرف زيارة جميع القارات السبع، حيث أبحث دومًا عن لحظات الإلهام والاتصال مع الطبيعة والإنسان.

أؤمن بأن الحياة رحلة مستمرة من الاكتشاف والتعلّم، يقودني إليها فضولي اللامحدود ورغبتي في ترك بصمة إيجابية، مهما كانت صغيرة.. اللّطف بالنسبة لي ليس مجرّد تصرّف، بل هو قوة قادرة على إحداث تغيير هادف في الحياة اليومية.

ما هي أبرز المحطات في مسيرتكِ العلمية والمهنية؟

كانت إحدى أهم محطّاتي الأكاديمية حصولي على درجة الدكتوراه الإكلينيكية في علم السمعيات من جامعة نورث وسترن، وهو أحد أعرق البرامج في هذا المجال عالميًّا.. رغم كوني طالبة دولية، تفوّقت أكاديميًّا وأنهيت دراستي بأعلى المعدّلات، ما عزّز ثقتي بقدرتي على تحقيق التميّز.. عقب ذلك، التحقت بزمالة لمدة عام في مركز ييل للسمع والتوازن، الأمر الذي عمّق خبرتي السريرية في التخصص.. كنت من أوائل السعوديين الحاصلين على الدكتوراه الإكلينيكية في السمعيات، وأول سعودية تحصل على تصنيف "استشارية" من الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، وهو إنجاز أفخر به لأنه يعكس مدى التقدم في مجال السمعيات بالمملكة.

على الصعيد المهني، أعمل اليوم في أحد المستشفيات الرائدة في الرياض، حيث أساهم في تحسين حياة مُراجعيني يوميًا.. كما أنني أحرص على المشاركة في البعثات الإنسانية، وأذكر بفخر مهمّتي الأولى في الأردن، حيث قمت بفحص سمع اللاجئين وتزويدهم بمعينات سمعية.. رؤية ابتساماتهم عند استعادة حاسة السمع تظل واحدة من أكثر اللحظات تأثيرًا في مسيرتي.

كيف نشأ اهتمامكِ بالقضايا البيئية، وكيف طوّرتيه؟

بدأ اهتمامي بالبيئة منذ طفولتي، عندما شاركت في مسرحية مدرسية حول حماية غابات الأمازون المطيرة، ما أثار فضولي حول قضايا البيئة والاستدامة.. رغم محدوديّة الفرص البيئية أثناء نشأتي، كنت دائمًا حريصة على اتّخاذ خطوات بسيطة مثل تقليل استهلاك الطاقة وإعادة التدوير بجهود شخصية، بالتعاون مع عائلتي.

مع مرور السنوات، أصبحت أكثر وعيًا بدوري الفردي في حماية البيئة، فاتّبعت أسلوب حياة أكثر استدامة، بدءًا من تقليل استخدام البلاستيك إلى دعم المنتجات الصديقة للبيئة.. في العمل، حرصت على تشجيع زملائي على إعادة التدوير وتبنّي ممارسات أكثر استدامة.. قد تبدو جهودي صغيرة، لكنها تعكس التزامي بإحداث فرق.

عندما أطلقت المملكة العربية السعودية رؤية 2030 التي تضع الاستدامة في صميم خططها المستقبلية، شعرت بأن الوقت قد حان للمساهمة بفعالية أكبر.. انضمامي إلى برنامج "هومْوُرد باوند" كان محطة محورية، حيث تعلّمت عن القيادة البيئية والعمل المشترك لإيجاد حلول مستدامة.. اليوم، أطمح إلى الاستفادة من هذه التجربة لدعم المبادرات البيئية في المملكة وتعزيز الوعي بأهمية الحفاظ على كوكبنا.

كيف يرتبط تخصصكِ بشغفكِ في تحسين حياة الآخرين؟

المجموعة المشاركة في رحلة القارة القطبية الجنوبية
المجموعة المشاركة في رحلة القارة القطبية الجنوبية

السمع ليس مجرد حاسّة، بل هو نافذة للتواصل، والتواصل هو جوهر الحياة.. عملي كأخصائية سمعيات يُمكّنني من إعادة هذه النافذة لمن فقدها، سواءً من الأطفال الذين يبدأون النطق والكلام بعد تركيب المعينات السمعية، أو البالغين الذين يستعيدون ثقتهم بأنفسهم بعد تحسين سمعهم.. رؤية التأثير المباشر لعملي في تحسين حياة المرضي وعائلاتهم هو ما يجعلني شغوفة بهذا المجال.

إلى جانب عملي السريري، أحرص على العطاء من خلال التطوع في حملات إنسانية عالمية، حيث عملت مع منظمات دولية ومحلية في غواتيمالا، إندونيسيا، وتركيا، كما ساهمت في تقديم فحوصات السمع في الأولمبياد الخاص بالإمارات.. هذه التجارب أكّدت لي أن الرعاية الصحية للسمع ليست رفاهية، بل حق أساسي يجب أن يكون متاحًا للجميع، وأشعر بالفخر لكوني جزءًا من الجهود التي تحقق ذلك.

حدّثينا عن رحلتكِ إلى القارة القطبية الجنوبية ضمن مبادرة "هومْوُرد باوند".

"هومْوُرد باوند" هي مبادرة عالمية تهدف إلى تمكين ١٠٠٠٠ امرأة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات والطب/الصحة بحلول عام ٢٠٣٦، من خلال تزويدهن بالمهارات القيادية اللازمة لإحداث تأثير إيجابي عالمي.. البرنامج استمر لمدة عام كامل عبر الإنترنت، وانتهى برحلة استكشافية إلى القارة القطبية الجنوبية، حيث اجتمعنا كقادة وخبراء من مختلف التخصصات.

كانت التجربة غنية بالحوارات العميقة حول التغير المناخي والتحديات البيئية، وشكّلت فرصة للتأمل في أنماط تفكيرنا وسلوكياتنا الشخصية.. عزلة القارة البيضاء كانت تجربة استثنائية، حيث سمحت لنا بالابتعاد عن روتين الحياة والانخراط في نقاشات تركّز على صنع مستقبل أكثر استدامة.. كما أتاح لي البرنامج فرصة التواصل مع نساء ملهمات من مختلف أنحاء العالم، مما عزّز إيماني بأهمية التعاون الدولي لمواجهة القضايا البيئية الكبرى.

كيف يرتبط تخصصكِ العلمي بالمشاركة في هذه المبادرة؟

رغم أن مجال السمعيات قد لا يبدو مرتبطًا بشكل مباشر بالاستدامة، إلا أنه من الجدير بالذكر أن الصحة البيئية تؤثر بشكل مباشر على صحة الإنسان، وهو مفهوم أساسي في نهج "الصحة الواحدة".. التغير المناخي والتلوّث البيئي لهما آثار على الصحة العامة، بما في ذلك اضطرابات السمع الناتجة عن التلوّث الضوضائي، والذي لا يؤثر على صحة السمع فحسب، بل قد يؤثر سلبًا أيضًا على النظُم البيئية والتنوع البيولوجي.. لذلك، انخراطي في هذه المبادرة كان امتدادًا لاهتمامي بصحة الإنسان من منظور شامل.

كذلك، الاستدامة تعني ضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة، وهو ما يتماشى مع رسالتي المهنية في تحسين جودة حياة الأفراد.. أرى أن الاهتمام بالبيئة لا يقل أهمية عن الاهتمام بالصحة، فكلاهما يصب في رفاهية الإنسان. مشاركتي في "هومْوُرد باوند" منحتني رؤية أوضح لكيفية دمج مبادئ الاستدامة في المجال الصحي، وعزّزت لديّ الرغبة في العمل على مبادرات تجمع بين الصحة البيئية وصحة الأفراد، لضمان مستقبل أكثر توازنًا لنا جميعًا.

ما هي أبرز النتائج التي تم تحقيقها في هذه الرحلة الاستكشافية؟

المجموعة المشاركة في رحلة القارة القطبية الجنوبية
المجموعة المشاركة في رحلة القارة القطبية الجنوبية

رحلة القارة القطبية الجنوبية ضمن مبادرة "هومْوُرد باوند" لم تكن مجرّد استكشاف جغرافي، بل تجربة مكثّفة حملت العديد من النتائج المهمة على المستويات الشخصية، والعلمية، والقيادية.

تعزيز التعاون العلمي والعمل الجماعي:

جمعت الرحلة نخبة من النساء القائدات في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات والطب/الصحة من مختلف أنحاء العالم، ما أتاح فرصة لتبادل المعرفة وبحث حلول مبتكرة للتحديات البيئية. كان التركيز على بناء شراكات جديدة لدعم مشاريع الاستدامة عالميًا، وهو ما يعكس أهمية التعاون متعدد التخصصات في مواجهة القضايا البيئية.

تعميق الوعي البيئي واتخاذ إجراءات مناخية:

القارة القطبية الجنوبية هي من أول المناطق التي تظهر عليها آثار التغير المناخي، مما وفّر لنا فرصة لرؤية تأثيراته بشكل مباشر. هذا عزّز الإحساس بالإلحاح تجاه اتخاذ إجراءات مناخية جادة، حيث أصبحنا أكثر وعيًا بالدور الذي يمكن لكل فرد منّا أن يلعبه في الحدّ من البصمة الكربونية ودعم الاستدامة البيئية.

مشاريع ومبادرات مستدامة:

أحد الإنجازات الفورية للرحلة كان إطلاق مبادرة لتعويض انبعاثات الكربون الناتجة عن الرحلة، في خطوة تعكس التزامنا بالمساءلة البيئية. كما تم تطوير أفكار لمشاريع مستقبلية تدمج بين العلوم والقيادة لتعزيز الوعي البيئي والعمل الجماعي.

التطور الشخصي وتعزيز القيادة:

من خلال أدوات قيادية متخصصة مثل "جرد أنماط الحياة" و"خريطة الاستراتيجية الشخصية"، ساعدتنا التجربة على إعادة تقييم أنماط تفكيرنا وسلوكياتنا القيادية، ما عزّز وعينا الذاتي وقدرتنا على إحداث تغيير تحويلي في مجتمعاتنا ومجالات عملنا.

بناء شبكة عالمية من القائدات:

واحدة من أعظم المكاسب كانت بناء روابط قوية مع ١٢٣ امرأة ملهمة من جميع أنحاء العالم، ما أتاح فرصة لتبادل الخبرات وإرساء شراكات طويلة الأمد. هذه الشبكة أصبحت مصدرًا هامًّا للدعم، والتعاون، والإلهام، وستبقى ركيزة أساسية لمشاريعنا المستقبلية في مجالات القيادة والاستدامة.

تتميز المملكة العربية السعودية بدور ريادي في مواجهة التحديات البيئية العالمية ودعم الاستدامة.. هل تعتقدين أن للمرأة السعودية دورًا في ذلك؟

Nad Kattan الدكتورة نَد قطان  - الصورة الرئيسية
الدكتورة نَد قطان Nad Kattan

بلا شك، المرأة السعودية لديها دور رئيسي في دعم الجهود البيئية للمملكة.. الاستدامة مسؤولية جماعية تتطلب تعاون الجميع، رجالًا ونساءً، من جميع القطاعات والفئات العمرية.

المرأة السعودية، بفضل مؤهلاتها العلمية وخبراتها المتزايدة في مجالات البيئة والطاقة المتجددة والبحث العلمي، أصبحت جزءًا أساسيًّا من هذه التحولات.. ومع ذلك، النجاح الحقيقي لا يعتمد فقط على تمكين النساء، بل على العمل الجماعي المتكامل بين جميع أفراد المجتمع لضمان مستقبل مستدام للمملكة والعالم.

تعد هذه المشاركة إنجازا غير مسبوق بالنسبة للمرأة السعودية.. ماهي رسالتكِ للسعوديات الطموحات في مختلف المجالات؟

رسالتي للنساء السعوديات الطموحات: أنتنّ عنصر أساسي في بناء المستقبل. لا تَخَفْنَ من الحلم الكبير، ولا تتردَّدْنَ في اغتنام الفرص الجديدة. مشاركتي في "هومْوُرد باوند" كواحدة من أوائل السعوديات في هذه المبادرة هو دليل على أن المرأة السعودية قادرة على تحقيق إنجازات عالمية والمساهمة في الحلول الكبرى للقضايا البيئية والعلمية.

كوني فضوليّة، لا تتوقفي عن التعلّم، ابحثي عن الإرشاد والدعم، وكوني مستعدة لتحدّي المألوف. نجاحكِ ليس مجرد إنجاز شخصي، بل خطوة إلى الأمام لمجتمعكِ وللأجيال القادمة. المرأة السعودية ليست فقط جزءًا من التغيير، بل هي من تقوده.

من وجهة نظركِ.. هل تعتقدين بأن المجتمعات العربية عمومًا والسعودية خصوصًا قد أصبحت أكثر وعيًا بمفهوم الاستدامة؟

نعم، هناك تحوّل واضح في وعي المجتمع العربي عمومًا والسعودي خصوصًا تجاه الاستدامة. لم يعد هذا المفهوم مجرد نقاش نظري، بل أصبح جزءًا من السياسات الحكومية والتوجهات المجتمعية.

مع رؤية المملكة ٢٠٣٠، أصبح هناك تركيز واضح على الاستدامة، من خلال مبادرات مثل "السعودية الخضراء" و"الشرق الأوسط الأخضر"، والتي تُعدّ دليلًا على التزام المملكة بهذا الهدف، كما أن الاستثمارات الكبيرة في الطاقة المتجددة والتقنيات البيئية تؤكّد على الجدّية في تحقيق هذا التحوّل.

اليوم، نرى وعيًا متزايدًا بين الأفراد والشركات حول تقليل استهلاك الموارد، وإعادة التدوير، والتحوّل إلى بدائل أكثر استدامة.. بالطبع، لا تزال هناك تحدّيات، لكن الاتجاه العام يبشّر بمستقبل أكثر اخضرارًا واستدامة.

ما هي طموحاتكِ المستقبلية؟

طموحاتي تتفرع إلى جانبين: على المستوى المهني، أسعى إلى الاستمرار في تطوير خدمات الرعاية السمعية في المملكة، وزيادة الوعي حول أهمية صحة السمع. كما أطمح إلى المساهمة في توسيع نطاق خدمات السمعيات لتصل إلى الفئات المحرومة، سواء داخل المملكة أو من خلال المبادرات الإنسانية العالمية.

على المستوى الشخصي والمجتمعي، أرغب في مواصلة العمل في المشاريع التي تدمج بين الصحة والاستدامة البيئية، من خلال شبكتي العالمية في "هومْوُرد باوند". كما أطمح إلى تعزيز دور المرأة السعودية في القطاعات العلمية والبيئية، عبر الإرشاد والمشاركة في برامج تمكين القيادات النسائية.

أؤمن بأن التغيير الحقيقي يبدأ من الأفعال الصغيرة لكنه ينمو ليصبح تأثيرًا دائمًا. أسعى إلى ترك بصمة إيجابية، مهما كانت بسيطة، تكون جزءًا من إرث مستدام للأجيال القادمة.

الصور تم استلامها من الدكتورة نَد قطّان.