الفن والهندسة المعمارية والذكاء الاصطناعي: صياغة عوالم لا حدود لها
بقلم: فاطمة الأسعد المعروفة بـ "ستوم" مهندسة معمارية، فنانة رقمية، ومستشارة إبداعية لـ”نيوم"
كَوني مهندسة معمارية أخذتها رحلتها من السعودية إلى الولايات المتحدة، وجدت دائما الإلهام في مزيج الثقافات، وقوة التصميم، والإمكانات اللامتناهية التي توفرها لنا التكنولوجيا. أمارس مهنة الهندسة المعمارية فيما أستكشف في الوقت نفسه الفن الرقمي، مموّهة في أحيان كثيرة الحدود بين الاثنين. خلال مسيرتي الإبداعية، توصّلت إلى احتضان الذكاء الاصطناعي وتقبّله كشريك تعاونيّ يربط بين عوالم الفن، والعمارة، والتصميم، فيتيح لي صياغة مساحات وتجارب هي في جوهرها لامحدودة.
الذكاء الاصطناعي: شريك تعاونّي في صياغة المساحات
في عملي المعماري، لطالما سعيت إلى إنشاء مســـاحـــات تخــــبر قصــــصا، ويشـــــعر النـــــــاس برابـــــــــــط يجمــــعهـــم بهــــا على الصعيـــدين الشخصي والثقافي. التحــــدّي الحقيـــــقي أمـــــام المهنـــــدس المعـــمـــاري لا يشمل فقط بناء الهياكل، بل أيضا نسج التجارب التي تثير العواطف. في الذكاء الاصطناعي، وجدتُ شريكا يمدّد حدود الإبداع، فيسمح لي بتوسيع أفكاري إلى آفاق أبعد.
إن أدوات التصميم القائمة على الذكاء الاصطناعي هي في طريقها إلى إحداث ثورة فعلية في النهــــج الــــذي يتصـــــوّر من خــــلالـــــه المهــــندســـــون أفــــكارهم ويصقـــلـــــونــهــــــا. ســــــــواء أكـــان ذلــــك ــمن خـــلال تحســــين المخــطـــطــــات، أو تحليــــــل العوامل البيئيـــة، أو ابتــــكار نمـــــاذج مرئية ثلاثـــيــــــة الأبــــعاد، يستــــطيع الذكـــــاء الاصـــطـــنــــاعي تمـــكين المصممين بــــدفع حــــدود التصــمـــيــــم. الفكـــــرة ليست استبدال رؤية الممصمم، بل تعزيزها وجعلها أكثر كفاءة وابتكارا .
الذكاء الاصطناعي في الفن: انصهار الثقافة والتكنولوجيا
في دوري كفنانة رقمية، سمحت لي خبرتي ومعرفتي في برامج التصميم الثلاثي الأبعاد وأدوات التصوّر المرئي بالاستكشاف بالفن الذي يوجّهه الذكاء الاصطناعي. لطالما كانت أعمالي الفنية سريالية، ولكن مع الذكاء الاصطناعي، توجهت الى آفاق خيالية جديدة، خاصة بمزج عناصر من ثقافتــي العــربـيـــة، وهــذا شيء دائـمـــا احــــرص عــــلى وجوده في اعمالي. مع هذه التكنولوجيا، أستطيع بشكل اسهل الآن تصور عمل فني معاصر في قلب صحراء العلا او مدينة الدرعية التاريخية. هكذا، أقــــدر بمــــزج الثــــقــــافـــــات والوسائط بشكل اكبر، وأبتدع أعمالا فنية تتحدّى التصنيفات التقليدية.
أحد الجـــوانـــب الأكثــر تشويقا في فن الذكاء الاصطنــــاعي هـــو قــدرته على تحقيق نتائج غير متوقعة. قد تكون في بالي فكرة معيّنة، فقد ارسمها واضع خوام وصورا مرجعية واصفها بالتفصيل، لكن في النهاية قد اصل إلى تفاصيل ربما لم تخطر في بالي. وبذلك، تكون هذه التكنولوجيا معاونا لي. ويكون عنصر المفاجأة بالنسبة لي كفنانة منعشا وفي الوقت نفسه محررا. الذكاء الاصطناعي أداة، ولكنه أيضا ملهم، يحضّني على اكتشاف أبعاد جديدة.
جسر بين الفن والتصميم: بزوغ التصميم القابل للجمع
أنظر إلى المستقبل وكلّي حماس للاستمرار في سد الثغرة بين الفن والتــصميــــم، منطــــــــلقــــة في مفهوم معــــروف باســــم "التصــمـيــــم القابــــل للجمع" collectible design. يشمل هذا التقاطع المشوّق فئة من عناصر التصميم، عادةً في مجالات الأثاث أو الإضاءة أو المنتجات اليومية، والتي يتم إنشاؤها مع التركيز القوي على التعبير الفني وحرفة الصناعة. غالبًا ما يتم إنتاج هذه الأشياء بكميات محدودة أو كقطع فريدة من نوعها، مما يجعلها مطلوبة بشدة من قبل هواة الجمع وعشاق التصميم. فهي تطمس الخطوط الفاصلة بين التصميم الوظيفي والفنون الجميلة، حيث أنها تجمع بين الجمال المبتكر والفريد من نوعه مع المنفعة الوظيفية. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دورا محوريا في هذا المسعى، حيث يقدم قاعدة بيانات واسعة من الأساليب التاريخية والتأثيرات الثقافية للاستفادة منها. ويمكنه تحليل تفضيلات المستخدم، مما يساعد في إنشاء تصميمات تتناسب مع الأذواق المعاصرة. بوجود الذكاء الاصطناعي كشريك إبداعي، يمكنني ايضا أن أجرّب مواد وطرق تصنيع غير تقليدية، وبهذه الطريقة يمكن تصوّر وتحسين تصاميم تتجاوز الحدود والقيود المعروفة.
المجتمع الإبداعي في لوس أنجلس: مصدر إلهام
منحتنـــي إقـــامـــتي في لـــــوس أنـــجـــلــــس فرصة أن أكون جزءا من مجتمع إبداعي متنوع وحيوي. بصالات عرضه، ومهرجاناته الفنية، ومزيجه الغني من الفنانين، كان وما زال المشهد الفني الديناميكي للوس أنجلس مصدر إلهام ثابتا بالنسبة إلي. هو مكان تلتقي فيه الثقافات، وتتدفق فيه الأفكار بحرّية.
الطـــاقة الإبـــداعيـــــة في لــــوس أنجــــلس معــــديـــــة، وتشجّــــعـــــني عـلى الابــتــــكار أكثر فأكثر في عملي. التعاون مع فنانين ومصممين آخرين كان دوما محفّزا للمشاريع المبتكرة البعيدة عن نطاق التقاليد والتي أفتخر بها جدا. أتحمس اليوم كثيرا لاستكشاف إمكانات الذكاء الاصطناعي بشكل اعمق لتسهيل المزيد من هذه المشاريع التعاونية وإنتاج أعمال فنّية تعبر الثقافات والوسائط والحقائق.
بصفتـــي معـمـاريــة، وفنانة، ومستشارة إبداعية، أسير اليوم على درب صياغة عوالم لا حدود لها، باستخدام أي من الأدوات المتاحة لي. إن كان في تصــاميمي المــعمـــارية التي تـتـــجـــاوز المســاحــــات المـــــــادّية، أو في أعمــــالي الفنية المعززة بالذكاء الاصطناعي والجامعة بين الثقافات والوسائط المختلفة، أم في تجربتي مع التصميم القابل للجمع الذي يغشي الحدود بين الفن والوظيفة، يوجّهني إيماني بأن الإبداع لا يعرف قيودا. وفي ظل تحوّل الذكاء الاصطناعي إلى شريك متعاون، أتطلع إلى رؤية أين ستأخذني هذه الرحلة، والأبواب الجديدة في مجالات الفن والعمارة والتصميم.