الرقم الأصعب

الرقم الأصعب

مجلة هي

بداية عام جديد في زمن يعاني فيه قسم لا يستهان به من شعوب العالم، الحروب والأوبئة والفقر والنزوح، وغير ذلك من الأزمات..

ومع تقدّم العلم والتكنولوجيا الناتج عن قدرة الإنسان الإبداعية، لطالما سعت المجتمعات على اختلافها إلى تطوير حياتها بواسطة الأدوات التقنية، بغية تأمين حياة أسهل وتحسين المعيشة، وربما تغيير العالم إلى الأرقى والأجمل والأفضل!

وبقدر ما أسهمت التكنولوجيا في تحسين أنظمة المجتمعات البشرية، خلقت في الوقت نفسه مشكلات وتعقيدات زادت الطين بلّة، وجعلت بعض الأمور تتّجه إلى الأسوأ، وأحيانا إلى ما لم يكن في الحسبان.

ولو سلّطنا الضوء على التكنولوجيا الرقمية التي حققت في العقدين الأخيرين تقدّما هائلا لمسار البشرية، خصوصا في مجالات الاتصالات ونقل المعلومات وسهولة الحصول على المعرفة، يبقى السؤال الأهم: إلى أين؟ لقد أثّرت التكنولوجيا تأثيرا بالغا في ديناميكية مجتمعات العالم برمّتها، وذلك من كل جوانب الحياة، حتى في تفاصيلها الروتينية.

أسئلة كثيرة يطرحها اليوم العلماء، وعلى رأسهم الاختصاصيون في علوم النفس والاجتمــــاع والأنثروبولوجيا، حول إيجابيات التكنولوجيا وسلبياتها على الإنسان. ولا بد هنا من أن نتحدّث في عصرنا اليوم عن حضارة رقمية حدودها الكواكب، وعاصمتها كل منزل، لها ثقافتها ولغتها كما لها أربابها وعشاقها وأبطالها.

من الضروري أن نعي أن أي بحث علمي ينطلق من الإنسان يجب أن يعود إليه، بمعنى أن البعد الأخلاقي يجب ألا يغيب عن الآفاق اللامحدودة لعلم التكنولوجيا عموما والتكنولوجيا الرقمية خصوصا. كما يجب ألا يغيب عن نظرنا أن الذكاء الاصطناعي هو من صنع الذكاء البشري، وبذلك يبقى مفهوم الإنسانية متفوّقا على سائر الاعتبارات الأخرى. ويحضرني هنا قول أمير الشعراء "أحمد شوقي":

"إنما الأمم الأخلاق ما بقيت

 فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا"

وفي معادلة العالم اليوم المدفوع بتكنولوجيا المعلومات، لا بد أن نتذكر أن الهدف النهائي لأي فكر أو نشاط هو الإنسان. والإنسان من حقّه أن يعيش برفاه وسلام؛ أوّلهما سهل التحقيق، فيما الثاني يتّضح جليّا أنه الرقم الأصعب في المعادلة.

Credits

    سوزي الحاج Susie Al-Hajj

    أديبة لبنانية