الرحالة السعودية هيا السماري تكتب لـ"هي": رسالة إلى ابنتي لورا

الرحالة السعودية هيا السماري تكتب لـ"هي": رسالة إلى ابنتي لورا

مجلة هي

لطالما شعرتُ بالتواضع أمام عظمة الجبال واتساع المحيط.عندما أقف أمام قمة شاهقة أو أغوص في أعماق البحر، أشعر بصغري أمام هذا الكون، وأدرك أنني جزء من شيء أكبر، شيء يفوق الفهم، شيء يشبه المعجزة.الجبال بقوتها وصمودها، والمحيط بعمقه وسره، كلاهما يملآنني بالرهبة والاحترام.

واليوم، وأنا أحملكِ، أشعر بنفس الشعور. معجزتي الخاصة، القوة التي لا أراها لكني أشعر بها في كل لحظة. كما أنني لا أتحكم بالمحيط ولا أفرض إرادتي على الجبال، فأنا لا أتحكم بكِ، بل أراقبكِ تنمين داخلي بكل احترام ودهشة.

لطالما سمعنا أن الحمل مرهق، ثقيل، ومحبط. اعتدنا أن نسمع عن صعوباته، ولا أنكر وجودها، لكن لم يخبرني الكثير عن سحره، عن عمقه، عن تلك العلاقة التي تنشأ في الخفاء بيني وبينكِ—علاقة لا يراها أحد، ولا يشعر بها سواي.

كنتِ قبلي، قبل أن تأخذي أنفاسكِ الأولى، قد غيرتِني بالفعل بطرق لا أستطيع تخيلها. أحملُكِ وأتحسس وجودكِ، وأحسستُكِ معي في كل خطوة، في كل تحدٍّ، في كل نبضة قلب، كأنما كنتِ هناك حتى قبل أن تري السماء.

الجميع يتحدث عن ضعف المرأة أثناء الحمل، لكن هذا ليس ما أراه. أشعر أنني أقوى من أي وقت مضى. أن أحملكِ بينما أواصل حياتي—هذا هو المعنى الحقيقي للقوة. أن أتسابق في الجبال، حتى لو كنتُ أبطأ من أي مرة سابقة، لا يجعلني أضعف، بل يجعلني أشعر بقوتي أكثر من أي وقت مضى.

أنا أقوى لأنني مرآة للحياة التي تنبض بداخلي. شكرًا لكِ، جعلتِني أحس أني امرأة خارقة.

أنتِ الدليل الحي على أن الحب والقوة يمكن أن يوجدا في نفس اللحظة. وأننا قادرون على صنع طريقنا الخاص، حتى لو كانت التوقعات مختلفة. أردتُكِ أن تكبري وأنتِ تعلمين أن القوة لا تُعاش فقط في الصلابة، بل في اللين أيضًا.

أريدكِ أن تعرفي أن قوتكِ ليست فيما يفرضه العالم عليكِ، بل في حقيقتكِ، في كل مرة تختارين فيها أن تكوني نفسكِ دون خوف.

حبيبتي، حين تشعرين بالضعف، ارجعي للطبيعة. تسلّقي جبلاً، اجلسي تحت شجرة في صمت، غوصي في البحر لتشعري أنكِ خفيفة وحرة، قادرة.

لا تجعلي العالم يقنعكِ أن العظمة في الأشياء الكبيرة فقط. العظمة تكمن في لحظة تأمل، في ضحكة صادقة، في شعوركِ بالانتماء إلى شيء أكبر منكِ، وثقي أنها ستحتويكِ كلما احتجتِ إليها.

هل تعلمين أنكِ تشبهينني؟ تحملين حب الماء وأعماق البحر كما أفعل. منذ بداية رحلتنا معًا، كلما شعرتُ بالتعب، أغمضتُ عينيّ، وتنفسّتُ في الماء، فيهَدأ جسدي وكأنكِ معي، وكأن البحر يسري فيكِ كما يسري فيَّ.

أردتُ أن أغوص معكِ في أعظم حفرة زرقاء في العالم، DEAN’S BLUE HOLE، حيث يلتقي أعظم رياضيي الغوص الحر، حيث يتمرن والدكِ لكسر أرقامهم، وحيث ستتعرفين على عالمنا قبل أن تبصري الحياة.

أدخل البحر كما أصعد الجبال، بحذر، بإجلال، بحب وتواضع. أعلم أنني أحملكِ الآن، لكن في الحقيقة، أنتِ من تحملينني. تمنحينني القوة، تعلمينني الصبر، تذكرينني أنني جزء من هذه المعجزة التي تسمى الحياة.

لا أطيق الانتظار لأشارككِ هذا العالم—لنقف أمام المحيط ونشعر باتساعه، نتسلق الجبال ونتنفس هواءها النقي. لكن حتى ذلك الحين، سأستمر في الشعور بكِ، بمعجزتكِ، وبالقوة التي وهبتِني إياها.

مع حبي، ماما.