لم يكن الباليه يوما مجرّد رحلة شخصية بالنسبة إلي، بل كان دائما عن العلاقات والروابط التي نبنيها على طول الطريق. كثـيــــرا ما يُعتـــبـــر البــــاليــــه مسعى فــــرديــــا قائـــمـــــا على الانضباط والكمال. أما أنــــا، فلطـــالــــما وجدت أن سحره الحقيقي يكمن في قدرته على جمع الناس.
عندما بدأت قصتي مع الباليه في أيام الطفولة، كنتُ منبهرة تماما بجـــــماله ورقيـــه. لكن ما بـــقي معي حــــــقا لم يكن تعلم الخطوات أو التقنية فحسب، بل كان شعوري بالانتماء. كل حصّة وكل بروفة وحتى اللحظات التي كنا نكافح فيها جميعا من أجل تقديم الأداء الصحيح، جعلتني أشعر بأنني جزء من شيء أكبر. لم يتعلّق الرقص بي فقط، بل بمجتمع مترابط.
كان معهد "جوفري" لرقص الباليه في نيويورك، حيث درست وتعلّــــمت، المـكان الذي تعـــمــــق فيـــه إحســـاســــي بهـــذا الانــتـــمـــاء لمجتمع. كنت محاطة براقصين من كل أنحاء العالم، وعلى الرغم من اختلاف خلفياتنا، تشاركنا الكثير. و لا أقصد فقط حب الباليه، بل أيضا الشكوك والأيام الصعبة والانتصارات الصغيرة التي لم يفهمها أحد من خارج الاستوديو. بالتأكيد، كان التـــنــــافـــس موجــــودا، ولكن تلك الصـداقـــــــات ولحــــظـــــات التشجيع من أشخاص يعرفون بالضبط ما تشعرين به، تبني صلة تبقى معك.
وحــــــــيـــــن عــــــــدت إلى الكـــويــــت، أردت أن أحـــمــــل إلى الآخــــــــــرين هذا الإحساس المجتمعي نفسه. لم يكن الهدف من تأسيس "معهد الفنون الأدائية" مجرد تعليم الناس الرقص، بل ما أردته كان إنشاء مساحة يشعر فيها الناس بأنهم منظورون ومدعومون، ومكان يمكنهم فيه الاتصال من خلال الحركة.
وقــــدرة الــــرقـــــص على تحـــقــيــــق ذلك مــــذهــــلـــــة بالفـــعـــل. يدخل الطــــــلاب إلى الصف وهم لا يعـــــرفون بعضــهم بعضا، وبحلول نهاية الفصل، يكونون قد بنوا صداقات حقيقية. في التعلم معا، والاحتفال معا عندما ننجح أخيرا في تأدية خطوة معيّنة، والضحك معا عندما نخطئ جميعا في الوقت نفسه، هناك شيء ما يــــقــــرّب طبـــيـــعــيـــــا بين الـــنــــاس. فتــــريــــن أطفالا خجولين ينــفـــــــتـــــحون فيما بيـــــنــهم، ويكتـــــسبون المــــــزيد من الثقة، حصّة تلو الأخرى؛ وترين كيف يعيد الكبار اكتشاف متعة تحريك أجسادهم وبهجة التواصل مع الآخرين.

جمال الباليه في كيفية مزجه بين الشخصي والجماعي. لكل شخــــص رحـــلـــــة مختـــــلـــــفـــة، فبعض النـــــاس هنـــا لـــــدفـــع أنفـــسهم والتطور من الناحية التقنية، والبعض الآخر هنا للاستمتاع أو لمجرد إيجاد متنفس من حياتهم اليومية. ولكن بغض النظر عن السبب الذي يدفعك للبدء، ينتهي بك الأمر بمشاركة شيء ما مع مَن حولك. وتذكّرك اللحظات الصغيرة بأنك بينما تعملين على تطوير نفسك، أنت أيضا جزء من فريق ومن مجتمع.
هذا هو ما يبقينـــي شغوفة بالرقص. لقد علمني الباليه الكثير من الصبر والتحمّل وكيفية النهوض بعد الفشل. لكن الدرس الأكبر كان رؤية مدى قوة التكاتف والاتحاد والاتصال. رأيت غـــــربـــاء يصبـــحـــون أصــــدقـــــــاء، وطـــلابا يخـــرجــــون من قوقعتهم ويزدادون ثقة.
بالنسبة لي، هذا أكثر ما يميّز الباليه، الذي ليس فقط رقصا بل هو انتماء أيضا. وهذا الشعور، هذا الإحساس بأنك جزء من شيء أكبر، هو ما يجعل كل شيء ذا معنى وهدف. وهو السبب الذي أوقعني في حب الباليه من الأساس، ولذلك أنا متحمسة جدا لتشاركه مع الآخرين.
ففي نهاية المطاف، المهم ليس فقط إتقان التقنية أو الأداء على المسرح، ولكن أيضا الروابط التي تنسجينها والطريقة التي يمكنها أن تغيّرك. وبصراحة، هذا ما يجعل كل ذلك يستحق العناء.