الفنانة التشكيلية لارا أغوبيان تكتب لـ"هي": القوة الشفائية للفن

الفنانة التشكيلية لارا أغوبيان تكتب لـ"هي": القوة الشفائية للفن

مجلة هي
3 فبراير 2025

العافية ليست مجرد كلمة شائعة؛ إنها ضرورة. ومع ذلك، قد يبدو العثور عليها أحيانا مستحيلا، في عالم محمّل بالعبء والغموض. يمكن لتحديات الحياة أن ترهقنا، مراكمة الضغوط طبقة تلو الأخرى، من تلك الشخصية مثل وظائفنا وعائلاتنا وعلاقاتنا وصحتنا النفسية، إلى الخارجية مثل بيئتنا والأزمات المحلية ومتطلبات المجتمعات التي نعيش فيها. وأخيرا، هناك الطبقة العالمية مثل الحروب والتغيّر المناخي والأوبئة، وهي قوى تشكّل حياتنا بطرق لا يمكننا دائما توقعها. على كل مستوى، قد تثقل تلك الضغوط كاهلنا وتتركنا في حالة بحث عن الوضوح، والاتصال، والأمل.

بالنسبة لي، إن الفن هو المرساة التي تبقيني ثابتة. فهو ليس مجرد مهنة، بل هو طريقتي لاستيعاب العالم واكتشاف الأمل حتى في أحلك اللحظات. وسواء كان ذلك من خلال وضع بسيط للألوان بالفرشاة على لوحة أو تجريب تقنيات جديدة، سمح لي الفن بالعثور على النور وسط الشك والمجهول. وكلما انغمست فيه أكثر، أدركت أن الفن لا يقتصر على الإبداع فحسب، بل هو وسيلة للشفاء.

وقد اتّضحت لي هذه الدراية بشكل خاص خلال الحرب في لبنان. في ذلك الوقت، كنت أعمل متطوعة ميدانية ضمن مبادرة رائعة جمعت أشخاصا من جميع مناحي الحياة. كنا فريقا من أفراد عازمين على إحداث فرق، مهما كان بسيطا، وسط بحر من الفوضى. وذات يوم، في خضم عملنا الكثيف، قررنا إدخال الفن إلى مبادرتنا. فوضعنا لوحتين فارغتين ودعونا الجميع، من متطوعين ومارّة غرباء وأشخاص لم نقابلهم، للمشاركة.

ما حدث بعد ذلك كان استثنائيا بكل معنى الكلمة. في البداية، كان التردد يملأ الأجواء، وكان البعض يقول لنا: "لا أعرف كيف أرسم" أو "لا أملك أي موهبة إبداعية". ولكن بمجرد أن أمسكوا بالفرشاة، اختفت تلك الأصوات الداخلية. وصارت الفرشاة والألوان دعوة إلى إطلاق العنان للنفس وللإبداع ببساطة.

ومع ظهور ضربات الألوان على الكانفاس، بدا لنا كأن فوضى العالم الخارجي تضمحل. لتلك الساعات القليلة، أصبح فعل الرسم وسيلة لتحرير النفس، وطريقة لمعالجة المشاعر التي كانت مدفونة تحت طبقات من التوتر وعدم اليقين. حلّ الفرح محل التردد، وتحوّل الخوف إلى حرية. وفي نهاية تلك التجربة، صارت لوحتا الكانفاس الفارغتان أعمالا فنية جماعية نابضة بالحياة، ومليئة بقصص الأمل والصمود والحب.

أكثر ما أثر فيّ كان التأملات التي تلت ذلك، فتحدث الناس عن التأثير العلاجي لهذه التجربة، حتى في وقت قصير. وقال أحدهم: "لم أظن يوما أنني أستطيع الرسم، ولكنني بعد الآن لا أريد التوقف." بالنسبة لبعضهم، كانت هذه المرة الأولى التي يسمحون فيها لأنفسهم بالابتعاد عن مسؤولياتهم والتركيز على شيء يخصّهم هم فقط. ولآخرين، كانت هذه التجربة تذكيرا بقوتهم الداخلية وإبداعهم وقدرتهم على الفرح، حتى في المحن.

هنا تكمن قوة الفن. الأمر لا يتعلق بالمهارة أو التدريب أو صنع شيء مثالي، بل يتعلق بالتعبير، ومنح نفسك الفرصة للخطو خارج فوضى الحياة، والنظر إلى العالم وإلى ذاتك من زاوية مختلفة.

الفن في كل مكان. نصيحتي؟ العافية لا تتطلب أفعالا كبيرة. ابدئي بخطوات صغيرة، واحتضني كل ما يشعل شرارة إبداعك. ربما يعني ذلك حمل فرشاة والتجريب بالألوان؛ أو ربما يكون شيئا مختلفا تماما، مثل الرقص على أغنيتك المفضلة، أو الرسم باستخدام أقلام التحديد الخاصة بأطفالك، أو حتى تصوير فيلم قصير على هاتفك. قد تحاولين كتابة قصيدة، أو تركيب كولاج، أو التسجيل في دورة لتعلم صناعة الفخاريات التي لطالما كنت مهتمة بها. يأتي الفن بأشكال لا حصر لها، ولكل منها القدرة على منح الاستقرار والإلهام والشفاء.

بالنسبة لي، إن كل قطعة فنية أبدعها هي انعكاس لرحلتي، لرحلة محفوفة بالتحديات والشكوك وفي النهاية، بالأمل. المطلوب ليس محو الظلام بل إيجاد النور في داخله. هذا هو الدرس الذي آمل أن أشارككم إياه، بغض النظر عما نمر به، هناك دائما طريقة لإبداع شيء هادف منه.

إلى كل مــــن تشــــعـــــر بالــتـــــردد، أود أن أقــــــول: لا تــــخـــــــــافي من المحـــــاولـــــة. قـــابــــــلت الكثيــــر من الأشخاص الذين قالوا إنهم ليسوا مبدعين أو إنهم لا يستطيعون ممارسة الفن، ولكن الإبداع ليس شيئا إما أن تمتلكيه أو لاً، بل هو شيء تغذّينه. وبمجرد أن تبدئي بتلك الخطوة الأولى، قد تتفاجئين بما تكتشفينه عن نفسك.

خلال لحظات الرسم وسط الحرب، لمست التأثير المذهل الذي يمكن أن يـــتـــــركـــــــــه الفــــن على الناس. ولا أتحـــدث عن اللوحات نفسها فقط، بل عن العملية الإبداعية، وعن توفير لحظة للتنفس والانفصال عن ضغوطهم وإعادة التواصل مع أنفسهم وفيما بينهم. هنا نجد المعنى الحقيقي للعافية، وهو إيجاد طرق للتركيز على نفسك، وتحقيق التوازن الداخلي، حتى عندما تشعرين بأن عبء العالم ثقيل جدا.

الفن في كل مكان. إنه في إيقاع الموسيقى، وألوان غروب الشـــــمـــــس، ومـكـــــونـــــات وجــــبـــــة رائــــعـــــة، وخــــامـــــات الــقـــمـــــاش، والقصص التي نرويها. هو موجود في اللحظات الهادئة التي نقتطعها لأنفـسنا لنصنع شيئا ما، مهما كان صغيرا. وفي تلك اللحظات لا نجد التنفيس فحسب، بل نجد فيها التجدد، وتذكيرا جديدا بأننا قادرون على الصمود والإبداع وإيجاد الأمل حتى في أصعب الأوقات.

لذا، لا تترددي، اقفزي، واستكشفي. بالطلاء، أو الطين، أو الطعام، أو الكلمات، أو الحركة، دعي الفن يكون مرشدك. لست بحاجة إلى أن تكوني خبيرة؛ ما عليك سوى أن تبدئي. وعند قيامك بذلك، قد لا تكتشفين هواية أو شغفا جديدا فحسب، بل قد تكتشفين أيضا مسارا للتوازن والثبات وشفاء الروح واحتضان جمال الحياة، حتى في تحدياتها.