د. فاطمة المغلق سفيرة الطلاب السعوديين المبتعثين في أستراليا لـ"هي": أسعى لتوظيف علمي لتحقيق رؤية 2030

حوار: "سڤانا البدري" Savanah Al Badri
تصوير: زينب النابود

د. فاطمة المغلق من الطالبات السعوديات المبتعثات اللاتي حولن الاجتهاد والمثابرة إلى دافع قوي للتحدي ونيل شهادة الدكتوراه العليا في وقت قصير في أحد أهم التخصصات على مستوى العالم، وهو "إمكانية استخدام (الإكسوزوم) أداة للتشخيص الأولي لكثير من الأمراض وآثاره في الصحة".
حلمها السعي في توظيف علمي لتحقيق رؤية 2030 والمساهمة في زيادة رفعة الوطن. مجلة "هي" التقتها في لندن لتحدثنا عن تجربتها الدراسية ومشروعها المميز من نوعه.

في سابقة هي الأولى من نوعها قدمت للحصول على شهادة الدكتوراه مباشرة بعد حصولك على البكالوريوس، وفي أحد أهم التخصصات، وهو التقنية الحيوية. حدثينا عن محتوى رسالتك إمكانية استخدام "الإكسوزوم" أداة للتشخيص الأولي لكثير من الامراض.
حصولي على مرتبة الشرف الأولى في بحث تخرجي في البكالوريوس، كان السبب في قبولي للتقدم لنيل شهادة الدكتوراه مباشرة بعد إكمالي البكالوريوس. هذا القبول شكل تحديا كبيرا لي، خصوصا أن مشروع بحث الدكتوراه كان ضمن مشروع ضخم بالتعاون بين جامعة كوينزلاند في أستراليا وشركة DairyNZ في نيوزيلاند، ومدعوما من شركة shimadzu اليابانية. أما رسالتي، فكانت تدور حول إمكانية استخدام "الإكسوزوم" أداة للتشخيص الأولي للأمراض، بل وحتى الشخص المعرّض لخطر الإصابة بالمرض. أثار "الإكسوزوم" في الصحة كانت من صميم اهتماماتي، لكونه يُستخلص من خزعة سائلة من الجسم، وبذلك نتمكن من خلال الخزعة تحديدا من التعرف إلى المؤشرات الحيوية للمريض. رسالتي كان لها دور مهم، إذ طورت معرفتنا بـ"الإكسوزوم" ودوره الفعال في تحديد الحالة الصحية للمخلوقات الحية، وضمت خمس عشرة ورقة بحثية (خمس ككاتب أول، و ١٠ ككاتب مساند).
يبدو أن لـ"الإكسوزوم" دورا حيويا مهما جدا فما هو؟
"الإكسوزوم" هو جسم صغير تنتجه جميع الخلايا الحية، ويقدر حجمه بين 30 و 100 نانومتر. ويمكن تشبيهه بساعي البريد، فهو مثل الكبسولة يحمل داخله مركبات حيوية مثل البروتينات، والهرمونات، والجينات وغيرها، ويحافظ عليها ويضمن نقلها كما هي، بوصفها رسالة حيوية إلى خلايا أخرى معينة في جسم الكائن الحي. وعلى إثر ذلك فإن "الإكسوزوم" يمكن استخلاصه من سوائل الجسم أثناء انتقاله من خلية إلى أخرى. تعود الاكتشافات والملاحظات الأولى لـ"لإكسوزوم" الى ثلاثين عاما مضت، وكان الاعتقاد السائد آنذاك أن الإكسوزوم ببساطة يعمل فقط للتخلص من فضلات الخلايا، ولكن شهدت الأعوام الخمسة عشر الأخيرة تطورا كبيرا في البحوث، واكتُشفت الوظيفة الحيوية الفعلية لـ"الإكسوزوم"، وهي تتلخص بأن خلايا الجسم تتصل فيما بينها بواسطة "إكسوزومات" محملة بمعلومات حيوية مهمة، كالجينات أو البروتينات. وهذه آلية تواصل جديدة بين خلايا الجسم. وهذا ما فتح مجالا واسعا علميا.

مجال "الإكسوزوم" فضاء علمي جديد، تُعقد عليه الكثير من الآمال العلمية المستقبلية لتحقيق معادلة الوصول لطرق تحميل "الإكسوزوم" بصفته معالجا، بمعنى أن الجسم يعالج نفسه بنفسه، هل لك أن تبسطي لنا الفكرة وما توصلت إليه الأبحاث؟
مع تقدم الطب والبحوث العلمية تطور الطب الحيوي، وأُجريت دراسة على "الإكسوزوم" ليس فقط باعتباره أداة لتشخيص الأمراض، بل أداة لعلاج الأمراض كمرض السرطان. يجري استخلاصه من سوائل الجسم للمريض مثل الدم، بتقنيات وأجهزة خاصة داخل المعامل البحثية. ويعمل الباحثون على تحميل أدوية أو جينات معينة بغرض العلاج. وتسعى الآمال العلمية المستقبلية لتحقيق القدرة للوصول إلى الطرق الأفضل لتحميل "الإكسوزوم" بما يراد له منها، ثم حقنه مجددا للمريض لمعالجة الخلايا المريضة فقط دون المساس بالخلايا الأخرى السليمة.


وهل يختلف محتوى "الإكسوزوم" في الشخص المصاب عنه في المحتوى لدى الأصحاء؟
نعم، يختلف "الإكسوزوم" في الشخص المصاب عنه في الشخص غير السليم. وليس فقط ذلك، وإنما يختلف محتوى "الإكسوزوم" بين المرأة الحامل وغير الحامل ومراحل الحمل. ويختلف محتواه كذلك في مراحل الأمراض. "الإكسوزوم" يمثل أداة فعالة للتشخيص المبكر لبعض الأمراض مثل السرطان.

مشروع بحثك لشهادة الدكتوراه كان مميزا نوعا ما، ضمن مشروع ضخم بين جامعة كوينزلاند في أستراليا وشركة DairyNZ في نيوزيلاند، إضافة إلى الدعم من شركة shimadzu اليابانية. حدثينا عن هذا التعاون الدولي، وكيف ستوظفين هذه الخبرة التقنية لخدمه بلدك الأم عند العودة؟ وهل هذا التخصص موجود في السعودية؟
تعاون دولي من هذا النوع كان فرصة عظيمة لي، فكثير من طلاب الدكتوراه لم تتح لهم فرصة كهذه! تجربة دولية كهذه هي تجربة فريدة في مجال الصناعة، ولا تقدر بثمن. في ظل أزمة "كوفيد - 19 " كثير من الوظائف تعطلت، ولكن هذا لم يمنعني من خدمة وطني. أنا الآن أعمل باحثة متطوعة في مستشفى الملك فهد التخصصي، لأوظف ما تعلمته في الخارج في خدمة وطني. وأتمنى أن أرد ولو شيئا بسيطا لوطني الغالي.
مُنحت لقب سفيرة الطلاب المبتعثين من جامعة كوينزلاند الأسترالية من بين 28 طالبا مبتعثا، حدثينا عن هذا اللقب. وكيف وظفتِ اللقب لخدمة مهمتك الدراسية ومساعدة زملائك المبتعثين؟
حظيت بلقب سفيرة الطلاب، وهو لقب فخري قدمه لي عمدة مدينة برزبن ضمن برنامج تنفذه حكومة برزبن لاختيار سفير يمثل كل جالية، ليكون بمنزلة حلقة وصل بين جاليات الطلبة الدارسين بمدينة برزبن وحكومة المدينة، وبهذا اللقب حظيت بشرف تمثيل المبتعث السعودي في هذا البرنامج. وكان من ضمن مهامي التي يشملها هذا اللقب تعريف الطلاب المستجدين بمدينة برزبن، وبخيارات السكن ونمط الحياة فيها. وسعيت لإيصال الصورة الحقيقية للمرأة السعودية القوية.
لديك العديد من الأبحاث المنشورة، ما شروط النشر في المجلات العلمية؟ وما مدى أهميتها للطالب المبتعث؟
خلال دراستي للدكتوراه نشرت عددا من الأبحاث في مجلات علمية محكمة مثل Scientific Report من مجموعة Nature البريطانية، المعروفة بمكانتها العلمية المرموقة عالميا. النشر في مثل هذه المجلات العلمية المحكمة، هو جزء مهم جدا ومكمل يجب على كل طالب دكتوراه التركيز عليه إن سنحت له الفرصة. فمن خلاله يثبت الطالب أن نتائج رسالته هي ذات قيمة عالية في مجاله. فالنشر في مجلة ذات جودة عالية، يتطلب أن تكون منافسا لباحثين أكثر خبرة منك. فقدرتك على النشر تبين مدى معرفتك وإلمامك بمجالك وقدرتك على التطوير في مجال بحثك.
واضح جدا أن لديك رغبة شديدة للتعلم واستكشاف كل ما هو جديد، حدثينا عن مشروعك الآخر محاكاة التواصل بين الجنين والأم على الرغم من أنه ليس من ضمن أطروحتك.

صحيح، أطروحتي بعيدة كل البعد عن هذا المشروع، ولم تكن ضمن رسالتي للدكتوراه، ولكنني أحببت المشاركة رغبه مني، وكنت مصرّة على العمل فيه. فمشرفي في الدكتوراه هو باحث في الإنجاب عند المرأة والأمراض التي تؤثر في الحمل. أحد أحلامي أن أكمل أبحاثي في المستقبل في مجال الحمل لمساعدة النساء الذين لديهم مشكلات في الحمل. كان المشروع بسيطا، وشاركت بنتائجه في مؤتمرات دولية في أستراليا وفرنسا وكندا. وحصلت على جائزة من المؤتمر الدولي في كندا على هذا البحث سنة 2020.
ما أهم المعوقات التي صادفتك خلال رحلتك الدراسية؟
لكل تجربة جوانب إيجابية وسلبية، وعلى الرغم من غنى التجربة، لا بد أن تكون هنالك بعض الصعوبات. من أهم المعوقات التي واجهت رحلتي الدراسية، الموازنة بين الحياة الدراسية والخاصة، والتي هي معاناة أغلبية طلبة الدكتوراه، عندما تصل إلى مرحلة من الانغماس في المشروع، ترين نفسك مستغرقة في العمل حتى ساعات متأخرة من الليل ولأيام متواصلة، وهو ما يزيد من كفة حصيلة ساعات العمل المكتبي. لذا أجبرت نفسي أن استقطع ساعة في اليوم لممارسة الرياضة، وكذلك رؤية أصدقائي خارج مقر العمل في عطلة نهاية الأسبوع. وكذلك اشتركت في نشاطات مختلفة، مثل العمل مع النادي السعودي أو التطوع بوقتي في مجالات اجتماعية أو رياضية.
ما انطباعك عن مشروع الرؤية المستقبلية المنشودة للسعودية 2030 ؟ ماذا ستضيف للمرأة السعودية؟
المرأة السعودية تعد عنصرا مهما من عناصر القوة في المجتمع، وكذلك لها دور كبير في قيادة التغيير الذي يعيشه الوطن. لذلك من أهم أهداف رؤية 2030 تمكين المرأة السعودية في المجالات التنموية ومن ثم الإسهام في تنمية مجتمعنا واقتصادنا. أسعى لتوظيف علمي لتحقيق رؤية 2030 ، وأطمح إلى أن أسهم في زيادة رفعة الوطن.

من أين تستمد فاطمة قوتها وصبرها لإكمال مسيرتها الشاقة والجميلة في آن واحد؟
من عائلة محبة وأصحاب أوفياء.