حوار مجلة "هي" مع المديرة العامة لهيئة الشارقة للمتاحف منال عطايا
في لقاء مميز وممتع، نتعرّف عن قرب إلى منال عطايا، المديرة العامة لهيئة الشارقة للمتاحف التي تعمل في إدارة التراث الثقافي وتطوير المتاحف، والدبلوماسية الثقافية لأكثر من 15 سنة، ومن خلال موقعها بصفتها المديرة العامة لهيئة الشارقة للمتاحف، تشرف على إدارة 17 متحفا في إمارة الشارقة، واتباعا لتوجيهات الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة، تعد الهيئة مسؤولة عن التطوير الاستراتيجي لمشاريع المتاحف المستقبلية، وتعزيز الشراكات مع مجتمع المتاحف الدولي، وتقديم أفضل الممارسات في خدمات المتاحف. وتغطي المتاحف حاليا الثقافة والتاريخ الإسلامي، الفنون، التراث، التاريخ البحري، الآثار، العلوم وتعليم الأطفال. عطايا، كشفت لنا عن أبرز الخطوات التي تعتمدها الهيئة لتعزيز مكانة المتاحف باعتبارها منصات ومراكز تعليمية وترفيهية للطلبة ولجميع أفراد المجتمع.
يعرف عن إمارة الشارقة نشاطها الاستثنائي في مختلف المجالات الثقافية وباتت لها مكانة عالمية في هذا المجال، كيف أسهمت هيئة الشارقة للمتاحف في تعزيز هذه المكانة الثقافية عربيا وعالميا؟
انطلاقا من مقولة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة "المتاحف وجدت لتكون مدرسة لأبنائنا والأجيال القادمة". فإن الهيئة تعمل وفق خطط واستراتيجيات، لتعزيز مكانة المتاحف كمنصات ومراكز تعليمية وترفيهية للطلبة ولجميع أفراد المجتمع. ولا شك أن للمتاحف دورا مهما في نشر الثقافة في المجتمع والحفاظ على التراث بتنوعه الفني والتاريخي، فهي مراكز ثقافية وقيمية ذات أدوار ووظائف مختلفة لنشر رسالة عالمية، ولذا فإن المتاحف تشكل مراكزا للحفظ والدراسات والتأمل في التراث والثقافة، ومنصات لتنظيم الفعاليات والمعارض التي تواكب الحراك الثقافي وترفد زخمه المتنامي، ومن هذا المنطلق حرصت هيئة الشارقة للمتاحف على أداء واجبها المنوط بها، وتعزيز الواقع الثقافي، ورفده بالعديد من المعارض ووورش العمل، والأنشطة والفعاليات المتنوعة والبرامج المجتمعية، التي تشمل الفنون والثقافة الإسلامية، وعلوم الآثار والتراث، والعلوم والأحياء المائية، وتاريخ إمارة الشارقة ودولة الإمارات العربية المتحدة، عبر المقتنيات التي تستعرضها المتاحف المنضوية تحت مظلة الهيئة، وتوسيع قاعدة الشراكة والتعاون على الصعيدين الإقليمي والعالمي في كل ما يتعلق بالقطاع المتحفي، والفني وغيرها.
كما بادرنا في هيئة الشارقة للمتاحف في وقت مبكر إلى وضع سياسات واستراتيجيات خاصة تستهدف كبار السن وذوي الإعاقة، بهدف صياغة ثقافة متحفية ضمن بيئة مواتية وثرية، قادرة على تلبية احتياجاتهم، ورغباتهم، وتقديم الخدمات التي تسهل عليهم زيارتها، والتعرف إلى مقتنياتها بيسر وسهولة.
ما أبرز متاحف الشارقة التي استقطبت الجمهور من مختلف الخلفيات؟
تعتبر إمارة الشارقة واحدة من أكثر المناطق التي تزخر بالمتاحف، نظرا لإدراكها أهمية المتاحف في توثيق تاريخ المجتمع وحاضره، ولذا فإن المتاحف المنتشرة في الإمارة متنوعة وثرية، فمنها ما يستعرض تراث وتاريخ الحضارة الإسلامية من خلال مقتنيات نادرة، كمتحف الشارقة للحضارة الإسلامية، ومنها ما يتناول تاريخ الطيران في المنطقة كمتحف المحطة، وكذلك متحف الشارقة للآثار الذي يعتبر أول متحف متخصص يروي تاريخ الشارقة العريق؛ ويستعرض حياة الإنسان في المنطقة منذ العصر الحجري، وحتى ظهور الإسلام على أراضيها، أي ما يعود لأكثر من 125 ألف عام، وهو ما يعكس رؤى الشيخ االدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجاس الأعلى حاكم الشارقة، واهتمامه الشديد بالآثار وحرصه على حفظها، وتعريف الجمهور بها، باعتبارها كنزا لا يقدر بثمن. ومتحف الشارقة للآثار، كما تحتضن الإمارة متحف الشارقة البحري، ومربى الشارقة للأحياء المائية، اللذين يستعرضان أنواع الكائنات البحرية التي تزخر بها مياه الخليج والتراث البحري، فضلا عن متحف الشارقة التراث الذي يسلط الضوء على تراث الدولة، إضافة إلى متحف الشارقة للفنون الذي يركز على الفن بمختلف أشكاله، ومتحف الشارقة للخط الذي يقدم تاريخ الخط العربي، ويبرز دوره الفني على مر التاريخ، إلى جانب متحف الشارقة للسيارات القديمة، المقصد المثالي لعشاق وهواة السيارات الكلاسيكية، ومتحف بيت النابودة الذي يلقي الضوء على التصاميم المعمارية الأصيلة للبيت الإماراتي التقليدي، وعاداته وتراثه، إضافة إلى العديد من المتاحف التي تهدف جميعها إلى إثراء المشهد الحضاري والثقافي في الدولة.
وماذا عن الفعاليات التي حظيت باهتمام الجمهور؟
نظمنا مؤخرا معرضا منفردا للفنانة التشكيلية الجزائرية الراحلة باية محيي الدين، ضمن سلسلة معارض علامات فارقة التي بدأت الهيئة بتنظيمها منذ أكثر من عقد من الزمن. يستعرض المعرض أكثر من 70 عملا إبداعيا من أعمالها الفنية التي أثرت المشهد الفني العربي والعالمي، ولا يزال المعرض مستمرا، كما نظمنا بالتعاون مع معهد إفريقيا في الشارقة، معرضا للفنانة الفوتوغرافية الإثيوبية عايدة مولوني، تحت عنوان "العودة للوطن: رحلة في التصوير الفوتوغرافي"، بهدف إبراز الدور الريادي للمرأة، وتجسيدا لثقافة لغة الحوار الحضاري، ودعم أعمال المبدعات.، فضلا عن تنظيم المعرض الفني "وأصبح الخيال حقيقة"، المستوحى من خيال الكاتب والشاعر الدنماركي هانز كريستيان أندرسن، حيث احتفى بحياة أندرسن وأعماله بطابع تفاعلي يحاكي أسلوب الكاتب، الذي يستحضر عالم الخيال السحري ويمزجه بالواقع بطريقة تعكس قدرة فريدة على سرد القصص ونقل الحكايات الشعبية المرتبطة بالعديد من الثقافات بطبيعية وتلقائية، ليقدم الكاتب للعالم مجموعة من القصص والأعمال الأدبية الأكثر ترجمة وانتشارا في العالم، وهذا المعرض تم تنظيمه من قبل المجلس الإماراتي لكتب اليافعين، بالتعاون مع هيئة الشارقة للمتاحف.
كما أن الهيئة وفي سياق مسؤولياتها المجتمعية، نظمت معرض" كنوز من متاحف الشارقة"، في مقر المؤسسة العقابية والإصلاحية في الشارقة، لرفع الوعي الثقافي والتاريخي لدى نزلاء ونزيلات المؤسسة العقابية والإصلاحية، وتعزيز دور المتاحف نحو مختلف شرائح المجتمع الإماراتي، فضلا عن ورش العمل المستمرة على مدار العام، والجلسات الحوارية، والمحاضرات التوعوية، والمسابقات والأنشطة التفاعلية التي تستقطب الكثيرين، إضافة إلى إطلاقنا لسلسلة سوا، ضمن برنامج الهيئة السنوي "أكاديمية علم المتاحف "سوا" أو معا باللغة العربية الفصحى، إضافة إلى تخصيص العديد من المبادرات المخصصة لذوي الإعاقات المختلفة، كالبرامج الخاصة بلغة الإشارة ومبادرة "متاحف صديقة لذوي التوحد، حيث تم تخصيص برامج تعليمية تتناسب مع قدرات وإمكانيات المستهدفين، وضمان تفاعلهم واستفادتهم من مقتنيات المتاحف.
برأيك هل أثرت سيطرة مواقع التواصل الاجتماعي على حياة الشباب في تراجع اهتماماتهم الثقافية؟
يمكن القول إن الواقع الافتراضي سلاح ذو حدين، وإذا جرى توظيفه بشكل إيجابي، فإنه سيكون داعما مهما للمشهد الثقافي، فعلى سبيل المثال لا الحصر، عمدنا في هيئة الشارقة للمتاحف إلى الاستفادة من وفرة الخيارات التي يتيحها الواقع الرقمي، فأطلقنا الكثير من الأنشطة والمسابقات التفاعلية، ونظمنا جولات افتراضية، وعقدنا مؤتمرات عالمية وجلسات توعوية، وورش العمل، بما يخدم توجهاتنا في دعم الحراك الثقافي، وتحويل التكنولوجيا الحديثة وما تقدمه من وسائل اتصال وتواصل حديثة نحو رفد الواقع الثقافي، ومن واقع التجربة فقد حظيت الفعاليات والأنشطة التي أطلقناها افتراضيا على اهتمام واسع، واستقطبت آلاف الزوار من مختلف الفئات العمرية التي شاركت في الأنشطة والفعاليات الافتراضية، ولا سيما أننا نظمناها بما يتلاءم مع متطلبات مختلف الفئات العمرية.