رؤية نقدية ـ "لص بغداد".. ليس كل ما يلمع على شاشة السينما فناً!
تعتمد أفلام المغامرات بصورة أساسية على تقديم مشاهد متقنة ومبهرة، جوهرها المؤثرات البصرية والسمعية، والمجازفات والمعارك، وهذه العناصر هى الإطار الذى يروي الحكاية، وهى حكاية بسيطة في الغالب، لكنها مسلية، وفيلم "لص بغداد" من هذا النوع، فيلم تٌجاري مصنوع للتسلية، وهو يروي حكاية مُغامر يبحث عن كنز الإسكندر الأكبر المجهول؛ المفترض أنه مدفون في مقبرة الإسكندر؛ ومثل كل أفلام مغامرات البحث عن الكنوز التقليدية، هناك تركيبة هدفها رفع سقف إبهار المشاهد، وهناك سيناريو يعتمد حبكة ذكية وجذابة، والإبهار والحبكة هما جناحى فيلم المغامرات والأكشن، ولو كان أحدهما ضعيفاً سيختل توازن الفيلم، ويحدث كثيراً أن يراهن فيلم المغامرات على المؤثرات والخدع وحركات المجازفين، ويتراخى اهتمامه بالعناصر الأخرى؛ وتكون النتيجة فيلم من نوعية "لص بغداد".
حكاية البحث عن الكنز
يحمل فيلم "لص بغداد" نفس عنوان فيلم هوليوودي شهير، هو فيلم The Thief of Bagdad، إنتاج 1924، وتمت إعادته في نُسخة شهيرة عام 1940، وقصة الفيلمين تجمع بين الرومانسية والمغامرات، وهي مقتبسة عن حكايات ألف ليلة وليلة، ولكن الفيلم المصري لا علاقة له بالفيلم الأمريكي القديم، ولا يمت بصلة لحكايات ألف ليلة وليلة أيضاً، ورغم ملامحه الهوليوودية في الشكل والتنفيذ، لكنه يقتبس قصة لا تبتعد كثيراً عن التاريخ الشرقى؛ وهى قصة تاريخية مُسلية عن البحث عن الكنوز المُخبأة داخل مقبرة الإسكندر الأكبر، والقصة لها جذور أغلبها أسطوري وخيالي، ولأن الفيلم كوميدي؛ فهو يتعامل مع المغامرة والتاريخ بخفة واستظراف، وهذا مفهوم الكوميديا السائدة، ويعتمد الفيلم على مشاهد الأكشن السريعة والقوية، وعلى انتقال الشخصيات من دولة إلى أخرى؛ لتحقيق قدر من الإثارة والحيوية؛ فالأحداث تدور بين مصر وكينيا والعراق واليونان، والفيلم منذ البداية يُعلن على التترات أنه مزيج من الوقائع التاريخية والخيالية.
وهذا أمر ظننته حجة لرفع سقف الخيال في الفيلم، لكن هذا لم يحدث، وتفرغ الفيلم لمشاهد الضرب والمطاردات وتغيير المناظر والدول، وكأن مفهوم فيلم المغامرات الجيد هو حشد أكبر قدر من مشاهد الأكشن في عدد متنوع من الدول، دون أن يكون الحافز الدرامي لهذه المغامرات قوياً؛ فنحن نتابع شخصيات تسعى خلف أشياء لا نفهمها تماماً؛ كمجموعة المفاتيح التى تُمكن من يحصل عليها فتح مقبرة الإسكندر، والإستيلاء على الثروة الكبيرة التى خبأها؛ ولكن النتيجة كانت قدر هائل من السذاجة الدرامية في مُقابل مجهود كبير للتصوير والمونتاج وتصميم الخدع والجرافيك والمطاردات وحركات المجازفة.
أكشن كثيف ودراما فقيرة
"لص بغداد" محاولة لتقديم مغامرة تشبه "جحيم في الهند"، الذي قام ببطولته "محمد إمام" عام 2016 مع المخرج "معتز التوني"، نفس الأجواء التى تجمع بين الأكشن والكوميديا والمغامرة التى تدور أحداثها في عدة دول، ولكن مع جرعة أكبر من الأكشن والمؤثرات و"تأشيرات الدخول"، وحاول المخرج "أحمد خالد موسى" استعراض مهاراته التقنية في صناعة فيلم حركة بمواصفات هوليوودية، وحاول "محمد إمام" تقديم شخصية المغامر اللامبالي، الخارق تقريباً، وهو ينتقل من مغامرة إلى أخرى دون حبكة ذكية تصنع لأزماته ومجازفاته معنى؛ فالأكشن في الفيلم يلف ويدور ويتكرر ويُعيد نفسه لخلق حالة حركة لا أكثر، والبطل يقفز من طائرة، ويتشاجر تحت الماء، وفوق الأرض، وفي الهواء، ويتورط في مطاردات سيارات عنيفة، ويُحاصر في كهف ملىء بفخاخ قاتلة، وكل هذا يتم تقديمه بمواصفات بصرية متميزة ولافتة، باستثناء الإفراط غير المبرر فى التصوير البطىء، ومع غياب الحبكة الذكية في سيناريو "تامر إبراهيم"، وسطحية التمهيدات الجذابة لتفاصيل المغامرة؛ فكل هذا المجهود البصرى والمجازفات والمطارات يتم هدره؛ بسبب الضعف الدرامي، وأسلوب السرد الخامل، وأحياناً أخطاء فادحة مثل اختفاء شخصية فرد عصابة أسيوي فاقد الوعي ععلى الأرض من تتابع اللقطات، فى مشهد تعذيب "محمد إمام"، و"فتحي عبد الوهاب". لم يقتبس العمل فيلماً هوليوودياً بعينه، لكنه تأثر كثيراً بباقة من أفلام المغامرات المعروفة؛ مثل Mission: Impossible "مهمة مستحيلة"، و The Mummy "المومياء"، و Indiana Jones "إنديانا جونز"، و Tomb Raider "غزاة المقبرة"، و Atomic Blonde "الشقراء الذرية"، وغيرها من الأفلام التى كانت مرجعية لبعض مشاهد الأكشن، ولكنها لم تستلهم منها فكرة بناء دراما قوية يقف عليها هذا الأكشن.
بضاعة كوميدية قديمة
الكوميديا في الفيلم فقيرة إلى درجة مُفزعة؛ فكيف تخيل "محمد إمام" و"محمد عبد الرحمن" أن النكات والإفيهات السطحية التى كانا يطلقانها في الفيلم مُضحكة بالفعل؟ وكيف تعامل كاتب الحوار مع ما كتبه على أنه يمت لفن الحوار الكوميدي؟
البطل "يوسف-محمد إمام" شخص خفيف الظل، أو هكذا يُفترض أن يكون حتى ينطق بإفيهاته التافهة؛ فتتمنى أن يبدأ وصلة ضرب لباقي الممثلين؛ فهذا أهون من الإفيهات الثقيلة التى يُتحفنا بها، أما باقى شخصيات الفيلم، فهى منتقاة من رف الشخصيات النمطية؛ "محمد عبد الرحمن" هو الصديق الأحمق الذى يُنقذ البطل في اللحظات الصعبة ، و"ياسمين رئيس" الفتاة الجميلة التى تمتلك معلومات تاريخية يحتاجها البطل، و"فتحي عبد الوهاب" المنافس المزعج الذى يسبق البطل دائماً بخطوة، والعصابة التى تقودها فتاة شقراء من أصول روسية "أمينة خليل"، ورغم أن الشخصيات يؤديها مجموعة ممثلين يمتلكون الموهبة والقدرة على التنوع، ولكن القوالب النمطية التى خلقها السيناريو لم تُتح لهم فرصة تقديم أداء مميز؛ وتاهت "ياسمين رئيس" بين الصراخ والثرثرة، ولم تستطع تحديد هوية شخصيتها؛ فعى فتاة من أصول شعبية، ولكنها تؤدي دورها بأرستقراطية، وجمدت "أمينة خليل" داخل تمثال شمعى لفتاة شريرة، وغرق "محمد عبد الرحمن" في فيضان الإفيهات الركيكة، وحاول "فتحى عبد الوهاب" منح شخصيته الضعيفة بعض ملامح الشرير الكوميدي السيكوباتى، وكان أقل الممثلين خسائر في سيناريو متواضع للغاية.
فيلم "لص بغداد" قدم شكل مبهر للمؤثرات والمطاردات والمجازفات، لكنه افتقد التسلية، وقدم بضاعة كوميدية قديمة، ونكات وإفيهات فاترة لا تُضحك؛ ولا جديد فيها، ورغم المجهود المبذول لتقديم فيلم تسلية بمقاييس هوليوودية، لكن صُناع العمل لم يبدأوا من حيث انتهت أفلام المغامرات الأجنبية، بل حاولوا تقديم نسخة مقلدة منها، تخلو من الإبداع، وتعتمد على قالب استهلاكي، وللأسف خرجت النسخة باهتة وغير مميزة.