خاص "هي"- مهرجان فينيسيا 2022: فيلم "صاحبتي" عزيزي الرجل جرب أن تكون ضحية
ضمن مسابقة آفاق، فئة الأفلام القصيرة، عرض الفيلم المصري الوحيد لهذا العام في مهرجان فينيسيا، فيلم "صاحبتي" للمخرجة كوثر يونس. ربما شاهد الكثيرون بالفعل فيلمها التسجيلي السابق "هدية من الماضي"، والذي حقق نجاحًا كبيرًا سواء على مستوى النقاد أو الجمهور، رغم أن الأفلام التسجيلية عادة لا تلقى نفس رواج الروائية. لاحقًا قدمت فيلمها الروائي القصير "يوكو وياسمينا"، مشروع تخرجها من معهد السينما، ليصبح "صاحبتي" هو فيلمها الروائي القصير الثاني.
داخل غرفة النوم
تدور أحداث الفيلم في ليلة واحدة، يذهب علي (مارك حجار) لزيارة صديقته سارة (إلهام صفي الدين) في بيتها متنكرًا في هيئة فتاة، رغبة منه في قضاء ليلة معها أثناء وجود أهلها في البيت ودون علمهم بالطبع. منذ المشهد الأول، سنشاهد زاوية الطرح المختلفة التي تقدمها كوثر يونس في فيلمها. عادة ما تكون الفتاة في الأعمال الدرامية هي من تذهب إلى حبيبها، ولا يمكن إغفال أنه في الأعمال المشابهة، يرغب الرجل في الحصول على المرأة دون تقديم أية تنازلات أو تعريض نفسه للخطر بأية صورة. هكذا نجد أن علي يقدم تنازلين مهمين، الأول هو أن يذهب هو إلى بيت حبيبته معرضًا نفسه للخطر، والثاني هو أن يتنكر، وهو الرجل المصري الذي عادة ما يعتد بذكورته، في صورة فتاة بل ويضع مساحيق التجميل أيضًا إمعانًا في التنكر.
لا شك أن المحرك الأساسي لعلي هو الرغبة، يمكن أن نفكر إذا كان الحب حاضرًا بينه وبين سارة أم لا، إذ يبدو هذا بوضوح منذ دخوله إلى غرفة سارة، لكنه في الوقت نفسه يستسلم لها، ويترك لها وجهه لتضع عليه المزيد من مساحيق التجميل، في تنازل واضح. إذ لا ترغب المخرجة في أن نضع أحكامًا قاطعة على شخصيتيها، أو أن ننحاز كمشاهدين لطرف -في هذه العلاقة- على حساب الآخر، سنجد أن سارة أيضًا ترغب بشدة في مقابلة علي، فهي بالأساس صاحبة فكرة حضوره بهذه الصورة.
خارج غرفة النوم
إن كان هناك شعور واحد يؤكد عليه "صاحبتي" فهو الخوف. كما ذكرنا فإن الرغبة هي الدافع الأساسي وراء لعبة التنكر تلك، ولكن من خلال حوار سارة وعلي، نفهم أنها ترغب في رؤيته بعيدًا عن مواعيد الجامعة، وإذ يبدو أن اللقاء بطريقة طبيعية أمرًا مرفوضًا، ربما من الأهل، أو حتى من المجتمع المحيط بهما، فإنهما يلجآن إلى هذه الحيلة، لتفادي الأعين المتربصة.
وبعد أن يقترب علي في الاقتراب من اللحظة التي ينتظرها للانفراد بسارة، فإنه يشعر بالغضب فجأة من تماديها في المزاح والسخرية من شكله في التنكر. لا نشاهد ما يدور في رأس علي، لكن هذا الغضب الذي شعر به، يصعب أن يكون منفصلًا أيضًا عن الخوف من التمادي في إنكاره لكونه الرجل، ولتنازله عن ذكورته، حتى لو كان يفعل هذا على سبيل اللعب وأمام حبيبته فقط، فماذا لو خرج الأمر عن نطاق الغرفة؟
ويتركنا الفيلم مع لحظة الخوف الأبرز، والتي تأتي في نهايته، عندما نشاهد الكيفية التي يتعامل بها والد سارة مع علياء (علي متنكرًا) والتي تأتي بمثابة صدمة أخيرة، إذ نفكر في كيفية سلوك هذا الأب حتى مع ابنته.
السيناريو الذي شاركت كوثر يونس في كتابته مع أحمد عصام السيد، ينجح ببساطة شديدة وبحيلة ذكية في إلقاء الضوء على الكثير من الأفكار التي يمكن أن نكون قد شاهدناها من قبل، مثل التحرش واستغلال الرجل للمرأة، والخوف من مواجهة المجتمع، لكن المميز في "صاحبتي" هو أن يقلب الأدوار، ويجعل الرجل الذي عادة ما يكون هو صاحب اليد العليا، في دور الضحية هذه المرأة، ولكنه ليس ضحية لأنه رجل بل أن تنكر في صورة مرأة.
بعد نهاية الفيلم سنجد أنفسنا نفكر في مدى تأثير هذه الليلة على علي، كيف يمكن أن يفكر في الفتيات الأخريات لاحقًا، هل سيكرر زيارة سارة، أو ربما أي فتاة أخرى متنكرًا في هذه الصورة؟ جميعها أسئلة متروكة لخيال المشاهد، وهو ما يجعل "صاحبتي" من الأفلام التي لا تغادر الذهن سريعًا.